السودان بين الضفتين والمنبرين.. التطبيع منكر غرب النيل وقول مغاير شرقا

الصور للجزيرة نت من وقفة احتجاجية عقب صلاة الجمعة بمسجد الانصار في ام درمان اليوم الجمعة
وقفة ضد التطبيع بجانب مسجد الأنصار بأم درمان غرب النيل (الجزيرة)

تناقضت المواقف حيال التطبيع مع إسرائيل في منابر الجمعة بين الضفة الغربية للنيل الذي يحتضن مسجد الأنصار حزب الأمة بأم درمان، والضفة الشرقية حيث مسجد الشعبية بالخرطوم بحري، مما يعكس حدة الانقسام حيال القضية.

وما إن أنهى خطيب وإمام مسجد الأنصار آدم أحمد يوسف، نائب الأمين العام لهيئة شؤون الانصار، خطبة انتقد فيها خطوات التطبيع مع "دولة صهيونية غاصبة" حتى اصطف محتجون خارج المسجد العتيق حاملين لافتات تدين التطبيع.

ورغم قلة المحتجين، فإن الغضب يملأ جوانحهم وهم يهتفون بشعارات ضد التطبيع وضد بيع المواقف الوطنية للبلاد.

طه البشير عضو الهيئة القيادية لحزب الأمة القومي خاطب المحتجين قائلا إن رفض زعيم الحزب الصادق المهدي يمثل جماهير الحزب والطائفة.

في المقابل، أظهر خطيب وإمام مسجد حي الشعبية العريق بمدينة الخرطوم بحري تأييدا لافتا للتطبيع، وقال إن السودان ليس بدعا فقد سبقته فلسطين نفسها ومصر، كما أنه يحتاج للتكنولوجيا الإسرائيلية وأن يأمن قوة أميركا.

 أمر واقع
ولا تبدو حركة الاحتجاجات ضد التطبيع واسعة ومتسقة مع الخرطوم ولاءاتها الثلاث إثر قمة عربية عقب النكسة عام 1967 والتي رفعت شعار: "لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل".

ويرى استشاري علم النفس الاجتماعي أمير ميرغني أن السودانيين قبلوا بالتطبيع وأصبح واقعا لجهة أن الرافضين شريحة محدودة مغلوب على أمرها.

ويشير إلى أن التصورات القديمة بأن إسرائيل عدو لا مكان لها بين أجيال الشباب التي صنعت ثورة ديسمبر بالاحتجاجات والمتاريس "لأنها شريحة كافرة بكل شئ، وهم نظرتهم لإسرائيل مختلفة، وبالتالي لا يوجد خجل من التطبيع".

ويقول ميرغني إن السودانيين على المستوى الاجتماعي تعايشوا في الماضي ويتعايشون حاليا مع أسر يهودية في حي المسالمة بأم درمان بلا مشاكل، وبالتالي فإن التطبيع ليس مشكلة بل المشكلة في كيفية إدارته.

احتكار حكومي
ترى اختصاصية علم الاجتماع والتربية جميلة الجميعابي أن الشعب السوداني بطبيعته متضامن مع القضية الفلسطينية، لذا فإن إمكانية قبول فئة كبيرة منهم بالتطبيع ليس أمرا يسيرا، وقد أوجد نوعا من الصراع الخفي وتباين الرؤى.

وتقول الجميعابي للجزيرة نت إن قرار التطبيع جاء في ظل ظروف اقتصادية طاحنة يعيشها المواطن السوداني والذي عندما يقبل بالتطبيع يكون مضطرا وعلى مضض.

وتعيب على الحكومة احتكار قرار التطبيع دن إجراء أي استفتاء يستصحب آراء المجتمع في قرار مصيري يحتاج إلى إجماع وطني واتحاد في الرؤى، منبهة إلى أن التجارب أثبتت أن القرارات الفوقية غير مفيدة للفرد والمجتمع، بل تحقق أجندة ذات صلة بالبقاء في السلطة.

وتنصح اختصاصية علم الاجتماع باحترام رأي المجموعات الرافضة للتطبيع بغض النظر عن انتماءاتها السياسية أو الدينية، لأن لديها رؤى تستحق الوقوف والدراسة والتحليل.

حالة صدمة
وعلى المستوى الأهلي، يعزو بشرى الصائم، من الإدارات الأهلية شمال السودان، حالة القبول وسط السودانيين لبدء علاقات مع إسرائيل إلى ما أسماه حالة الصدمة، لأن التطبيع حدث غير متوقع نسبة لتراكمات كبيرة شهدها السودان.

ويشير إلى أن بساطة السودانيين وارتباط عوامهم بالمعيشة أكثر من السياسة والحقوق مما مهد لقبول التطبيع، وهو بحسب رأيه استغلال اقتصادي كما الاستغلال الديني والعروبي في معارضة التطبيع.

كما يقول الصائم للجزيرة نت إن ربط التطبيع بإزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب كان فيه ذكاء، وزاد من الانحياز الشعبي للتطبيع ابتغاء للمصالح المرجوة من رفع العقوبات الأميركية.

واعتبر اللاءات الثلاث جزءا من الماضي، وكانت مبررة في وقتها بالتوجه العروبي المتسيد للسودان، بيد أن السودان الآن فيه نهوض لقوميات أفريقية في دارفور ومنطقتي جال النوبة والنيل الأزرق.

وعليه يرى الصائم أن الموقف من التطبيع ينبغي أن تحكمه المصالح وموقف العالم من القضية المتعلق باتهام إسرائيل بممارسة الفصل العنصري، وعدم الانصياع لقرارات الأمم المتحدة والنزاع حول القدس.

وتابع "مقولة رمي إسرائيل في البحر، ومحوها كقومية ودولة، أصبحت غير منطقية ولا يقبل بها في هذا الزمن".

فن الممكن
أما الطيب ود المكي، مسؤول التنظيم والثقافة والسياحة في كيان الشمال المنضوي تحت الجبهة الثورية، فيلوذ بفن الممكن في السياسة الذي يفرض التعامل مع واقع "أميركا شرطي العالم وإسرائيل فتاتها المدللة".

ومن باب المصالح، يدخل ود المكي بقوله إن إسرائيل تملك من التكنولوجيا ما نحتاجه في الزراعة والصناعة مقابل أجواء السودان لعبور طائراتها والاستثمار في موارده.

ويشدد أن الأجيال التي صنعت الثورة غير مكترثة بحمولات تاريخية "لم تجلب للبلاد إلا كل عنت واقعاد" موضحا أن التطبيع فضح الأيديولوجيا المستجلبة، وكان حريا بحزب البعث العربي المشارك في السلطة أن يسحب منسوبيه من الحكومة".

لكن وزير الخارجية المكلف عمر قمر الدين يجزم بأن التطبيع على المستوى الشعبي بالسودان يحتاج إلى زمن طويل، مستدلا بأن التطبيع الرسمي بين مصر إسرائيل رغم قدمه ما زال مفقودا على المستوى الشعبي.

وقال الوزير خلال ندوة بالخرطوم مساء الخميس إن التطبيع مشوار طويل ومستواه متفاوت، وهو عبارة عن "قائمة تختار منها ما يروق لك ولمصالحك".

المصدر : الجزيرة