محامي أبو زبيدة للجزيرة نت: سي آي إيه لا تريد أن يعرف العالم عن تعذيبه

عبر المحامي دينباو عن أمله في أن يقدم الرئيس الأميركي بايدن على إغلاق معتقل غوانتانامو، حيث لا يزال فيه 39 مسجونا، لكنه أقر بأن غلق الملف يعد عملية معقدة بسبب مخاوف مختلفة من عرقلة الكونغرس أو رفض قبول المعتقلين في دولة ثالثة

الصورة لأبو زبيدة واسمه الكامل زين العابدين محمد حسين - Zayn al Abidin Muhammad Husayn, a Palestinian known as Abu Zubaydah, is imprisoned at Guantanamo. (Department of Defense/MCT via Getty Images)
أبو زبيدة "زين العابدين محمد حسين" أحد أشهر معتقلي غوانتانامو (غيتي)

واشنطن- من بين 39 معتقلا باقيا حتى الآن في معتقل غوانتانامو يبرز أبو زبيدة على رأس مجموعة من 27 معتقلا لم توجه لهم السلطات الأميركية أي تهم من أي نوع منذ اعتقالهم، عقب بدء حربها على تنظيم القاعدة قبل عقدين.

وُلد زين العابدين محمد حسين -ويحمل اسما آخر هو عبد الهادي الوهاب، ولقبه "أبو زبيدة"- في الرياض لعائلة فلسطينية تقيم في السعودية منذ عام 1971.

وعُرف أبو زبيدة كونه "أول من تم تعذيبه" على يد ضباط الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" (CIA) في مراكز الاعتقال السرية التي استخدمتها الوكالة في عدة دول، منها تايلند وبولندا، وذلك بعد اعتقاله في مارس/آذار 2002 أثناء مداهمة مشتركة نفذتها قوات باكستانية مع وحدات أميركية جنوبي باكستان.

وبعد نقله إلى معتقل غوانتانامو عام 2006 خضع أبو زبيدة لتحقيقات مكثفة وعمليات تعذيب ممنهجة، قبل أن تتيقن الاستخبارات الأميركية أنه لا علاقة تربطه بتنظيم القاعدة، وأنه لم يكن عضوا فيه، وهذا ما أكدته لاحقا تحقيقات لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، ورغم ذلك لم يتم الإفراج عنه ولم يتم توجيه أي تهمة له على الإطلاق.

وبعد إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن انسحاب قوات بلاده بصورة كاملة من أفغانستان في أغسطس/آب الماضي تقدم مارك دينباو محامي أبو زبيدة بطلب للمحكمة الدستورية العليا الأميركية بالإفراج عن موكله، لأنه لم يعد "عدوا للدولة" بعد إعلان واشنطن انتهاء حربها في أفغانستان.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي ناقشت المحكمة الدستورية الطلب، وأعلنت تحويله إلى محكمة فدرالية في واشنطن، والتي قبلت بدورها النظر فيه.

وتقدم المحامي دينباو بطلب إلى المحكمة طبقا لمبدأ "أمر الإحضار" الذي يعني صدور أمر قضائي يقضي بإحضار شخص رهن الاعتقال إلى قاضٍ أو إلى محكمة، بهدف الإفراج عنه ما لم تظهر أسباب قانونية لاستمرار احتجازه.

ولا يتقاضى المحامي دينباو أي مقابل مادي لتمثيله المعتقل، ويؤمن بأنه يقوم بواجبه كرجل قانون في المساهمة في منح أبو زبيدة الحق في محاكمة عادلة وإخلاء سبيله، لعدم توجيه أي اتهام له.

وقبل ساعات من مغادرته الولايات المتحدة متوجها إلى معتقل غوانتانامو على متن طائرة عسكرية تابعة للبنتاغون تحدث محامي أبو زبيدة وأستاذ القانون في جامعة سيتون هول بولاية نيوجيرسي للجزيرة نت.

