تمديد رئاسة السيسي والجيش فوق الدولة.. كيف سارت رحلة تعديل الدستور المصري؟

ياسر سليم - تشجع مصريون لإسقاط لافتات التعديلات احتجاجاً عقب نجاح السودانيين في الإطاحة بالبشير. (تصوير خاص للافتة أسقطها مجهولون ـ وسط - ماذا جرى في كواليس التعديلات الدستورية بمصر ؟
لافتات تأييد تعديل الدستور غطت شوارع مصر، فيما اشتكى رجال أعمال وتجار من ضغوط أمنية لإجبارهم على المشاركة (الجزيرة)

عبد الكريم سليم-القاهرة

ربما كانت الجزيرة نت أول من أشار في مثل هذا الشهر من العام الماضي إلى رغبة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في تعديل الدستور لتمديد فترة رئاسته، وذلك عقب وضع الانتخابات الرئاسية الأخيرة أوزارها.

ووافق البرلمان المصري أمس على تعديلات في الدستور تسمح بتمديد ولاية السيسي حتى عام 2030، وتوسع من صلاحياته التشريعية والتنفيذية، كما توسع من سيطرته على السلطة القضائية، وتضع هذه التعديلات الجيش فوق الدولة بصفته حاميا للدستور ومدنية الدولة.

ويتبقى أن تتولى الهيئة الوطنية للانتخابات دعوة الناخبين للاستفتاء على التعديلات، ومن المتوقع أن يتم الاستفتاء الأسبوع القادم على مدار ثلاثة أيام.

تسريبات الجزيرة
في العام الماضي كان النفي هو الخطاب الرسمي الموحد، ولعل أبرز التصريحات في هذا الصدد كان انتقاد رئيس البرلمان علي عبد العال لمن "يدعي وجود رغبة في تعديل نصوص الدستور المتعلقة برئيس الجمهورية"، مؤكدا أن ذلك مستحيل في ظل وجود مادة تحصن الدستور من "التلاعب" إلا لمزيد من الضمانات.

كما صرّح السيسي نفسه في مقابلة تلفزيونية أثناء زيارته للبرتغال بأنه لا نية لديه للبقاء رئيسا لمصر أكثر من فترتين بثماني سنوات، وفقا لما حدده الدستور.

لكن تسريبات حصلت عليها الجزيرة نت في ذلك الوقت أكدت وجود رغبة قوية لتعديل عدد من مواد الدستور، أخطرها ما يتعلق بمنصب رئيس الجمهورية ومدته وصلاحياته.

في الأول من أبريل/نيسان 2018 وتحت عنوان "ملفات ولاية السيسي الثانية.. اللعب على المكشوف"، كتبت الجزيرة نت "وفيما يخص الدستور، أبدى السيسي في أكثر من مناسبة تململه منه، لأنه كُتب في ظروف استثنائية.. وهنالك مشروع وضعه السيسي اسمه رؤية مصر 2030، تعضد التوقعات بأنه ربما يطمح للبقاء رئيسا حتى هذا التاريخ".

ولم يكن ما كتبته الجزيرة نت بشأن التاريخ الذي يود السيسي البقاء إليه تخمينا ولا نبوءة، بل كان استقراء مبنيا على تسريبات مؤكدة، وهو التاريخ نفسه الذي حملته الصيغة الجديدة للتعديلات التي تخص رئاسة الجمهورية، وصوّت عليها البرلمان -بعد عام من النشر- لتمريرها للاستفتاء.

تدرج التعديلات
تمت صياغات التعديلات بطريقة متدرجة، برفع سقف التمديد للسيسي لأقصى حد وهو عام 2034، ثم النزول بفترة التمديد حتى عام 2030، لكي يكون الأدنى "أخف وطأة وأكثر قبولا"، على الأرجح.

لكن هناك من يرى أن التعديلات بصيغتها الجديدة تمثل تراجعا من قبل النظام لتهدئة للشارع المحتقن سياسيا واقتصاديا، والمحتمل تأثره بتطورات الأوضاع في الجزائر والسودان، أو انصياعا لطلب من الإدارة الأميركية في تفسير ثان.

وانتقد أستاذ العلوم السياسية الدكتور مصطفى كامل السيد الدعوة إلى مد فترة رئاسة الجمهورية إلى ست سنوات، رغم أنها محصنة بالمادة 226 التي تحظر تعديلها إلا إذا كان ذلك بهدف تعزيز الحريات.

