غضب حقوقي وخان يطمئن.. لندن تعتمد تقنية التعرف على الوجه

LONDON, ENGLAND - AUGUST 16: A CCTV camera in Pancras Square near Kings Cross Station on August 16, 2019 in London, England. CCTV cameras using facial-recognition systems at King's Cross are to be investigated by the UK's data-protection watchdog after a report by the Financial Times. (Photo by Dan Kitwood/Getty Images)
كاميرا تستخدم تقنية التعرف على الوجه قرب محطة كينغز كروس في لندن (غيتي)

لندن-الجزيرة نت

 
لم تكن بداية هذا الأسبوع عادية في المركز التجاري "ستراتفورد" الواقع شرق العاصمة البريطانية عندما وصلت سيارة للشرطة تحمل كاميرات تعمل بتقنية التعرف على الوجوه للبحث عن المطلوبين، في أول تطبيق علني وفعلي لهذه التقنية المثيرة للجدل والتي أثارت حفيظة جهات سياسية وحقوقية. 

وظلت تقنية كاميرات التعرف على وجوه مثار جدل لسنوات طويلة، قبل أن تقرر الشرطة في بريطانيا تطبيقها تدريجيا في عدد من الأماكن التي تسجل حالات عنف مرتفعة بداية في العاصمة لندن باعتبارها المدينة الأكثر كثافة من حيث السكان لولا أن الكثير من الدراسات جعلت كثيرين يشككون في نجاعتها. 

وتعتمد هذه التقنية على وضع كاميرات على سيارات الشرطة مزودة بتقنية التعرف على الوجوه ومرتبطة بقاعدة بيانات تضم وجوه حوالي 5 آلاف متهم في قضايا خطيرة من قتل واعتداء مسلح.

وتقوم هذه الكاميرات بمسح وجوه المارة، وفي حال تم رصد أي ملامح متطابقة مع ملامح المطلوبين للعدالة يتم إطلاق جرس إنذار في أجهزة يحملها رجال الشرطة بغرض القبض على الشخص المطلوب. 

وظهر من خلال التطبيق الأول لهذه التقنية أن الشرطة لا تريد استفزاز المواطنين بفرضها بالقوة، حيث تضع إشارة إلى جانب كاميرات التعرف على الوجوه تقول فيها إن التقنية يتم تطبيقها في هذا المكان، وإنه ليس هناك أي مبرر قانوني يجبر الناس على المرور من أمام هذه الكاميرات التي تقول الشرطة إنها ستحقق نقلة نوعية في محاربة الجرائم، خصوصا جرائم الطعن التي ارتفعت بشكل كبير في بريطانيا.

 
‪كاميرات مراقبة لمكاحفة الجريمة في لندن‬ (الجزيرة نت)
‪كاميرات مراقبة لمكاحفة الجريمة في لندن‬ (الجزيرة نت)

الهاجس الأمني
يظهر من خلال الدفاع المستميت لجهاز الشرطة البريطانية عن تطبيق هذه التقنية أنها لن تتراجع عنها، حيث وصفتها في أكثر من بلاغ لها بأنها "وسيلة مذهلة لمحاربة الجريمة"، مقدمة تطمينات للمواطنين بأن تطبيقها لن يكون بشكل عشوائي بل سيتم استعمالها حسب الحاجة وفي الأماكن التي ترتفع فيها نسبة الجريمة. 

كما أن قاعدة البيانات لوجوه المشتبه فيهم لن تتجاوز 10 آلاف، أما الوجوه التي سيتم رصدها من طرف هذه الكاميرات للمواطنين العاديين فسيتم تخزينها في قاعدة بيانات مغلقة ومستقلة وممنوع على أي جهاز حكومي آخر الوصول إليها. 

وتقدم الشرطة البريطانية إحصائيات تقول إنها تبين نجاعة هذه التقنية، ذلك أن 70% من المتهمين الذين لاحقتهم كاميرات التعرف على الوجوه تم الوصول إليهم، أما نسبة الخطأ في رصد شخص غير مطلوب لدى الشرطة فهي 1 من أصل مئة حالة. 

