في الذكرى الـ38 لمجزرة صبرا وشاتيلا.. شهادات من ذوي الضحايا: لن نسامح ولن ننسى

داخل مقبرة صبرا وشتيلا
شابات يحين الذكرى 38 لمجزرة صبرا وشاتيلا داخل مقبرة الضحايا (الجزيرة نت)

تجلس ميلانا بطرس المعروفة بـ "أم حسين البرجي"، عند مدخل مقبرة مجزرة "صبرا وشاتيلا"، تحمل لوحتها الخاصة التي تفصلها بمشهدين، قبل المجزرة وبعد المجزرة، وتقول للجزيرة نت "هذه هويتي، وهذا هو الخط الفاصل في حياتي".

هذه المرأة المسنّة البالغة 70 عاما، تحولت صورتها التي تحملها بين يديها، إلى واحدة من أيقونات مجزرة "صبرا وشاتيلا"، التي ارتكبها جنود إسرائيليون ومليشيات لبنانية على مدار 3 أيام متتالية في 16 سبتمبر/أيلول 1982، فراح ضحيتها نحو 3 آلاف من اللبنانيين واللاجئين الفلسطينيين.

السيدة ميلانة بطرس
ميلانا بطرس تحمل صورة لذويها الذين قضوا في المجزرة (الجزيرة نت)

تذبلُ عينا ميلانا على وجهها المجعّد، لأن دموعها جفّت من كثرة البكاء طوال 38 عاما، على حدّ قولها، تقاوم أعصابها المنهكة، وتشير بأصبعها المرتجف لشرح ارتباطها بالصور التي تحملها أينما ذهبت "على اليمين زوجي الشهيد علي البرجي، وعلى الشمال ابني قاسم البرجي، وفي المنتصف جاري علي مهنا، أما أنا ففي أسفل الصورة، كنت أفتش عنهم بين أجساد الضحايا".

ميلانا التي لم يبقَ من عائلتها سوى ابنها وابنتها، حوّلت بيتها إلى أشبه بمزار رفعت على كامل جدرانه صور زوجها وابنها قاسم، "لأن حياتي توقفت في تلك المذبحة الجماعية" كما تقول.

إلى هذه المقبرة التي حُفرت إثر المجزرة ودُفن فيها عشوائيا المئات من ضحاياها، توافد اليوم الجمعة 18 سبتمبر/أيلول 2020 عشرات اللاجئين الفلسطينيين وذوي الضحايا اللبنانيين لإحياء الذكرى الأليمة تحت شعار "صبرا وشاتيلا، مجازر إسرائيل وعملائها".

مشاهد من داخل مخيم شاتيلا
مخيم صبرا وشاتيلا الذي شهد المجزرة عام 1982 (الجزيرة نت)

ضحايا ضد التطبيع
إلى داخل المقبرة، توافدت شابات لاجئات ارتدين الزي الفلسطيني وحملن لافتة كُتب عليها "38 عاما على مجزرة صبرا وشاتيلا سنبقى أوفياء لدماء الشهداء".

في الجهة المقابلة، كان يقف اللبناني عبد الناصر علامة (59 عاما)، ويقول بغضب للجزيرة نت "بدل أن يزيلوا من الوجود قنبلة سرطانية اسمها إسرائيل، تجلس معها بعض الأنظمة العربية لتخوننا وتخون القضية الفلسطينية ولتخون كل ضحايا مجازر هذا الكيان المغتصب".

يحكي عبد الناصر قصة شقيقه علي حسن علامة، الذي فُقد في مجزرة صبرا وشاتيلا وكان عائدا من ألمانيا ويبلغ حينها 21 عاما، من دون أن يعثر جثمانه أو أي خبر عنه. قال "نحن من مواليد منطقة صبرا، عشنا المجزرة بكل تفاصيلها، وفي اليوم الثاني كنا نستعد للهرب نحو بيروت، بعد أن عجزنا عن المقاومة بأسلحتنا البدائية، فاستمرت المذبحة بحقنا وحق نسائنا وأطفالنا".

