عقب التوصل لاتفاق نهائي.. من خرج منتصرا من حرب المناخ في غلاسكو: أميركا أم الصين؟

بطرقة مطرقة على المنصة ونبرة لا تخلو من خيبة أمل، أعلن ألو شارما رئيس قمة المناخ في غلاسكو "كوب 26" (COP26) عن التوصل لاتفاق جديد للمناخ، مقدما اعتذاره لممثلي 197 دولة عن التأخير في الإعلان عن التوصل لاتفاق نهائي، ذلك لأن القمة كان من المقرر أن تنتهي يوم السبت لكنها تأخرت يوما كاملا بسبب الخلافات حول الصيغة النهائية للاتفاق.

والتقطت عدسات الكاميرا تحركات رئيس القمة الذي قضى سحابة يومه متنقلا بين الوفود المشاركة، في محاولة لجسر الهوة بين قطبين الرئيسيين: الغرب من جهة، والصين والهند من جهة أخرى، ونقطة الخلاف الأساسية بينهما كانت حول مصير التعامل مع الفحم في السنوات المقبلة.

وطغت على أشغال القمة طوال الأسبوعين الماضيين صراع الإرادات بين الصين من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، رغم إعلان الطرفين توصلهما لاتفاق للعمل سويا لحماية البيئة.

وعموما يمكن حصر نقاط الخلاف والتوتر خلال هذه القمة في 4 نقاط أساسية، وهي: التمويل، والطموح الذي سيحققه العالم خلال 2050، والتعويض عن الكوارث البيئية بسبب التغيرات المناخية، وأخيرا التعامل مع الفحم الحجري.

رقم سحري

ولعقود طويلة، ظلّ العلماء ينادون بالحفاظ على ارتفاع درجة حرارة الأرض بمعدل أقل من 2 درجة، وهو ما دفع قمة المناخ في باريس سنة 2015 للمطالبة بتحقيق هذا الهدف، إلا أن الدراسات البيئية المختلفة أظهرت أن هذا الرقم لم يعد كافيا، مما جعل من الرقم 1.5 درجة على قائمة أولويات قمة المناخ في غلاسكو.

وبالفعل فقد نص الاتفاق على التزام الدول بتحقيق هذا الهدف، ورغم صعوبة تحقيقه بسبب موقف الصين والهند من استعمال الفحم الحجري، فإن الكثير من العلماء يؤمنون بإمكانية تحقيقه.

وبحسب دراسة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي (IPCC)، فإن هذا الرقم سوف يمكّن من حماية 10ملايين شخص على الأقل من فقدان منازلهم بسبب موجات المد البحري، كما أنه سيحمي مليوني كيلومتر مربع من التربة الصقيعية الموجودة في القطب الشمالي، والتي يهدد ذوبانها بإطلاق نفايات مشعة وفيروسات نائمة لمئات وآلاف السنين.

كما يساهم هذا الرقم في تقليص عدد الأفراد الذين سيعانون من ندرة المياه بنسبة 50%، والحد من ذوبان الجليد في القطب المتجمدة خلال الصيف.

ولعل العبارة التي قالتها وزيرة البيئة في جزر المالديف أمينات شونا تعبر بعمق عن أهمية هذا الرقم، عندما قالت إن "الفرق بين 2 درجة و1.5 درجة هو كالفرق بين الحكم علينا بالإعدام أو منحنا أمل الحياة"، في إشارة لكون الجزر مهددة بالاختفاء لو ظل الوضع البيئي على ما هو عليه حاليا.

ويختلف العلماء حول إمكانية تحقيق هذا الرقم، إلا أن التفاؤل ما زال يسود في صفوف الكثير منهم، خصوصا مع عدد الالتزامات التي اتخذتها الدول الغربية خصوصا، في انتظار التحاق الصين.

الرقم الصعب

وكان غياب الرئيس الصيني شي جين بينغ عن قمة غلاسكو للمناخ لافتا، ورسالة من بكين للعالم بأنها سوف تسير نحو تقليص الغازات المتسببة في الاحتباس الحراري بإيقاعها هي، لا بالإيقاع التي يفرضه الغرب.

ومن هذا المنطلق، أعلنت الصين أنها لن تبدأ التخلص من الفحم الحجري إلا بعد سنة 2030، وبأنها سوف تصل إلى "صفر انبعاث" من الغازات الملوثة في حدود 2060 أو 2065، في حين أن الهدف العالمي هو الوصول إلى "الحياد" في الانبعاثات سنة 2050.

وهو ما جعل الصين تقف رفقة الهند أمام مسودة اتفاق قمة غلاسكو، لتغيير عبارة "الالتزام بالاستغناء عن الفحم الحجري" إلى "التقليص التدريجي لاستعمال الفحم الحجري".

وتنطلق الصين في موقفها دائما من اعتبار أنها لا تريد دفع ثمن "أخطاء" الغرب خلال نهضتهم الصناعية، وبكونها التحقت بالركب متأخرة، إلا أن الأرقام تظهر أن الصين باتت أكبر ملوث في العالم، وما أنتجته من غازات ملوثة خلال العقد الماضي يعادل ضعفي ما أنتجته الولايات المتحدة.

رقعة الشطرنج

ويبقى التمويل من الأوراق المحرجة للدول الغنية، والتي حاولت الصين اللعب بها من أجل إحراج الولايات المتحدة، عندما دعمت -رفقة ما يسمى "مجموعة 77″، وهي مجموعة تضم 139 دولة- مطالب جزر العالم لتوفير دعم خاص عن الخسائر التي قد تلحق بها بسبب الكوارث الطبيعية الناتجة عن التغير المناخي.

وقوبل هذا الطلب برفض شديد من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، خشية أن يؤدي إلى مسؤولية قانونية عن الانبعاثات السابقة والمطالبات بتعويضات ضخمة، وبالفعل قبلت "مجموعة الصين" بعدم تضمين هذا الطلب في الاتفاق النهائي على مضض.

ليظهر أن الغرب تنازل مرغما للصين عن رغبتها في الاستمرار في استعمال الفحم الحجري، مقابل أن تتنازل الصين عن طلب تعويض الجزر المتضررة الذي أحرج الغرب.

وتبقى المسؤولية على الدول الغنية كبيرة في إطار التزامها في اتفاق غلاسكو بتوفير 100 مليار دولار لمساعدة الدول الفقيرة على تحقيق الانتقال الطاقي واستعمال الطاقات النظيفة، مع السعي للوصول إلى ضعف هذا المبلغ خلال العقدين المقبلين، وهو ما تشكك فيه الدول الفقيرة، وذلك لأن هدف الوصول إلى 100 مليار دولار كان من المتوقع الوصول له سنة 2020، غير أنه لم يتحقق إلى الآن.

المصدر : الجزيرة