"أبواق" و"شرذمة".. هل اختار الجيش الجزائري قواه السياسية؟

قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح
صورة نشرتها وزارة الدفاع الجزائرية لقايد صالح خلال زيارته الأخيرة للناحية العسكرية الثانية غربي البلاد (مواقع التواصل)

إسلام عبد الحي-الجزائر

انتقد الجيش الجزائري قوى سياسية وشخصيات مدنية ووصفها بـ"الشرذمة"، وقال إنها تحاول إطالة عمر الأزمة التي تمر بها البلاد من خلال رفض الحلول المتاحة، والعمل على الزج بالبلاد في فراغ دستوري.

وتزامن هجوم المؤسسة العسكرية مع عرض أحزاب سياسية شخصيات قالت إنها يمكن أن تقود المرحلة الانتقالية، ورفضت دعوة الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح للحوار.

ونشر رئيس الحكومة السابق مولود حمروش قبل أيام مقالة في صحف محلية طالب فيها الجيش بعدم التصادم مع مطالب الشعب وفسّر ضرورات المرحلة الانتقالية، وسبقه الجنرال المتقاعد حسين بن حديد بنشر رسالة مفتوحة إلى قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح دعاه فيها إلى اتخاذ مواقف سياسية خارج الحل الدستوري، وتسليم السلطة إلى الشعب.

وأكدت افتتاحية مجلة "الجيش" الناطقة باسم المؤسسة العسكرية أن "الأبواق ذاتها التي طالبت الجيش بالتدخل في الشأن السياسي خلال عشريات سابقة، هي نفسها التي تحاول اليوم عبثا أن تدفعه لذلك في هذه المرحلة، من خلال طرق شتى أبرزها ممارسة الضغط عبر رسائل مفتوحة ونقاشات وآراء تنشر على صفحات بعض الصحف للذهاب لفترة انتقالية على مقاسهم".

الجيش متمسك بالانتخابات والحراك الشعبي ينادي بعزل الرئيس المؤقت ورئيس الوزراء أولا (رويترز)
الجيش متمسك بالانتخابات والحراك الشعبي ينادي بعزل الرئيس المؤقت ورئيس الوزراء أولا (رويترز)

ووسط عجز الحراك الشعبي عن تعيين ممثلين يتحدثون باسمه، واستمرار المعارضة في تقديم شخصيات لقيادة مرحلة انتقالية، تتمسك المؤسسة العسكرية بالخيار الدستوري المتمثل في إجراء الانتخابات الرئاسية في وقتها المحدد يوم 4 يوليو/تموز القادم.

ويرى أستاذ علم الاجتماع بجامعة سطيف نوري إدريس أن إصرار السلطة على موعد 4 يوليو/تموز المقبل له احتمالان، الأول هو توجيه رسالة للخارج لتسويق صورة عن جيش يصر على الحفاظ على الحل الدستوري والقانوني، والاحتمال الثاني يشير إلى أن النظام "استعد جيدا لاستعمال كل الوسائل لفرض عرضه المرفوض شعبيا".

واعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة تيزي وزو محمد عمرون أن رفض الجيش لمرحلة انتقالية يعود إلى تجاربه السابقة، وعدم رغبته في تكرار الفراغ الدستوري الذي حصل في التسعينيات ونتجت عنه أزمة أمنية كبيرة.

وأشار عمرون إلى أن افتتاحية الجيش لم تختلف في مضمونها عن خطاب الرئيس المؤقت قبل أربعة أيام، ويرى أن هذا يدل على تنسيق وتوافق كبير بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية على ضرورة الذهاب إلى انتخابات رئاسية في أقرب وقت لتجاوز المرحلة الانتقالية.

وانتقد الجيش قوى وشخصيات سياسية أخرى سبق أن انتقدت مواقف الجيش المتمسك بالحل الدستوري، وشككت في نواياه السياسية، واعتبر أن "هذه الشرذمة والمغامرين يسعون لتنفيذ مخطط على جبهات عدة يهدف في نهاية المطاف لإيقاع بلادنا في أتون الفوضى والاختلال".

ويعتقد نوري إدريس أن من يوصفون بـ"الشرذمة" موجودون فعلا في وسائل التواصل الاجتماعي، لكن ليس لهم حضور في الميدان وإلا لخربوا الحراك الشعبي ورفعوا شعارات تمس الدولة.

الفراغ الدستوري شبح يتجنب الجيش الجزائري مواجهته (رويترز)
الفراغ الدستوري شبح يتجنب الجيش الجزائري مواجهته (رويترز)

ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر محمد هناد أن اللهجة التي جاءت بها افتتاحية مجلة الجيش لا يمكن أن تجعل منها وثيقة سياسية مهمة، وأوضح للجزيرة نت أن مثل هذا الموقف يدل على انسداد في العملية السياسية منذ تولي بن صالح منصب رئيس الجمهورية بالنيابة.

وقد يكون تمسك الجيش بالحل الدستوري للخروج من الأزمة التي تشهدها الجزائر بهدف تجنب المرحلة الانتقالية، لامتلاك المؤسسة العسكرية معطيات أخرى عن جهات معينة لم تعلنها للرأي العام، وهذا في إطار إستراتيجية تطبيق خطتها، وفق المحلل السياسي فريد بن يحيى.

وعلى الرغم من أن هذه الرؤية تصطدم وتتعارض مع طموحات ومطالب الحراك الشعبي وأحزاب وشخصيات وطنية، فإنها تحصن البلاد وفقا لمحمد عمرون، الذي يرى أن "جزءا من الحراك بات يتبنى خطة الجيش بإجراء الانتخابات في موعدها وسد الفراغ المؤسساتي ثم الانطلاق في ورشات إصلاحية برئيس منتخب، بينما يطالب جزء آخر بضرورة الذهاب إلى المرحلة الانتقالية".

ودافع الجيش عن مواقفه المتعلقة بمنع حدوث فراغ دستوري، واعتبر أنه ورث وضعية سياسية استدعت جهدا لتطهير المحيط السياسي، ووصف ذلك بأنه "تفكيك للألغام" التي قال إن "الشعب الجزائري يعرف من زرعها في كامل مؤسسات الدولة، وأن هذه الأزمة التي كنا في غنى عنها تم افتعالها بهدف زرع بذور عدم الاستقرار في الجزائر من خلال خلق بيئة مناسبة للفراغ الدستوري".

وفي ضوء المعطيات الحالية، يخشى هناد الوصول إلى نقطة تصبح القيادة العسكرية عاجزة عن الاستجابة لمطالب الحراك، كما توقع شرخا في مرحلة ما، بينما يعتقد أن الحل الوحيد هو استمرار الحراك السلمي بقوة بمطالب واضحة وثابتة.

أما بن يحيى فيقترح ندوة وطنية تشارك فيها الأطياف السياسية بالإضافة إلى المؤسسة العسكرية للخروج بورقة طريق يتوافق عليها الجميع.

المصدر : الجزيرة