بعد 20 شهرا.. خالدة جرار تتنسم الحرية

عاطف دغلس-نابلس

 

في الرابعة فجر اليوم الخميس دقت ساعة الصفر وقرع السجان الإسرائيلي على خالدة باب غرفتها في سجن الدامون شمال فلسطين المحتلة عام 1948 ليوقظها ويأمرها بتحضير نفسها، عملا بقرار الإفراج عنها بعد انتهاء مدة اعتقالها.

بعد عشرين شهرا من الاعتقال الإداري أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن الأسيرة خالدة جرار (56 عاما) النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني المنحل والقيادية الرفيعة بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

كما توقع الجميع من ذوي خالدة ورفاقها في النضال، لم يلتزم الاحتلال بموعد الإفراج ومكانه، زيادة في العقاب ومنعا لأية مظاهر احتفالية قد ترافق ذلك، فغيرت إدارة السجن الموعد وجعلته في السادسة صباحا بدلا من الرابعة، ونقلت المكان من أمام حاجز الجلمة العسكري إلى معسكر سالم الإسرائيلي قرب مدينة جنين بشمال الضفة الغربية.

واعتقلت جرار ثلاث مرات طوال حياتها، كان آخرها مطلع يوليو/تموز 2017 وحولت للاعتقال الإداري لمدة عشرين شهرا، تلقت خلالها أربعة أوامر بتجديد اعتقالها، لتكون بذلك عميدة الأسيرات الإداريات على مدار السنوات القليلة الماضية.

‪خالد جرار بعد وصولها إلى نابلس وتوجهها لزيارة قبر والدها الذي توفي وهي بالمعتقل‬ (الجزيرة نت)
‪خالد جرار بعد وصولها إلى نابلس وتوجهها لزيارة قبر والدها الذي توفي وهي بالمعتقل‬ (الجزيرة نت)

رسالة الأسيرات
ورغم ألم الغياب والفقد تحدثت جرار وبقوة عن حال الأسيرات ونقلت معاناتهن للجزيرة نت بقولها إن مكر الاحتلال بدأ قبل الإفراج، حيث أرجأ موعده لساعتين وأحضر بوسطة (حافلة السجن) خاصة لنقلها وبدَّل موقع الإفراج ولم يعلم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بذلك.

وعن رسالة الأسيرات قالت جرار "إنهن لا يطلبن سوى حريتهن والعمل بقوة لأجل ذلك، إضافة لصيانة الوحدة الوطنية وتفعيل الدور الشعبي والاهتمام بقضايا الأسرى والأسيرات" لا سيما أنهن يلحظن "تغييبا كبيرا" لإبراز واقع معاناتهن.

وزيادة في "العقاب" -حسب جرار- نقلت الأسيرات الفلسطينيات من سجن الشارون الإسرائيلي إلى سجن الدامون بعد 63 يوما من الاعتصام والامتناع عن الخروج لساحة سجن الشارون رفضا لنصب كاميرات لمراقبتهن.

وتقضي الآن وللشهر الرابع على التوالي 49 أسيرة فلسطينية فترة اعتقالهن داخل سجن الدامون في ظروف أقل ما يقال إنها غير إنسانية.

وتضيف "في الدامون الرطوبة عالية والأسيرات لا يتعرضن للشمس لكثرة الكاميرات ولا يوجد مطبخ أو مكتبة، إضافة إلى انتشار بعض القوارض"، وطالبت جرار بإغلاق سجن الدامون، وقالت إنه أغلق هذا المعتقل مرتين لكونه لا يصلح أن يكون سجنا، وتؤكد أنه افتتح ثانية لأجل الإمعان بعقابهن.

‪خالدة جرار مع عائلتها بعد الإفراج عنها‬ (الجزيرة نت)
‪خالدة جرار مع عائلتها بعد الإفراج عنها‬ (الجزيرة نت)

مكائد الاحتلال
وأوضحت أنه وأمام ذلك كله تقف الأسيرات سدا منيعا في المطالبة بحقوقهن وحقوق الأسرى والتضامن معهم، حيث أرجعن الوجبات عندما اعتدى السجانون قبل أكثر من شهر على الأسرى بسجني عوفر والنقب، فجرى عزلهن وحرمانهن من حقوقهن.

ويرفض الأسرى وفق جرار "ابتزازهم ماليا"، في إشارة لمنع إسرائيل رواتبهم باقتطاعها من أموال الضرائب الفلسطينية التي تجمعها إسرائيل نيابة عن السلطة، وتؤكد أن هذا الإجراء لن يثني الأسرى أو نضالهم عن انتهاكات الاحتلال.

وأمام مكائد الاحتلال بتغييب أية بهجة بتحرر جرار نقلت الأسيرة إلى منزل أقاربها بمدينة جنين، حيث جرت مراسم الاستقبال هناك واحتضنت والدتها، ومن ثم إلى مسقط رأسها بمدينة نابلس، حيث توجهت للمقبرة الشرقية لزيارة قبر والدها الذي توفي خلال الاعتقال الأخير.

ويقول غسان جرار زوج خالدة للجزيرة نت إنه ووفق ما توقع من "ألاعيب" الاحتلال فقد جرى الإفراج عنها قبل وصولهم لاستقبالها، كما هي عادة الاحتلال دوما في طمس فرحهم، حيث تزوجت ابنتها الصغرى باعتقالها الثاني عام 2015 وتوفي والدها باعتقالها الأخير.

ورغم ذلك أعد الزوج كما روى للجزيرة نت وردا لاستقبال زوجته، فهو الذي اعتقل أربعة عشرة مرة وقضى خلالها أكثر من عشر سنوات بسجون الاحتلال، يعرف ذاك الشوق الذي يعيشه الأسير لرؤية ذويه ومحبيه، خاصة أنه مرفوض أمنيا ويسمح له بتصريح كل ستة أشهر لزيارتها.

‪خالدة جرار في منزل أقاربها بمدينة جنين‬ (الجزيرة نت)
‪خالدة جرار في منزل أقاربها بمدينة جنين‬ (الجزيرة نت)

سبب الاعتقال
ويقول زاهر الششتري عضو القيادة السياسية للجبهة الشعبية إن اعتقالها كان بأوقات مرت وتمر بها القضية الفلسطينية بأصعب وأدق لحظاتها، حيث كانت جرار تمثل الصوت الذي يعبر عن تطلعات الشعب الفلسطيني وترفض التساوق مع مشاريع التسوية.

وأضاف في حديثه للجزيرة نت أنها اصطدمت أكثر من مرة مع أصحاب القرار بمحطات هامة لشعبنا، سواء في اجتماعات القيادة أو المجلس المركزي "وكان هذا أحد أهم الأسباب لاعتقالها ولجم صوتها، لكن المحاولة فشلت مثلما أفشلت محاولة إبعادها لأريحا".

وبالإفراج عن جرار، فإن عدد نواب المجلس التشريعي الفلسطينيين "المختطفين" لدى الاحتلال انخفض اليوم إلى سبعة نواب بعد الإفراج، حسب رياض الأشقر الباحث بمركز أسرى فلسطين للدراسات.

المصدر : الجزيرة