خروج القوات الأميركية من العراق.. انسحاب حقيقي أم صوري؟

بغداد وواشنطن اتفقتا على انسحاب جميع القوات القتالية للتحالف الدولي بحلول نهاية 2021، بحيث تنسحب مع معداتها تدريجيا ويبقى منها عناصر لمهام "المشورة والتدريب والدعم الاستخباراتي".

epa03037147 An image made available on 18 December 2011 shows US soldiers from the 3rd Brigade, 1st Cavalry Division depart a mission brief on their way to perform perimeter security at Camp Adder, now known as Imam Ali Base near Nasiriyah, Iraq on 16 December 2011 Around 500 troops from the 3rd Brigade, 1st Cavalry Division ended their presence on Camp Adder, the last remaining American base, and departed in the final American military convoy out of Iraq, arriving into Kuwait in the early morning hours of 18 December 2011. All U.S. troops were scheduled to have departed Iraq by 31 December 2011. At least 4,485 U.S. military personnel died in service in Iraq. According to the Iraq Body Count, more than 100,000 Iraqi civilians have died from war-related violence.  EPA/MARIO TAMA / POOL
جنود أميركيون في انتشار سابق بإحدى القواعد العسكرية جنوب العراق (الأوروبية)

يساور الشك قوى وأطرافا عراقية بشأن إعلان التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية مغادرة البلاد كليا بحلول نهاية العام الجاري الذي شارف على الانقضاء، إذ تنظر بعضها إلى ذلك القرار على أنه مجرد "إعلان صوري" لتخفيف الضغط عن حكومة بغداد.

وفي 26 يوليو/تموز الماضي، اتفقت بغداد وواشنطن على انسحاب جميع القوات القتالية للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بحلول نهاية العام الجاري.

واستبق العراق والتحالف حلول الموعد المقرر، وأعلنا في 9 من الشهر الجاري إنهاء المهام القتالية للتحالف الدولي بشكل رسمي.

ومن المقرر أن تنسحب تلك القوات مع معداتها تدريجيا، وألا يبقى لها أي وجود على الأراضي العراقية بحلول نهاية العام.

وفق المتفق عليه

وقال متحدث باسم جهاز "مكافحة الإرهاب" العراقي صباح النعمان "انسحاب القوات الأميركية والأجنبية عموما من البلاد يسير وفق الخطط المتفق عليها بين بغداد وواشنطن".

وأضاف النعمان أن هناك تفاهمات عالية المستوى بين أميركا والحكومة بشأن عمليات الانسحاب.

وأشار إلى أن القيادات الأمنية تواصل عقد الاجتماعات مع التحالف الدولي من أجل رسم خارطة طريق خطوات الخروج.

اتفاقات سابقة

وكان تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة قد أسقط النظام العراقي السابق عام 2003، ثم أعلنت واشنطن نفسها قوة احتلال في البلد.

عام 2008 أبرمت الولايات المتحدة والعراق اتفاقية الإطار الإستراتيجي والتي مهدت لخروج القوات الأميركية بشكل كامل أواخر 2011 بعد 8 سنوات من الاحتلال، وتنظم الاتفاقية العلاقات بين البلدين على مختلف الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية وغيرها.

وعادت القوات الأميركية إلى العراق بطلب من بغداد لمساعدتها في هزيمة تنظيم الدولة عام 2014، إثر اجتياح التنظيم لثلث مساحة البلاد في الشمال والغرب بعد أن أوشك الجيش العراقي على الانهيار.

وقادت الولايات المتحدة تحالفا مكونا من نحو 60 دولة لمحاربة هذا التنظيم، وقدمت دعما مؤثرا لإلحاق الهزيمة به. واستعاد العراق كامل أراضيه من التنظيم عام 2017 بعد 3 سنوات من الحرب.

إعلان صوري

وسيقتصر الانسحاب، وفق الاتفاق الأخير، على القوات القتالية، ولا يشمل المئات من العسكريين الآخرين الذين يتولون أدوارا غير قتالية.

ووفق مسؤولي الولايات المتحدة، فإنها ستحتفظ بنحو 2500 جندي لتقديم ما تسميه مهام المشورة والتدريب والدعم الاستخباراتي للقوات العراقية لملاحقة فلول تنظيم الدولة.

