فقدت ابنتها ووالدها خلال اعتقالها.. خالدة جرار للجزيرة نت: عشت ألما لا يوصف وأسرى جلبوع حققوا المستحيل

عن تجربة فقدان ابنتها وحرمانها من توديعها، قالت خالدة جرار للجزيرة نت: هذا الألم عشته مرتين، ففي اعتقالي السابق فقدت والدي، وخلال آخر اعتقال فقدت ابنتي. بكيت بحرقة لأيام، شعرت وكأن الدموع مسجونة معي.

القيادية الفلسطينية خالدة جرار بعد الإفراج عنها من سجون الاحتلال في 26 سبتمبر/أيلول 2021 (الجزيرة)

رام الله- بعد عامين من الاعتقال، أفرج الاحتلال عن القيادية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خالدة جرار، لم يكن اعتقالها الأول لكنه الأصعب، حيث فقدت ابنتها الشابة خلاله، ولم تسمح لها إسرائيل بوداعها.

وخاضت جرار تجربة الترشّح لخوض انتخابات المجلس التشريعي أثناء اعتقالها، وفي آخر أيام سجنها، واكبت قيام 6 أسرى بتحرير أنفسهم من سجن "جلبوع" في 6 سبتمبر/أيلول الفائت، وما أعقبه من إجراءات مصلحة السجون الإسرائيلية بحق الأسرى والأسيرات.

"الجزيرة نت" حاورت هذه الأسيرة المحررة عن ما حدث، وعن أوضاع 36 أسيرة فلسطينية تركتهن خلفها في أقسام سجن الدامون الإسرائيلي، في ظروف اعتقال صعبة.

وفيما يلي نص الحوار:

قضت خالدة جرار عامين بالسجون الإسرائيلية في تجربة اعتقالها الرابعة (الجزيرة)
  • عشتِ قبل شهرين ظرفا إنسانيا صعبا بوفاة ابنتك "سهى" ورغم كل الضغوط من المؤسسات الحقوقية الدولية للسماح لكِ بوداعها، فإن إسرائيل رفضت ذلك بشدة، وبدا الأمر وكأنه تعنّت مقصود. هل كان عقابا لخالدة جرار شخصيا؟

أعتقد أنها سياسية عامة. فلم يسمح الاحتلال في السابق لأي أسير فقد أحدا من أحبته بالمشاركة في وداعه. ولكن ما جرى معي سلّط الضوء على معاناة آلاف الأسرى والأسيرات في هذه الحالات، والتي يهدف الاحتلال منها إلى كسر المعتقل والمعتقلة وإبقائهم في حالة من الحزن المضاعف.

التركيز الإعلامي المحلي والدولي، الذي حظيت به بعد فقداني ابنتي، فضح الممارسات غير الإنسانية للاحتلال في هذه المواقف، وهي إجراءات مخالفة للقانون الدولي الذي يقر بحقوق الأسرى وأبسطها أن يشارك بوداع عزيز عليه.

  • لم تكوني الحالة الوحيدة التي تفقد عزيزا خلال الأسر، حدثينا كيف يتلقى الأسير خبر فقدان عزيز عليه دون أن تتوفر له مساندة عائلية، ومع ضغوط السجن؟

صعب جدا وصف المشاعر تلك اللحظة. هذا الألم عشته مرتين، ففي اعتقالي السابق فقدت والدي، وفي هذا الاعتقال فقدت ابنتي. بكيت بحرقة لأيام، ولكن شعرت أنه حتى هذه الدموع مسجونة في زنزانتي.

بالمقابل، كان الإسناد الكبير من الأسيرات اللواتي بإرادتهن فرضن على إدارة السجن لأول مرة عدم إغلاق الغرف وإبقاء الأبواب مفتوحة ليبقين بجانبي، والقيام بكل مراسم العزاء. كما أن دفء وتضامن شعبي وأحرار العالم كله، ومشاعرهم التي اخترقت جدران الزنزانة وصلتني، مما خفف من وقع المصاب عليّ.