انطباعات عن أبو زبيدة

تحدث المحامي دينباو عن لقاءاته المتعددة بموكله، ووصفه بأنه "شخصية قيادية بارزة وشديدة الذكاء، وأكثر ما يميزه عدم وجود غضب لديه بعد كل ما جرى له على مدار السنوات الماضية".

وقال "من الطبيعي أن يتملك الغضب أي شخص مر بما مر به أبو زبيدة، لكنه لا يملك ذلك الغضب الذي يتوقعه الشخص في حالة مثل حالته".

وأشار دينباو إلى أنه يجتمع مع موكله على انفراد دون وجود حرس أو مترجم، فالمعتقل يجيد الإنجليزية. ولم يستبعد المحامي أن تكون هناك كاميرات أو ميكروفونات سرية تسجل حواراتهما.

وحسب المحامي، "يؤمن أبو زبيدة بالجهاد طبقا لمعتقداته الدينية، إلا أنه يرفض بشدة أي اعتداء على مدنيين أو نساء أو أطفال، ويراه عملا غير إسلامي".

وأضاف أن "احتلال إسرائيل فلسطين هو إحدى أهم القضايا التي ساهمت في تشكيل عقلية أبو زبيدة السياسية".

وأكد دينباو أن لأبو زبيدة "علاقات طيبة حاليا مع الحراس والمسؤولين في المعتقل، وهم يحترمونه، وهو يقدر ذلك، وقد انتهت أعمال التعذيب والتحقيقات منذ سنوات، ويتحدث المعتقلون بطرق مباشرة وغير مباشرة مع بعضهم البعض داخل المعتقل".

وقابل دينباو أبو زبيدة عدة مرات، كان آخرها قبل إغلاقات "كوفيد-19″، وسيلتقيه بعد غد الأحد.

وقال "أبو زبيدة يمارس شعائره الدينية بحرية حاليا داخل المعتقل، هناك إحساس بمفهوم الجماعة بين المعتقلين الباقين، فهم يتشابهون فكريا ودينيا وثقافيا على الرغم من التنوع الجغرافي بينهم".

مسار قضائي طويل ومعقد

وحسب المحامي، "لم يُدن أبو زبيدة بجريمة واحدة، ولن يدان أبدا".

وانتقد دينباو المسؤولين الذين "أخطؤوا في الحكم على المعتقل منذ سنوات، وأخضعوه لبرنامج استجواب وتعذيب قاسٍ، وهم الآن في موقف صعب".

وطعن أبو زبيدة لأول مرة في سجنه أمام محكمة فدرالية بواشنطن في أغسطس/آب 2008، ولكن بعد 13 عاما لا تزال القضية معلّقة، ولا يزال أبو زبيدة محبوسا دون تهمة.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي قال القاضي بالمحكمة العليا ستيفن براير خلال مرافعات شفوية في قضية "الولايات المتحدة وأبو زبيدة" المتعلقة بـ"أسرار الدولة"، وفي عدم عرضه أمام القضاء أو توجيه تهم له إن المحكمة العليا قضت بأن الحكومة يمكن أن تحتجز معتقلي غوانتانامو في الوقت الذي "تقوم فيه بعمليات قتالية نشطة ضد مقاتلي طالبان بأفغانستان، حسنا، المعارك انتهت، فلماذا أبو زبيدة هناك؟".

وأضاف براير في وقت لاحق "لا أفهم لماذا لا يزال هناك بعد 14 عاما؟".

وقال المحامي دينباو "كان أبو زبيدة أول شخص تعذبه (سي آي إيه) في إطار برنامجها الشهير للتعذيب، وجرى ذلك على أساس أنه معتقل كمقاتل عدو في الحرب بأفغانستان، والآن بعد أن انتهت تلك الحرب ينبغي انتهاء احتجازه كمقاتل عدو".

