تقدم عباس وتراجع دحلان.. عودة مصرية للقضية الفلسطينية

ممثلون عن الفصائل خلال الحوار الوطني الفلسطيني في القاهرة (الإعلام المصري)

منذ نهاية العام الماضي، تكثف مصر اتصالاتها ومشاوراتها الإقليمية والدولية بهدف فتح الطريق أمام استئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بعد سنوات من الجمود، إلى جانب محاولة إنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي.

هذا الإلحاح في فتح مسارين متوازيين رغم صعوبته، يثير العديد من التساؤلات حول رغبة مصر في حسم الملفين بوتيرة أسرع، والرهان على السلطة الفلسطينية في قيادة تلك المرحلة رغم موقفها السابق من رئيسها محمود عباس.

وفي تحرك نادر من السلطة المصرية أعلنت الثلاثاء الماضي إعادة فتح معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة في كلا الاتجاهين حتى إشعار آخر، والذي ظل طوال العام الماضي مغلقا إلا بعض الأيام للسماح بدخول وخروج العالقين.

وفي 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، استضافت القاهرة اجتماعا تنسيقيا مصريا أردنيا فلسطينيا من أجل تنسيق المواقف إزاء الانخراط مجددا في مفاوضات عملية السلام، أسفر عن استضافة اجتماع دول "صيغة ميونخ" في بداية العام الجاري؛ بهدف إعادة إحياء عملية السلام وتضم المجموعة مصر والأردن وفرنسا وألمانيا.

ومن أجل دعم الجهود المصرية؛ استضافت القاهرة اجتماعا طارئا لوزراء الخارجية العرب، وطالب مجلس جامعة الدول العربية في ختام اجتماعه، يوم الاثنين، إسرائيل بالاستئناف الفوري لعملية السلام مع الفلسطينيين، والتمسك بحل الدولتين الذي يجسد الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة.

قيادة جهود المصالحة

وفي سياق متصل، استضافت القاهرة على مدار يومي الاثنين والثلاثاء اجتماعات الحوار الوطني الفلسطيني بمشاركة الفصائل الفلسطينية، وقوى وطنية وشخصيات مستقلة.

ونقلت الصحف المصرية عن مصدر مسؤول أن ‏انعقاد الحوار الوطني الفلسطيني بالقاهرة، والذي يحضره مسؤولون بالمخابرات العامة المصرية، يستهدف السعي لتجاوز ‏الخلافات الفلسطينية من أجل بناء مستقبل مثمر للأجيال القادمة.

واختتمت الفصائل الفلسطينية اجتماعاتها بالتأكيد على الالتزام بالجدول الزمني الذي حدده مرسوم الانتخابات التشريعية والرئاسية، إلى جانب إجرائها في مدينة القدس والضفة الغربية وقطاع غزة دون استثناء، والتعهد باحترام وقبول نتائجها.

ومن المقرر أن تجرى الانتخابات التشريعية يوم 22 مايو/أيار، والرئاسية في 31 يوليو/تموز، على أن يستكمل تشكيل المجلس الوطني يوم 31 أغسطس/آب من هذا العام.

وستكون هذه الانتخابات في حال إجرائها، أول انتخابات تشريعية منذ العام 2006، وكذلك أول انتخابات رئاسية منذ 2005 في الأراضي الفلسطينية (قطاع غزة والضفة الغربية).

وتهدف مصر إلى مشاركة كافة الأطراف الفاعلة وفي مقدمتها الإدارة الأميركية الجديدة والرباعية الدولية في جهود تحقيق السلام وفقاً للثوابت المتفق عليها دولياً، وعلى أساس المقررات الدولية والعربية وفي مقدمتها مبادرة السلام العربية لعام 2002، وفق وزير خارجيتها سامح شكري.