استقبال خالدة جرار بعد الإفراج عنها في مدينة رام الله (الجزيرة)
  • بعد انتزاع الأسرى الستة حريتهم بالهروب من سجن "جلبوع" فرضت إدارة السجون عقوبات على الأسرى، هل طالت هذه الإجراءات أقسام الأسيرات بسجن الدامون؟

فرضت إدارة السجن على قسم الأسيرات إجراءات جديدة بعد هذه الحادثة. ففي اليوم الأول أغلقوه بالكامل ولم يسمحوا لنا بالخروج خارج الغرف. وقاموا بعدّ الأسيرات بموعد أبكر من المعتاد، وكرروها أكثر من مرة. اليوم الثاني سمحوا لنا بالخروج بشروط جديدة كأن تبقى الغرف مغلقة خلال وجودنا بالساحات.

ومنذ يوم انتزاع الأسرى حريتهم وحتى الآن، يزور الأقسام يوميا وفود أمنية لتفقّد الغرف. ومنعوا الأسيرات من تغطية أرضية الزنازين، وكانوا يفحصون الأرضية "بلاطة بلاطة".

كانوا يتصرفون بشكل هستيري ومضحك، كل فتحة بالحائط مهما كانت صغيرة يقومون بإغلاقها، وأية ملاحظة على غرفة يتم إعادة تفتيشها أكثر من مرة. إلى جانب ذلك، كان التهديد لنا مستمرا. وفي حال قمنا بخطوات احتجاجية، سيتم سحب كل حقوقنا وعزلنا، إلى جانب تقليص زيارات المحامين.

  • يعتقل الاحتلال في سجونه عشرات النساء والقاصرات الفلسطينيات. ما أوضاعهن، وما رسائلهن للخارج؟

معنويا، أوضاعهن جيدة. ولكن القيود المفروضة على الأسيرات صعبة للغاية، وأصعب ما فيها حرمانهن من التواصل مع العالم الخارجي وعزلهن بالكامل. وداخل السجن، المعاناة كبيرة بوجود الكاميرات في الساحات، وعدم وجود الحمامات بالغرف إلى جانب الرطوبة العالية.

الأوضاع الأصعب تعيشها الأسيرة فيما يسمى "معبار الشارون" وهو المكان الذي تنقل الأسيرة له بداية اعتقالها أو حين عرضها على المحكمة، هذا المكان يخلو من أية ظروف معيشية ملائمة، لا يتوفر فيه أغطية ولا فراش وتملؤه الحشرات، بالإضافة إلى وجود المعتقلين الجنائيين الإسرائيليين حولهن.

أيضا الإهمال في تقديم العلاج للأسيرات اللواتي اعتقلن بعد إصابتهن بالرصاص الإسرائيلي. فحتى الآن تماطل إدارة مصلحة السجون في علاج المقدسية إسراء الجعابيص التي تحتاج لسلسلة عمليات وعلاج طويل، والآن هناك حملة دولية للضغط من أجل السماح بعلاجها.

  • كأسيرة وقيادية سياسية، كيف تنظرين إلى تجربة تحرير الأسرى الستة لأنفسهم؟

بصراحة كانت عملية الهروب مفاجأة كبيرة بالنسبة لنا داخل السجن، وردة الفعل الأولى كانت على لسان كل أسيرة "كيف استطاعوا فعل ذلك؟" فنحن نعيش بالسجن وندرك استحاله اختراق التحصينات الشديدة لهذه المعتقلات. كان الأمر وكأن الأسرى حققوا المستحيل.

كانت مشاعرنا مختلطة بين الفرحة والفخر لحريتهم، وحالة القلق على مصيرهم، وتابعنا بلهفة وترقب كل الأخبار حول مصيرهم، وخاصة بعد اعتقالهم. ولكن ما أثبته هؤلاء لنا ولهم أن إدارة الحرية أقوى من كل التحصينات والإجراءات الأمنية.

  • الأسابيع الأخيرة، كثُر الحديث عن صفقة لتبادل الأسرى. كيف تنتظر الأسيرات هذه الصفقة، وخاصة ذوات الأحكام العالية؟ وهل تعتقدين أن ثمة فرصة للإفراج عنهن قريبا؟

الأسيرات ذوات الأحكام العالية يعشن على أمل الإفراج عنهن بالصفقة المنتظرة. فأي نبأ في الإذاعات المختلفة تتلقفه الأسيرات بلهفة كبيرة. ولكن بالمقابل، كنا نتناول هذه الأنباء بحذر لإدراكنا تعقيدات إتمامها. فأكثر من مرة يتم الحديث عن اقتراب الصفقة وتعقد الأسيرات الآمال الكبيرة عليها، ثم لا يحدث شيء، وهذه حالة متعبة للأسيرات.