في اليوم الثالث -يضيف عبد الناصر- "لم أعثر على شقيقي في البيت رغم اتفاقنا على الهرب سويا، وكل شهود العيان أخبرونا حينها أنهم رأوه حيا ومكبلا مع مجموعة كبير من الشباب على متن دبابة إحدى المليشيات، وقد ذهبوا بهم باتجاه طريق المطار، من دون أن يعد أحد منهم، وما زلنا ننتظر". 

داخل مقبرة صبرا وشتيلا
داخل مقبرة صبرا وشاتيلا حيث دفن آلاف الضحايا (الجزيرة نت)

وعلى جذع شجرة، تجلس اللاجئة الفلسطينية أم عماد (80 عاما) متكئة على عصاها، وتحكي مأساتها التي تعود إلى مجزرة تل الزعتر في يونيو/حزيران 1976، ثم تمر إلى مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982 لتصبح بعدها من دون عائلة.

قالت للجزيرة نت "كنت أعيش في مخيم تل الزعتر أثناء حصاره من قبل القوات السورية ومليشيات لبنانية، وعشنا الحصار أكثر من 50 يوميا، فقتلوا أمامي زوجي وأولادي الأربعة عبر إطلاق النار في عنقهم". وفي مجزرة صبرا وشاتيلا، ذبحت شقيقة أم عماد وأولادها الخمسة، لتعيش في نهاية المطاف وحيدة في غرفة متهالكة في مخيم شاتيلا.

بؤس ما بعد المجزرة
بكائيات اللاجئين الفلسطينيين على المجازر التي عاشوها في لبنان لا يمكن فصلها عن ظروف مأساوية يعيشونها على امتداد 12 مخيما فلسطينيا من الشمال حتى الجنوب. ففي مخيم شاتيلا في منطقة صبرا، التي تقع في الشطر الغربي من العاصمة بيروت، وتكتظ سكنيا بآلاف الفلسطينيين وثم السوريين حديثا، تتجلى فظاعة المشهد.

كثافة سكانية تفوق قدرته على التحمل، اهتراء كامل بالبنية التحتية، مساكن شعبية غير صالحة للعيش متلاصقة فوق بعضها البعض، أسلاك كهربائية صارت أشبه بسقف لسوق المخيم وأرتال من النفايات تُرمى عشوائيا داخل المخيم وعلى أطرافه، فتنبعث منها طوال الوقت روائح كريهة ومسمومة.

داخل مقبرة صبرا وشتيلا
مجزرة "صبرا وشاتيلا" ارتكبها جنود إسرائيليون ومليشيات لبنانية يوم 16 و17 و18 سبتمبر/أيلول 1982 (الجزيرة نت)

وفيما يتلقى فلسطينيو المخيمات اللبنانية أخبار التطبيع العربية مع إسرائيل كطعنة في الظهر، يعبّر كثيرون منهم عن شعورهم بالعجز حيال قضيتهم وحقّهم بالعودة وتحسين شروط عيشهم داخل لبنان، لا سيما أنهم لا يملكون أي حقّ قانوني في التملك والتوظيف، أما المفاجأة، فكانت بخبر سعي صاحب عقار مقبرة "مجزرة صبرا وشتيلا" إلى بيعها وهو يعيش خارج لبنان. فما دقّة ذلك؟

ينفي رئيس بلدية الغبيري -التابعة لمنطقة صبرا عقاريا- معن خليل صحة ما يصفه بـ "الإشاعة". ويصرح للجزيرة نت بأن هذه المقبرة ليست للبيع، وإنما يسعى صاحبها لحل ملف قديم له في شأنها لدى الدولة اللبنانية، بهدف تسوية وضع المقبرة على المستوى القانوني. لذا فـ "هو يعمل لتصبح المقبرة في تصرف أوقاف دار الفتوى أو المجلس الإسلامي الشيعي، من أجل تكريسه كمدفن رسمي نظامي، لأنه في عقار خاص، ولا يمكن لأحد في لبنان أن يشتري أرضا دُفن فيها ضحايا المجزرة".

المصدر : الجزيرة