وأشار المحامي -في حديثه للجزيرة نت- إلى أنه "بموجب اتفاقية جنيف المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب يجب إعادة هؤلاء الأسرى إلى أوطانهم دون تأخير بعد وقف الأعمال العدائية الفعلية، والآن فقد انتهت هذه الأعمال العدائية طبقا للرئيس الأميركي ووزيري الدفاع والخارجية".

وتقول الحكومة الأميركية إن الحرب ما زالت مستمرة على تنظيم القاعدة رغم انتهاء القتال في أفغانستان، ويرد دينباو بالقول "إن الادعاء أن الولايات المتحدة في حالة حرب مع تنظيم القاعدة لا يبرر استمرار احتجاز أبو زبيدة، فهو لم يكن عضوا في التنظيم، ولا يمكن تحديد هويات أعضاء تنظيم القاعدة أو مجالهم الجغرافي والعملياتي، وهكذا فستستمر الحرب للأبد، وسيتم احتجاز المعتقلين للأبد".

(رسم لسجين غوانتانامو أبو زبيدة يظهر أسلوب التعذيب بالغمر بالماء) الصورة من مارك ديبنو أحد محاميه
رسم لسجين غوانتانامو أبو زبيدة يظهر أسلوب التعذيب بالغمر بالماء (الصحافة الأميركية)

أول وأسوأ حالة تعذيب

وحسب محاميه، تعرض أبو زبيدة للتعذيب على نطاق واسع "فقد تم إيهامه بالغرق 83 مرة، وحرم من النوم والطعام لفترات طويلة، وحبس داخل التوابيت والصناديق الصغيرة، واُعتدي عليه جسديا، وفي مرحلة ما أثناء احتجازه فقد عينه اليسرى، ووثقت أشرطة فيديو بعض استجواباته وتعذيبه، وهي من بين تلك التي دمرتها وكالة المخابرات المركزية في عام 2005".

وفي عام 2014 "خلص تقرير نشر على نطاق واسع من لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ إلى أن أبو زبيدة لم يكن عضوا في تنظيم القاعدة، وأنه لم يتم الحصول إلا على القليل من المعلومات الاستخباراتية من خلال تعذيبه".

ورغم ذلك لا يزال مسجونا في غوانتانامو دون توجيه أي تهمة إليه "ولا تريد الاستخبارات الأميركية له أن يخبر العالم بتفاصيل ما جرى له في حال إطلاق سراحه" كما يقول المحامي دينباو.

تفاؤل بالإفراج وإغلاق ملفه

وعبر المحامي دينباو عن أمله في أن يقدم الرئيس الأميركي بايدن على إغلاق المعتقل بقاعدة غوانتانامو في كوبا، حيث لا يزال فيه 39 مسجونا، ورغم ذلك أقر المحامي بأن غلق الملف يعد عملية معقدة بسبب مخاوف مختلفة من عرقلة الكونغرس أو رفض قبول المعتقلين في دولة ثالثة.

لكن دينباو عبر عن ثقته في "ذكاء الرئيس بايدن وشجاعته"، خاصة بعد أن "اتخذ قرارا تاريخيا بالانسحاب الكامل من أفغانستان في ظل ظروف سياسية داخلية وخارجية شديدة التعقيد".

لذلك، يقول المحامي "أؤمن بأنه يعمل في صمت لإغلاق المعتقل، بايدن يدرك حجم الضرر لأميركا ومكانتها الدولية من استمرار استخدام معتقل غوانتانامو".

وعن مستقبل أبو زبيدة في حال الإفراج عنه، أشار المحامي إلى أنه يستطيع إقناع عدة دول باستقباله، رافضا تحديد أسمائها، إلا أنه أشار إلى أن ألمانيا ربما تكون إحدى تلك الدول التي لن تمانع استقبال أبو زبيدة في حال الإفراج عنه كما يتوقع قريبا.

المصدر : الجزيرة