نأمل أن تتم هذه الصفقة قريبا، رغم أنني اعتقد أن الواقع الحالي المعقد غير مهيأ لذلك. ونحن نرى أن هذه الصفقة يجب أن تركز على الأسرى ذوي الأحكام العالية والمحكومين بالمؤبد بالدرجة الأولى.

  • في تجربة فريدة، ترشّحتِ للانتخابات التشريعية التي عطلت نهاية مارس/آذار الماضي من داخل سجنك، هل تعتقدين أنه بإمكان الفلسطينيين الرجوع لمسار الانتخابات، وفي حال حدث ذلك هل ستترشحين من جديد؟

تأجيل الانتخابات كان محبطا جدا بالنظر للواقع الفلسطيني الذي نعيشه. فنحن نعتقد أن أحد المخارج من الحالة الحالية هو إجراء الانتخابات الشاملة، تشريعية ورئاسية وانتخابات مجلس وطني، وصولا لتحقيق المصالحة والوحدة الوطنية. ولكن عمليا، ومن خلال متابعة الظروف الإقليمية والضغوط التي كانت تمارس على الشعب الفلسطيني كنا نتوقع إلغاءها في آخر لحظة.

وأعتقد أنه على المدى القريب، لا يوجد أفق لإجراء هذه الانتخابات، فالموضوع غير مرتبط بالأوضاع الفلسطينية الداخلية، بل بمتغيرات دولية وإقليمية. لكننا نعتبر أن الإذعان للضغوط الاحتلالية أمر محبط، ومبررات التأجيل التي استندت إلى ضرورة موافقة إسرائيل على إجراء الانتخابات بالقدس غير مقنعة.

فالانتخابات كان يجب أن تتحول إلى مسار نضالي وتتم معالجتها بشكل توافقي وبطريقة مختلفة. لذا، لا أفضل الحديث بشأن إعادة ترشحي من عدمه الآن، ولحين تحديد موعد جديد للانتخابات "لكل حادث حديث".

خالدة جرار خلال استقبالها وتعزيتها بوفاة ابنتها (الجزيرة)
  • خلال اعتقالك السابق عملتِ على بناء نظام دراسي للأسيرات يمكنهن من مواصلة تعليمهن المدرسي والجامعي. حدثينا عن هذه التجربة؟

خلال اعتقالي عام 2015، لم يكن يسمح للأسيرات بتقديم امتحان الثانوية العامة، فعملنا على إدخال هذا النظام رغما عن إدارة السجون، وحتى الآن خرّجنا 6 أفواج من خريجات الثانوية العامة في الأسر.

وخلال اعتقالاتي، كان لي هدف أعمل عليه من الخارج ومن الداخل وهو استكمال التعليم الجامعي للأسيرات. وكانت المؤسسات التعليمية تتحجج بعدم توفر الشرط الأكاديمي داخل السجون، لكن بوجود أسيرات يحملن درجة الماجستير، وأخيرا استطعنا فرض برنامج الدراسة الجامعية.

والآن تركت خلفي أسيرات قادرات على استكمال هذا البرنامج. ولدينا 7 أسيرات ملتحقات ببرنامج البكالوريوس، وأنهين عامهن الدراسي الأول والفصل الصيفي بواقع 39 ساعة جامعية معتمدة.

وهذا البرنامج أعطى أملا كبيرا للأسيرات، وتغييرا ملموسا بحياتهن داخل السجن، فمع انقضاء فترة حكمهن سيمتلكن شهادة جامعية تجعلهن قادرات على إكمال حياتهن والالتحاق بسوق العمل.

ونعتقد أن أفضل استثمار لسنوات السجن الطويلة هو القراءة والدراسة وإشغال الأسيرات بأنشطة تعليمية تأخذ الكثير من وقتهن، وتشعرهن بالإنجاز وتخفف من الزمن البطيء في الأسر.

المصدر : الجزيرة