الأجواء مواتية

في هذا الإطار، يقول رئيس لجنة الشؤون العربية والخارجية والأمن القومي بمجلس الشورى السابق، رضا فهمي، إن الملف الفلسطيني ظل حكرا على الإدارة المصرية لفترات طويلة حتى نهاية حقبة مبارك، وكان دورها مؤثرا بشكل كبير، لكن بعد انقلاب 3 يوليو لم يعد النظام المصري مهموما أو متفرغا له، وانكفأ على الوضع الداخلي ومحاولة البحث عن شرعية.

وأضاف فهمي للجزيرة نت، أنه مؤخرا دخلت الإمارات على الخط لطرح القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان بديلا لأبو مازن، لكن محاولة تصعيد دحلان قديمة ليست جديدة، وبرزت عام 2009 عندما أتى إلى مصر وحاول إقناع القيادات المصرية إبان الحرب على غزة بقدرته على استلام السلطة في القطاع، وبقى في العريش مع أنصاره يتحين لحظة سقوط حكم حركة حماس، وهو ما لم يحدث.

ولكن فهمي استبعد تكرار مشهد انتخابات 2006؛ لأنه لم يعد مطروحا حتى من قبل الفصائل الفلسطينية، من بينها حماس التي قدمت تنازلات في هذا الشأن وتخلت عن بعض شروطها مثل إعادة تشكيل مؤسسة التحرير الفلسطينية وتزامن الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

ورأى البرلماني السابق أن مصر ربما أرجأت ورقة دحلان الآن، وأدركت أنها محفوفة بالمخاطر، وأن أي انتخابات الآن ربما ستحقق توازنا أكثر بين الفصائل الفلسطينية، وربما لا تسمح بانفراد حماس مجددا، وانغماسها في هذا الملف ربما يخفف من ضغوط إدارة بايدن عليها في ملف حقوق الإنسان.

لهذا تحركت مصر

من جهته، أرجع أستاذ العلوم السياسية والإعلام بجامعة الأمة في غزة، عدنان أبو عامر، التحركات المصرية الأخيرة إلى أنها ليست نابعة من الإدارة المصرية، بقدر ما هي ناتجة عن القرار الفلسطيني بإجراء انتخابات عامة بعد ضغوط أوروبية وأميركية على الرئيس أبو مازن.

وأكد أبو عامر في تصريح للجزيرة نت أنه لا توجد ضمانات أكيدة لنجاح مصر في إنجاز اتفاق حقيقي شامل يمنع تكرار ما جرى في 2006، ومصر التي لم ترحب بفوز حماس في ذلك الوقت لن يختلف موقفها اليوم في حال فازت حماس مجددا، الأمر الذي يشكل علامة استفهام حول حيادية الدور المصري حيال التفاهمات الحالية.

وأعرب عن اعتقاده بأن القاهرة لم تنفض يدها من دحلان، فهو لا يزال يمثل خيارا مصريا إماراتيا سعوديا، لكن مصر لا تعلنها صراحة ولا تريد خسارة أبو مازن، مشيرا إلى أن النظام المصري يعتبر الملف الفلسطيني ورقة مهمة الآن، حيث يمثل جواز مرور للإدارة الأميركية الحالية.

رسائل مصرية

بدوره، اعتبر كامل الحواش الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني في بريطانيا، أن نقطة البداية كانت بممارسة ضغوط أميركية أوروبية على الرئيس الفلسطيني من أجل إصدار مرسوم الانتخابات العامة قبل إنهاء محادثات المصالحة الفلسطينية.

وأشار الحواش في حديثه للجزيرة نت إلى أن مصر باستضافتها لهذه المحادثات تبعث رسالة واضحة لإدارة بايدن بأنها عنوان مهم بالشأن الفلسطيني وربما الفلسطيني الإسرائيلي.

وأوضح أن مصر ربما عدلت عن تأييدها لإحداث تغيير في السلطة يجلب من هو أقرب لها، وذلك بعد النجاح النسبي لمباحثات حماس وفتح، وبعد رسالة رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية التي أقرت بدور الرئيس عباس والقبول بإجراء انتخابات تشريعية أولا، وعدم تزامن الانتخابات التشريعية والرئاسية كما أرادت حماس.

المصدر : الجزيرة