اعتذارات وادعاءات.. هكذا تجري محاكمات "الجهاديين" الفرنسيين في بغداد

عدنان الحسين - صورة من صحراء شرق ديرالزور - هل انتهى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا؟
صورة أرشيفية لأعضاء من تنظيم الدولة أنثاء سيطرتهم على مناطق في العراق وسوريا (الجزيرة)

أمام محكمة في بغداد، يجهد الفرنسيون المتهمون بالانتماء لتنظيم الدولة الإسلامية في تقديم الاعتذارات والادعاءات بأنهم سعوا إلى الهرب من التنظيم، في محاولة لتخفيف الأحكام التي تتوالى مدعومة بأدلة تدينهم.

وخلصت جميع الأحكام حتى الآن إلى النتيجة الثابتة نفسها "وجدهم القاضي مذنبين، وحكم بالإعدام شنقا على عدد منهم، قبل إعادتهم ببدلاتهم الصفراء إلى سجنهم العراقي، مكبلي الأيدي ومعصوبي العينين".

خلف القضبان في المحكمة، يروي كل منهم قصته، باسترسال أحيانا لمدة تصل إلى ساعتين، مثل مصطفى المرزوقي، العسكري السابق البالغ من العمر 37 عاما، وحكم عليه بالإعدام يوم الاثنين. أو كيفن غونو الذي كرر للقاضي الأحد أنه "نادم" على انضمامه لتنظيم الدولة.

قبل هؤلاء، حُكم على ثلاثة فرنسيين بالسجن المؤبد خلال جلسات استماع لم تتعد مدتها نصف الساعة.

في قاعة المحكمة، حيث تعمل ثلاثة مكيفات هواء ضخمة على تلطيف حرارة الصيف اللاذعة، يروي الجميع "المغامرة" التي بدأت من فرنسا.

من "الطلاق" و"البطالة" ونقص المال بالنسبة للمرزوقي، أو إقامة "في السجن بين عامي 2010 و2011 بسبب تهريب المخدرات" لفاضل طاهر عويدات (32 عاما)، الذي ينتظر كشفا طبيا بعدما ندد بعملية تعذيب تعرض لها من قبل محققين عراقيين لانتزاع اعترافاته.

المهنة مقاتل
بعد عشر سنوات في الجيش الفرنسي، ومهنة تأثرت لانعدام "المستوى المناسب لاجتياز الاختبارات، ثم وظيفة سائق شاحنة، "لم يكن لدي خيار سوى الرحيل"، كما يكرر المرزوقي حليق اللحية اليوم، مما يظهر وجهه الشاحب بوضوح.

انطلق هذا الفرنسي من مكان سكنه في ميتز (شمال شرق فرنسا) إلى سوريا التي ينشر تنظيم الدولة دعايته فيها لتجنيد آلاف من مناصريه من خلال تصوير ونشر أعماله على المساحة الممتدة التي كان يسيطر عليها بين سوريا والعراق.

بمجرد أن يبدأ الكلام عن وصولهم إلى سوريا، يصبح كلامهم متعارضاً مع "سيرتهم الذاتية المصورة"، التي يعدها القضاء العراقي وتعرض أمام الحاضرين في الجلسة مع مؤثرات ومقاطع دعائية للتنظيم تزامنا مع موسيقى هوليودية.

بحسب الاعترافات التي تم جمعها على مدى أربعة أشهر من التحقيقات، يرتبط هؤلاء ببعضهم البعض من خلال أعضاء معروفين بتنظيم الدولة، أو تدريبات على حمل السلاح، أو الانضمام إلى كتيبة داخل التنظيم.

لكن خلال جلسة الاستماع، تتغير أقوالهم، ويؤكد جميعهم أنهم كانوا موهومين.

المرزوقي وبعده عويدات، أكدا أنهما سجنا سريعا من قبل تنظيم الدولة بتهمة "التجسس"، لأنهما كانا يفكران بالفرار. وقال عويدات للقاضي "كانوا يظنون أنني جاسوس، وكان على صهري أن يشهد لصالحي".

لكن القاضي، عرض على الشاب من منصته ملفا فيه وثيقة تحمل الشعار الأسود لما تعرف بدولة الخلافة، مع ختم لتنظيم الدولة في وسطها، وعليها اسم فاضل طاهر عويدات، ورقم جواز سفره، ورحلاته المتعددة، ووظيفته في التنظيم: "مقاتل".

خطأ كبير
تتعدد المهن بالنسبة إلى آخرين، فمنهم من كان "انتحاريا" أو "طبيبا عسكريا كمصطفى المرزوقي، وهو أب لعائلة من خمسة أطفال.

يقر المرزوقي أمام القاضي بأنه ارتكب خطأ كبيراً، لكنه يريد العودة إلى منزله، مشيرا إلى أنه يأمل أن تحفظ كرامته في فرنسا على الأقل ويقضي حياته في السجن هناك.

أما عويدات -صاحب الوجه النحيل الذي بدا متوترا أحيانا ومستعرضا أمام القاضي في أحيان أخرى- فتحدث باللغة العربية الفصحى بلهجة جزائرية، متوسلا بأنه يعاني من "مرض مزمن".

وذكر أنه بمجرد وصوله إلى سوريا، كان وزوجته طريحي الفراش، مقسماً أن كل الوثائق عن دوره في تنظيم الدولة لا تثبت أي شيء.

وتابع بابتسامة أن حال "الخلافة" كحال "أي بلد عربي"، مضيفا أن "كل شيء يعمل بالواسطة، لذلك سجلت كموظف، لكنني كنت في الواقع معروفاً بين الفرنسيين في تنظيم الدولة بأنني الشخص الذي لا يفعل شيئا".

وتستأنف محاكمة عويدات في الثاني من يونيو/حزيران القادم بعد عرضه على أطباء للتحقق من اتهامه للمحققين بتعذيبه.

وسيتعين عليه تقديم تفسير لما كان يقصده، حينما ظهر بعد فترة من هجمات 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 في فرنسا، والتي خلفت 130 قتيلا، في تسجيل فيديو، معربا عن "سعادته الكبيرة"، ومتوعدا: "سنواصل الضرب في أرضكم".

المصدر : الفرنسية