البريكست.. مسلسل التشويق يتواصل في المفاوضات الأصعب بتاريخ أوروبا

British and EU flags are seen before Britain's Prime Minister Theresa May meets with Commission President Jean-Claude Juncker to discuss draft agreements on Brexit, at the EC headquarters in Brussels, Belgium November 21, 2018.  REUTERS/Yves Herman
لم تتوصل بريطانيا والاتحاد الأوروبي حتى الآن إلى اتفاق لإنهاء العلاقة بينهما (رويترز)

يستمر مسلسل التشويق في مفاوضات البريكست بعد قرار رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين تمديد المفاوضات إلى نهاية الشهر الحالي، بعد أن اتفقا سابقا على إعلان القرار النهائي من المفاوضات بحلول نهاية اليوم.

قرار تمديد المفاوضات، التي تعد الأصعب في تاريخ أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، يأتي في ظل إشارات كثيرة من الطرفين إلى احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، لدرجة أن بريطانيا وضعت 4 سفن حربية على أهبة الاستعداد لمراقبة المياه البريطانية ومنع السفن الأوروبية من الصيد في حال الخروج دون اتفاق.

وبعيدا عن اللغة الواثقة التي يتحدث بها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عن قدرة بلاده على استيعاب الخروج دون اتفاق، وأن هذا الخيار سيكون خيارا "هائلا" للممكلة المتحدة، إلا أن الأرقام والتقديرات تشير إلى أن نتائج الخروج دون اتفاق ستكون أخطر من نتائج الحرب العالمية الثانية، حسب بنك إنجلترا.

ووفقا لمصادر برلمانية تحدثت مع الجزيرة نت، فإن قرار تمديد المفاوضات إلى نهاية الشهر الحالي يأتي لقناعة الطرفين بأن ما تم الاتفاق عليه إلى الآن يشكل 98% من القضايا العالقة وبقي فقط 3 نقاط رئيسة هي موضوع الخلاف.

نقص الأغذية

لا تكشف التصريحات الصادرة في لندن أو التكتل الأوروبي، والمتعلقة باستسهال خيار الخروج دون اتفاق، عن حقيقة الواقع الذي يؤكد أن هذا الخيار سيشكل ضربة موجعة لاقتصاد الطرفين، وتشير التقديرات الألمانية إلى أنه في حال الفشل في التوصل إلى اتفاق فإن 750 ألفا سيفقدون وظائفهم في الدول الأوروبية.

وسيكون جيب المواطن البريطاني أول من يستشعر نتائج الخروج دون اتفاق، حيث ستُفرض رسوم جمركية على المواد الغذائية القادمة من الاتحاد الأوروبي، مما يعني ارتفاع أسعارها في السوق البريطانية، علما أن واردات بريطانيا من الأغذية من السوق الأوروبية تبلغ 26% من مجموع الواردات البريطانية.

من جهته سيفرض الاتحاد الأوروبي ضريبة بنسبة 2.8% على المنتجات غير الفلاحية، ونسبة 10% على صادرات السيارات، ونسبة 35% على منتجات الحليب ومشتقاته، مما سيرفع أثمانها في السوق الأوروبية ويخرجها من دائرة المنافسة.

وتحذّر المتاجر الكبرى في بريطانيا من إمكانية حدوث نقص في المواد الغذائية، أولا بسبب فرض الضرائب، وثانيا مع الطوابير الطويلة للشاحنات التي ستكون مضطرة إلى الانتظار أياما طويلة من أجل التفتيش قبل دخول الأراضي البريطانية، حيث تعبر 10 آلاف شاحنة يوميا من معبر دوفر.

كما حذّر تجمع متاجر البيع بالتقسيط من أن الخروج دون اتفاق سيكلف كل أسرة بريطانية 600 جنيه إسترليني سنويا في فاتورة الغذاء.

تراجع المداخيل

وتوقع مكتب الميزانية، وهو هيئة مستقلة، أن يتراجع الناتج الداخلي الخام في بريطانيا بنسبة 2% في حال الخروج دون اتفاق، وهو ما يعادل 40 مليار جنيه إسترليني، مما يعني أن كل فرد في بريطانيا سيتراجع دخله بنحو 1500 جنيه إسترليني.