وترفض الشرطة الحديث عن تكاليف تطبيق هذه التقنية إلا أن معلومات حصرية حصلت عليها صحيفة إندبندنت تقول إن التجارب الأولى لهذه التقنية كلفت خزينة الدولة ما يعادل 220 ألف دولار دون تحقيق أي نتيجة ودون التوصل لإيقاف أي مشتبه به، وهو ما يجعلها تقنية باهظة التكاليف مقارنة بثمارها. 

ووضعت هذه التقنية الجديدة عمدة لندن صادق خان في موقف صعب وهو يحاول الموازنة بين الهواجس الأمنية والمخاوف الحقوقية من انتهاك خصوصية المواطنين، حيث أكد أنه سيحرص على أن يتم استعمال هذه التقنية بما يتماشى مع المعايير الأخلاقية والقانونية، مشددا على أنه لن يسمح بزرع كاميرات ترقب وجوه المطلوبين للعدالة في كل شارع من شوارع لندن، مما قد يقيد حرية المواطنين في الحركة. 

ولتهدئة الغضب الحقوقي المتزايد وعد صادق خان بإخضاع هذه التقنية للتقييم المستمر، للتأكد من عدم انتهاكها حقوق الإنسان أو الشفافية في الحفاظ على المعطيات الشخصية للمواطنين وصورهم بعيدا عن أي استغلال غير الحفاظ على الأمن، مبررا قراره بالموافقة على اعتماد هذه التقنية بالرغبة في الحفاظ على أمن سكان مدينة لندن.

استخدام تقنية التعرف على الوجه قوبل بانتقادات حقوقية باعتبار أن بريطانيا أول دولة أوروبية تطبقها (غيتي)
استخدام تقنية التعرف على الوجه قوبل بانتقادات حقوقية باعتبار أن بريطانيا أول دولة أوروبية تطبقها (غيتي)

انتقادات حقوقية
وفي تصريحات للجزيرة نت، قالت منظمة "بيغ براذر ووتش" (Big Brother watch) إنها تتابع عن كثب استعمال الشرطة هذه التقنية في أماكن متعددة من العاصمة لندن، مؤكدة أنه خلال مناسبتين من استعمال هذه الكاميرات تم تسجيل نسبة فشل بلغت 100% وأدت بالخطأ إلى إيقاف شاب أسود ظهر فيما بعد أنه لا علاقة له بالشخص المطلوب. 

ووصفت المنظمة البريطانية تقنية التعرف على الوجوه بأنها "تضييع صادم لوقت ومال الشرطة واعتداء سافر على حرياتنا المدنية"، وعبرت عن خيبة أملها من موقف عمدة المدينة صادق خان الذي منح الضوء الأخضر لاعتماد هذه الكاميرات. 

ومقابل الأرقام المطمئنة التي تقدمها الشرطة البريطانية لإظهار نجاعة التقنية الجديدة تظهر دراسة أجراها البروفسور بيت فوسي في جامعة "ساسكس" أن نسبة نجاح الكاميرات في التعرف على المشتبه بهم بلغت 19% فقط، وخلال الفترة الممتدة بين 2016 و2018 من اختبار هذه تقنية التعرف على الوجوه بلغت نسبة فشله 96% ومكن من اعتقال ثمانية مطلوبين فقط على امتداد سنتين. 

ومن بين الشخصيات الرسمية المنتقدة وبشدة لهذه التقنية البروفيسور بول ويلز رئيس اللجنة المستقلة لمراقبة استعمال الشرطة المعطيات "البيومترية" للمواطنين من بصمات وصور، ففي تقريره السنوي قال المسؤول البريطاني إن استعمال الشرطة هذه التقنية تم بطريقة "كارثية ويمكن أن يقود لتجاوز القوانين"، وهو الموقف الذي ما زال يحافظ عليه. 

ولعل حساسية الهيئات الحقوقية والمدنية البريطانية من استخدام هذه التقنية أن بلادها ستكون من أوائل الدول في العالم التي تستخدمها ولا يوجد ضمن هذه الخانة سوى الصين والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة وسنغافورة وماليزيا، ويشعر المدافعون عن الحق في الخصوصية بالغضب لكون المملكة المتحدة ستكون أول بلد أوروبي يلجأ لهذه التقنية، علما أن مستوى الجريمة أقل مقارنة بدول أوروبية أخرى.

المصدر : الجزيرة