فنزويلا.. نحو مواجهة بين الكبار

ناصر الحسيني-كوكوتا

في منطقة غابوية موحشة وفي ظل شمس حارقة، يقف جسر سيمون بوليفار فاصلا بين فنزويلا وكولومبيا وشاهدا يوميا على عمق الصداع الدائر في أميركا الوسطى بين الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو وجيرانه الذين يريدون الإطاحة به علنا وصراحة.

ردت فنزويلا على محاولة إدخال المساعدات الإنسانية عنوة بالقوة، ورفضت التوظيف السياسي لقضية شحن المساعدات الإنسانية إلى الداخل الفنزويلي. وأمام تربص المعارضة والولايات المتحدة أغلقت فنزويلا حدودها البحرية والبرية مع جزر الكاريبي والبرازيل وكولومبيا.

وعندما حاول المعارضون اقتحام الحدود السبت الماضي عبر جسر سيمون بوليفار بالقوة، وجدوا في مواجهتهم حرس الحدود والقنابل المدمعة، حيث قتل ناشطان على الأقل.

واضطرت المعارضة التي أصبحت تتحرك من أراضي كولومبيا، إلى الإقرار بأنها فشلت في رهان اقتحام الحدود أمام تماسك الجيش الفنزويلي، وطلب زعماؤها المتطوعون العودة عن خططهم كي لا يسقطوا برصاص القتلة، حسب وصفهم.

كان رهان المعارضة السبت الماضي إحراج الرئيس نيكولاس مادورو دوليا، ووضعه في خانة مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم بقتله المتظاهرين، وكان الهدف -حسب مراقبين أميركيين- اختبار الرئيس الفنزويلي إلى أي حد يمكن أن يصمد سياسيا تحت ضغط المعارضة والولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة وحشود المعارضين على حدود بلاده المحملين بالأغذية والأدوية لصالح فقراء فنزويلا.

ويبدو أن ذلك الرهان فشل في مساره الحالي، مما دفع الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى إرسال نائبه مايكل بنس ليجتمع في بوغوتا مع مجموعة ليما الإقليمية التي انضمت إلى الموقف الأميركي الساعي للإطاحة بالرئيس الفنزويلي، وشكلت قوة جغرافية ضاغطة بالفعل على فنزويلا.

وجاء بنس إلى المنطقة الاثنين لبحث سبل وضع مزيد من الضغوط العملية -حسب قوله- على مادورو والتفكير في خطط المستقبل، في حين أطلق وزير الخارجية مايك بومبيو فكرة تشكيل ائتلاف دولي يزيح مادورو من السلطة ويفتح المجال أمام زعيم المعارضة خوان غوايدو.

وربحت المعارضة التي يقودها غوايدو حتى الآن معركة سياسية محدودة تتجسد في جلوس زعيمها إلى جانب أعداء مادورو في اجتماعات بوغوتا مع المبعوث الأميركي، وفي النصر النفسي والمعنوي الذي ستحققه شخصيته السياسية.

ويقول مراقبون محليون إن المجتمع الدولي يدرك الآن بعد فشل مرحلة السبت الماضي وتوظيف مشاهد اقتحام حدود فنزويلا بشاحنات المساعدات أن الصراع سيطول ولن تكون فنزويلا الفقيرة فريسة سهلة.

فقد صمد مادورو في مكانه وما زالت القوات العسكرية النظامية متماسكة تحمي القيادة السياسية الحالية في كراكاس، وحتى بالنسبة لأعداء فنزويلا، فقد كسب مادورو الجولة الحالية ودون خسائر تذكر. وبرز في وجه شعبه على الأقل زعيما قادرا على مواجهة التحدي الإقليمي.

وأمام دخول الولايات المتحدة المباشر في الصدام الحالي، فإن كثيرين يترقبون موقف الصين وروسيا التي حمت بشار الأسد من السقوط في سوريا وقد تلجأ إلى الأسلوب ذاته في فنزويلا، فقد خرجت المعركة من طبيعتها المحلية وهي بصدد التحول إلى مواجهة بين الكبار.

المصدر : الجزيرة