الوثيقة الصادرة عن المصدر نفسه تتوقع فقدان 300 ألف شخص وظائفهم خلال العام المقبل، خصوصا في القطاعات الصناعية المرتبطة بالاتحاد الأوروبي، وعلى سبيل المثال فإن المملكة المتحدة تصدر 50% من منتجاتها الصناعية إلى الاتحاد الأوروبي، وأكبر متضرر سيكون قطاع السيارات الذي ستفرض عليه ضرائب بنسبة 10%.

وخوفا من فوضى البريكست نقلت أكثر من 330 شركة بريطانية مقارّها وأعمالها من المملكة المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي، من بينها 72 شركة للخدمات المالية، وسحبت معها 722 مليار جنيه إسترليني من المركز المالي في لندن نحو بورصة لوكسمبورغ.

كما انتقل 7500 عامل في القطاع المالي من العمل في المركز المالي في لندن إلى مراكز أخرى مثل باريس، ودبلن وفرانكفورت، مما يشكل ضربة للمركز المالي في لندن الذي من المتوقع أن يفقد صدارته لمصلحة بورصة وول ستريت في نيويورك في حال تحقق خيار الخروج دون اتفاق.

أمل الاتفاق

ويعبّر تشبث كل من لندن وبروكسل بالمفاوضات حتى آخر رمق عن قناعة لدى المفاوضين بأن ما تم تحقيقه إلى الآن يمكن البناء عليه للتوصل إلى اتفاق، في حال تجاوز 3 نقاط رئيسة.

وفي حال الخروج باتفاق تجاري ستستفيد البضائع البريطانية والأوروبية من إعفاء ضريبي، كما ستبقى حركة انتقال البضائع سلسلة بين الطرفين، لأن المملكة المتحدة ستضمن البقاء في السوق الأوروبية المشتركة، مما يعني استقرار الأسعار وكذلك الحفاظ على مئات الآلاف من مناصب الشغل، حيث لن تكون الشركات الأوروبية الموجودة في بريطانيا مضطرة إلى نقل أعمالها إلى إحدى الدول الأوروبية.

وحسب مصادر برلمانية تحدثت للجزيرة نت، فإن الاتفاق المتضمن في 600 صفحة نجح في الحسم في جل النقاط الخلافية المتعقلة بالهجرة والتعاون الأمني، وأما النقاط العالقة فهي بحاجة إلى الثقة فقط ويمكن أن تحل مع الوقت.

وتتعثر المفاوضات البريطانية الأوروبية حاليا في 3 نقاط لم يتم تجاوزها، أولها الاتفاق بشأن "كوتا" الصيد البحري حيث يطالب الأوروبيون بالسماح لسفنهم بالصيد في المياه البريطانية بنسبة 80% مقارنة مع الوضع الحالي، دون فرض أي رسوم، في حين ترى لندن أن هذا الشرط هو طعن في سيادة البلاد على مياهها، وتعرض السماح لـ20% فقط للسفن الأوروبية.

ويعد الصيد في المياه البريطانية بالغ الأهمية بالنسبة للسفن الأوروبية، حيث تدر عليهم مداخيل سنوية تصل إلى 600 مليون جنيه إسترليني.

أما النقطة الثانية فهي معايير المواد الغذائية والفلاحية، حيث يصرّ الأوروبيون على التزام بريطانيا بالمعايير الأوروبية ذاتها، وفي حال غيرت بريطانيا من معاييرها سيقوم الاتحاد الأوروبي بفرض ضرائب على هذه المنتجات، في حين تقترح بريطانيا تعيين لجنة مشتركة لها اختصاص الحكم في احترام البضائع البريطانية للمعايير الأوروبية.

أما الخلاف الثالث فيتعلق بإصرار الأوروبيين على العودة إلى محكمة العدل الأوروبية في حال نشوب أي خلاف تجاري، أما بريطانيا فتقول إن هذا يعد ضربا للسيادة القانونية للبلاد.

المصدر : الجزيرة