وجود في حضرة الغياب.. حراك الجزائر بعيون مهاجريها

وقفة أمام القنصلية الجزائرية في لندن
حراك الأحد في المهجر يرافق حراك الجمعة بالجزائر (الجزيرة)

حسيبة إبلعيدان-الجزائر 

"يعيش المغترب حياتين، حياة يحقق فيها النجاح ويصعد فيها مستويات الدنيا، وحياة تملؤها الحسرة وتعكرها الغيرة، الحسرة لأنه غير قادر على مد يد العون بالقدر الكافي، والغيرة لأنه غير قادر أن يتقاسم مع بني جلدته لحظات السعادة ونشوة النجاح وخبرة المهنة التي يعيشها في حياته الأولى".
 

كانت تلك كلمات خطها أحمد محيجيبة على صفحته الشخصية على موقع فيسبوك، وهو جزائري مقيم في كندا منذ سنوات طويلة، ليكون لسان حال ملايين المهاجرين الجزائريين الذين يتابعون خلال هذه الأيام تطورات الحراك الشعبي المستمر منذ 22 فبراير/شباط الماضي.

مساندة المهاجرين للحراك الشعبي تخطت فرنسا القبلة الأولى للمغتربين الجزائريين، فعلى بعد آلاف الكيلومترات، تحولت حدود القنصلية الجزائرية في مقاطعة مونتريال الكندية إلى ساحة للحراك كل يوم أحد، يجتمع بعدها المختصون في إطار ورشات دراسية تناقش "مشروع الجزائر الجديدة"، وهو مشروع اقترحه أحمد محيجيبة العامل في مركز من بين المراكز الرائدة عالميا في علوم البحث التطبيقي.

تتكرر مشاهد مونتريال في العاصمة البريطانية لندن، حيث يبلغ عدد الجالية الجزائرية نحو سبعين ألف مسجل رسميا لدى مصالح القنصلية الجزائرية. صلاح محمد مريش واحد منهم غادر الجزائر قبل ثلاثين سنة، وهو يحتفظ بأرشيف صور ثمين يوثق فيه كل وقفاته أمام السفارة الجزائرية في لندن، أين يصنع المئات ما يصفونه "بحراك لندن" المرافق لحراك الجزائر.

ورشة عمل مشروع الجزائر الجديدة من كندا (الجزيرة)
ورشة عمل مشروع الجزائر الجديدة من كندا (الجزيرة)

حضور وعودة
ظروف الحياة والتزامات العمل جعلتا معظم المهاجرين يساندون الحراك الشعبي من بلد إقامتهم، لكن منهم من لم يقاوم الرغبة في العودة إلى أرض الوطن، "تتبعت الأحداث من ألمانيا إلى غاية الجمعة السابعة، بعدها لم يعد هناك مجال للتردد، قررت أخذ عطلة والعودة إلى الجزائر" يقول رشدي شياحي الجزائري المقيم في برلين مند سبع سنوات.

يؤكد شياحي أن الجزائريين -ورغم قلتهم- استطاعوا نقل صوت الحراك الشعبي إلى ألمانيا، واختاروا الاجتماع كل يوم أحد عند بوابة براندبورغ التي كانت الفاصل بين ألمانيا الشرقية والغربية، وأصبحت مند سقوط جدار برلين رمزا للوحدة الألمانية.

شياحي ليس الوحيد الذي أعاده الحراك إلى الجزائر، فالمحامية نهلة جابي التي غادرت الجزائر سنة 2008 نحو القاهرة عادت هي كذلك لتتظاهر في العاصمة الجزائر كما لم تفعل من قبل.

تقول نهلة للجزيرة نت "لم يتنبأ كثيرون بقوة الجمعة الأولى من الحراك الشعبي، لكنني كنت أشعر يقينا أن شيئا ما سيحصل، النظام السياسي تجاوز ببطشه حدود المعقول، كدنا نصبح أضحوكة العالم.. كان لا بد لشيء ما أن يحدث".

مكاسب الحراك
تغيرت نبرة صوت نهلة وهي تستذكر كيف تشبثت بهاتفها ولم تفارقه للحظة وهي تتبع تطورات الجمعة الأولى من الحراك، وترى أن استرجاع الجزائريين لفضائهم العام هو بحد ذاته مكسب كبير، فالتجمع والتظاهر في العاصمة كانا ممنوعين قبل 22 فبراير/شباط الماضي.

تقول نهلة "عشت طفولتي ومراهقتي في الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، اليوم وأنا أتابع مشاهد الحراك أشعر أنني أعيد اكتشاف المدينة والأشخاص.. كل شيء تغير نحو الأحسن".

عودة المهاجرين إلى أرض الوطن لا تمر بسلام دائما، يقول توفيق عمران المدون الذي اشتهر بمنشوراته المنتقدة لممارسات السلطة في الجزائر "كل ما هو ناجح في الجزائر يربط بالأيادي الخارجية، هاجمني الذباب الإلكتروني فقط لأنني عشت لفترة خارج الجزائر".

ورغم أنه تعرض لحملة تخوين على خلفية إطلاقه مبادرة السترات البرتقالية الهادفة لمنع الاحتكاك بين المتظاهرين والشرطة، فإن عمران متمسك بمواصلة مساندة الحراك، وقال "إن تحسنت الأوضاع لن أعيش خارج بلدي، سأعود لممارسة مهنتي في بلدي.. أنا متفائل بحدوث تغيير حقيقي".

عزلة وتهميش
يرى أستاذ علم الاجتماع ناصر جابي أن تجنّد المهاجرين وتضامنهم مع القضايا الواقعة في الجزائر ليس بالأمر الجديد، فرغم معاناة المهاجرين من التهميش بشكل لا يخدم مصالحهم ولا يسمح للجزائر بالاستفادة منهم، فإن أصواتهم تتعالى مطالبة بفك العزلة عنهم، وإشراكهم في سياسات البلاد مع إعادة وزارة الجالية الجزائرية بعد إلغائها.

ومن منظور اقتصادي قدّر كاتب الدولة السابق للاستشراف والإحصائيات بشير مصيطفى عدد المهاجرين الجزائريين بحوالي سبعة ملايين، ودعا لفتح بنك خاص بتحويلات المغتربين دون قيود لتسهيل دخول رؤوس الأموال، كما نصح بعدم التمييز بين المقيمين والمغتربين في فرص الاستثمار لتسهيل جلب العملة الصعبة.

المصدر : الجزيرة