ويرى المراقب السياسي العراقي سعد الزبيدي أن انسحاب القوات الأميركية من البلاد نهاية العالم الجاري مجرد إعلان دعائي، مشيرا إلى أن "الحرب ضد تنظيم (الدولة الإسلامية) داعش لا تزال مستمرة لغاية الآن، وبالتالي فإن الحديث عن الخروج دعائي".

ونوه إلى أن جميع المعطيات تشير إلى بقاء القوات الأميركية القتالية في قاعدة عين الأسد (الأنبار غربي البلاد) وبعض القواعد الموجودة في إقليم كردستان.

الصراع الأميركي الإيراني

وتحول العراق إلى ساحة صراع رئيسية بين إيران والولايات المتحدة منذ انسحاب الأخيرة من اتفاق حول برنامج طهران النووي عام 2018.

وتتعرض القواعد العسكرية العراقية التي تستضيف القوات الأميركية لهجمات متكررة منذ ذلك الوقت عبر طائرات مسيرة محملة بمتفجرات وصواريخ، وتتهم واشنطن فصائل عراقية موالية لإيران بالوقوف وراءها.

وعاد الزبيدي ليقول إن هناك العديد من الأسباب التي تدفع الأميركيين للبقاء في العراق، أبرزها العداء مع طهران وحماية مصالحها في الشرق الأوسط.

وتوقع أن تعود الفصائل العراقية الموالية لإيران إلى استهداف القواعد العسكرية والسفارة الأميركية في بغداد، بواسطة الطائرات المسيرة وصواريخ الكاتيوشا.

واعتبر هذا المحلل السياسي أن القوات الأمنية العراقية غير جاهزة لاستلام مهام ملاحقة فلول تنظيم الدولة، وتأمين الحدود واستمرار العمليات العسكرية من دون وجود دعم أميركي.

وتابع أن الطيران الحربي العراقي بحاجة إلى الدعم الأميركي، كون العراق لا يمتلك أجهزة رادار جوية وأسلحة دفاع جوي.

كتائب "سيد الشهداء" تتوعد الأميركان في العراق
أبو آلاء الولائي أعلن فتح باب التطوع استعدادا لمواجهة حاسمة مع "الاحتلال الأميركي" (الجزيرة)

تشكيك واستعدادات

ويبدو أن الفصائل الشيعية المقربة من إيران تشكك في انسحاب القوات القتالية للتحالف الدولي من العراق، وخاصة الأميركية منها.

وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلن أبو آلاء الولائي زعيم ما تسمى كتائب "سيد الشهداء" فتح باب التطوع لصفوف الكتائب، استعدادا لما سماه المواجهة الحاسمة مع "الاحتلال الأميركي" بعد نهاية العام الجاري.

وتواجه الحكومة ضغوطاً كبيرة من قوى سياسية وفصائل لإخراج القوات الأميركية من البلاد، خاصة بعدما صوت البرلمان على إخراج كافة القوات الأجنبية عقب ضربة جوية أميركية مطلع 2020 أفضت إلى مقتل قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي.

وقال المراقب السياسي المقرب من الفصائل الشيعية مؤيد العلي إن الوجود الأميركي في العراق غير مرغوب فيه من قبل أغلب أبناء الشعب العراقي.

واعتبر العلي أن الوجود الأجنبي له أثر سلبي على المستوى الأمني والاقتصادي وحتى السياسي "بسبب تدخل السفارة الأميركية في الشؤون الداخلية".

وأضاف أن المعطيات والتصريحات الحالية تشير إلى أن الجانب الأميركي يريد الإبقاء على القوات القتالية بالعراق، لكن بصفة استشارية بهدف حماية مصالحه الخاصة.

وأشار العلي إلى أن أسلحة فصائل المقاومة جاهزة لطرد القوات الأميركية من العراق، في حال عدم الانسحاب نهاية الشهر الجاري.

وتابع "الفصائل تمتلك أسلحة وإمكانيات لم يتم الكشف عنها، وستفاجئ الأميركيين".

المصدر : وكالة الأناضول