في تركيا.. الحياة تتواصل بعد الزلزال ودعوات للتعايش مع الكوارث

خليل مبروك - إسطنبول - تركيا - الناس يواصلون حياتهم كالمعتاد في اسطنبول في ظل الاستعدادات للتعامل مع الزلزال - مراسل الجزيرة - صورة حديثة copy.jpg
الأتراك يواصلون حياتهم بعد الزلزال الذي ضرب وسط الأناضول (الجزيرة)

خليل مبروك-إسطنبول

تسير الحياة كالمعتاد في ميدان أمينونو، ويتمشى إلى جوارها القلق متسللا من عيون الأفواج الذين تقلهم العبّارات عبر مضيق البوسفور بين شطري مدينة إسطنبول الآسيوي والأوروبي.

فخلال الأسبوع الماضي خيم الخوف على المدينة عقب الزلزال المدمر الذي ضرب ولايتي إيلازيغ وملاطية وسط الأناضول وأوقع أكثر من أربعين قتيلا وأكثر من ألف جريح.

وارتفعت وتيرة الخوف مع توالي الهزات الارتدادية التي اقتربت من المدينة حتى ضربت شطرها الآسيوي قبل أيام عدة.

لكن إلبير -الذي يبيع المخللات والموالح على رصيف الميناء- ما زال يأمل أن تبقى الحياة في إسطنبول على أحسن حال، دون أن يخفي خشيته من حدوث الزلزال في أي وقت.

ويقول الشاب البالغ من العمر 29 عاما للجزيرة نت إن الناس بدؤوا يتأقلمون شيئا فشيئا مع فكرة اقتراب حدوث زلزال كبير في المدينة، لكنهم رغم ذلك يواصلون حياتهم كالمعتاد.

أما أحمد -الذي يعمل في محل لبيع الجبن عند مدخل السوق المصري- فقد أكد للجزيرة نت أن معنويات الناس مرتفعة، وأنهم عادوا للتسوق واستغلال التحسن الكبير في حالة طقس إسطنبول بعدما خيم عليهم الحزن خلال الأسبوع الماضي على ضحايا زلزال إيلازيغ.        

ولا تخفي الأوساط الرسمية أو مؤسسات الدولة قلقها من خطر الزلازل وتهديدها المحدق بالمدينة العملاقة، بل إن الشؤون الدينية خصصت خطبة الجمعة الأخيرة من يناير/كانون الثاني الماضي لتهدئة روع الناس والحد من قلقهم من الهزات الأرضية.

‪حركة كبيرة للأتراك بمنطقة أمينونو في تركيا‬ (الجزيرة)
‪حركة كبيرة للأتراك بمنطقة أمينونو في تركيا‬ (الجزيرة)

مراكز الإيواء
وأعلنت بلدية إسطنبول الأربعاء الماضي عن تحديد 2864 مركزا مؤقتا للإيواء موزعة على 39 منطقة في المدينة ستكون متاحة أمام الناس في حال حدوث زلزال كبير.

وتختلف مراكز الإيواء بشكل جذري عن الملاجئ التقليدية المعدة للتعامل مع الغارات الحربية أو هجمات الطائرات والصواريخ، والتي تعد عادة تحت الأرض وتتكون من جدران وغرف خرسانية.

فمراكز الإيواء من الزلازل هي الساحات العامة والحدائق المكشوفة القريبة من البنايات السكنية بشرط أن تبعد عنها بمقدار يجنبها وصول أي انهيارات من الحجارة التي قد تتساقط من الأبنية العالية عند وقوع الزلزال.

كما تمتاز هذه المراكز بكونها مواقع شهيرة معروفة بدقة لسكان كل حي، تماما مثل حديقة "بيوك ميلليت بهجة" في منطقة باشاك شهير الجديدة التي آوت آلافا من الأسر الخائفة عقب الزلزال الكبير الذي ضرب إسطنبول في أواخر ديسمبر/أيلول الماضي وخلف أضرارا مادية محدودة وحالة ذعر استمرت أياما عدة في أوساط السكان رغم أنه لم يخلف خسائر بالأرواح.

نشاط زلزالي متصاعد
وخلال الأيام القليلة الماضية نقلت تصريحات عن رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو قال فيها إن أكثر من 20% من مباني المدينة ستتضرر إذا ضربها زلزال تصل قوته إلى 7.5 درجات على مقياس ريختر.

وشهد شهر يناير/كانون الثاني الماضي وقوع عدد كبير من الزلازل ومئات الهزات الخفيفة، حيث ضربت هزات زادت شدتها على 4.5 درجات العاصمة أنقرة وولاية مانيسا وموغلا، فضلا عن زلزال إيلازيغ وملاطية.

وأعلنت مؤسسة الكوارث والطوارئ العليا في تركيا عن خطة لتحديث خريطة أماكن الخطر الزلزالي ومشروع إدارة الأبنية ضد الزلازل، وقالت إنها ستدعم الخريطة بتطبيق على الإنترنت، مبينة أن 400 من الخبراء والأكاديميين من مؤسسات مختلفة يعملون معها في هذا المشروع.

كما نقحت المؤسسة خريطة الزلازل التي تم تحديثها آخر مرة عام 1996، وخريطة المنازل التي ستبنى في أماكن الزلازل، والتي تم تحديثها آخر مرة عام 2007.

وترفض سلطات الإنشاءات وهيئات الحكم المحلي في تركيا منح تراخيص البناء لأي منشأة دون استيفاء معايير خاصة متعلقة بمقاومة البناء للزلازل "ورقة الداسك"، وتوقف إيصال الخدمات كالكهرباء والماء والغاز إلى أي مبنى لا يخضع لتلك المعايير.

التعايش مع الزلازل
وتقع تركيا على خط صدع زلزالي عميق، وقد شهدت خلال العقود الأربعة الأخيرة عددا كبيرا من الزلازل والهزات الأرضية، ففي عام 1983 ضرب زلزال عنيف ولاية "أرض روم"، وفي عام 1991 ضرب زلزال آخر ولاية أرزينجان.

وضرب زلزال كبير كوجالي ودوزجة شرق إسطنبول في عام 1999، في حين ضرب آخر أفيون قره حصار وسلطان داغي في عام 2002 وبنغول في عام 2003 وولاية وان عام 2011.

ودفع النشاط الزلزالي المتسارع كثيرا من الخبراء والمختصين الأتراك لإطلاق دعوات لما يسمى "التعايش مع الزلازل"، ومن ضمنهم الخبير الاقتصادي التركي أردال تانداس كاراغول الذي طالب في مقال مطول بمدونته الشهيرة بأخذ النشاط الزلزالي بعين الاعتبار في اللوائح الناظمة لعمليات البناء والترخيص في المناطق المعرضة للزلازل.

المصدر : الجزيرة