وقال "نحن لا نعرف ما هي علاقة المد لرئيس الجمهورية بتعزيز الحريات، وخصوصا أن كل ما نعرفه عن مبررات هذا الاقتراح هو تمكين الرئيس من تنفيذ مشروعاته التي ليس من بينها على ما أعلم تعزيز الحريات".

كما انتقد السيد المد بأثر رجعي وعلى الفور، ليمكث السيسي عامين إضافيين بعد انتهاء فترته الحالية عام 2022 دون انتخابات.

بداية المسيرة
قبل الموافقة بالأغلبية أمس، أنجز البرلمان في مسيرة تعديل الدستور عدة خطوات، بدأت بقبوله طلب 155 نائبا يمثلون أكثر من خُمس عدد أعضاء المجلس بتعديل بعض مواد الدستور، علما بأن المحامي علي أيوب فجر مفاجأة في دعواه القضائية لوقف التعديلات حينما قدم للقضاء صورا ضوئية للطلب المقدم بالبرلمان تثبت أنه يخلو من توقيعات هؤلاء البرلمانيين!

وأحال رئيس البرلمان طلب الأعضاء إلى اللجنة العامة للمجلس للنظر في مدى توافر الشروط والأحكام المنصوص عليها في المادة 226 من الدستور، والتي تنص على عدم المساس بمادة رئيس الجمهورية إلا بمزيد من الضمانات.

ووافقت اللجنة العامة بالأغلبية على مبدأ تعديل بعض مواد الدستور، ثم عقد البرلمان جلسته العامة لنظر تقرير اللجنة في مبدأ التعديل، ودارت مناقشات بالجلسة العامة استمرت على مدار ثلاث جلسات متتالية، وانتهى إلى الموافقة على مبدأ تعديل الدستور بأغلبية أعضائه.

وعلى مدى شهر تلقت لجنة الشؤون الدستورية التشريعية عددا من المقترحات والملاحظات والدراسات على التعديلات الدستورية، قدمها نواب ومؤسسات رسمية ومواطنون. كما عقد البرلمان ست جلسات للحوار المجتمعي خصصت لاستطلاع الآراء في التعديلات المطروحة.

وفي كواليس المناقشات، وقعت مفاجأة في اللجنة التشريعية بمجلس النواب أثناء التصويت على تعديل بالمادة 185 من الدستور بشأن المجلس الأعلى للهيئات القضائية، حيث رفض علي عبد العال تمرير المادة بسبب النص على رئاسة وزير العدل للمجلس في غيبة رئيس الجمهورية، معلنا عدم الموافقة على ذلك، وتساءل "كيف يرأس وزير العدل رئيس المحكمة الدستورية؟".

وشهدت الجلسات تحت قبة البرلمان جدلا حول عدد من المواد بخلاف مادة الرئاسة، أهمها التعديل المتعلق بدور القوات المسلحة في حماية مدنية الدولة، والذي رآه معارضون للتعديل أنه "يقحم المؤسسة الوطنية" في دور ليس لها. كما ثار جدل بشأن بعض المواد مثل تخصيص مقاعد محددة للنساء والأقباط  في البرلمان.

تهديد المعارضين
وتسبب رفض بعض البرلمانيين للتعديلات في تفجير جملة من الفضائح الأخلاقية بحقهم، حيث جرى تسريب فيديوهات فاضحة للمخرج خالد يوسف مع ممثلتين ناشئتين، كما جرى تسريب مقاطع صوتية فاضحة للنائب المعارض هيثم الحريري مع إحدى السيدات.

وفيما كان الاتجاه ناحية الإجماع على إجراء التعديلات، حاول معارضون الحصول على إذن من السلطات بالتظاهر قرب البرلمان أثناء مناقشة التعديلات، وقوبل طلبهم بالرفض.

وشهدت شوارع القاهرة والمحافظات سيلا من لافتات التأييد للتعديلات حتى قبل اتضاح تفاصيلها والاستقرار على صياغتها، وكان معظمها ممهورا بتوقيعات أصحاب شركات ونواب حاليين وسابقين وأحزاب، فيما اشتكى تجار من تعرضهم لضغوط أمنية لتعليق اللافتات.

المصدر : الجزيرة