بلا ندم وتمسك بالنقاب.. قصة جديدة لفتاتين فرنسيتين بتنظيم الدولة

Families and relatives of Islamic State militants are see after they surrender themselves to the Kurdish Peshmerga forces in al-Ayadiya, northwest of Tal Afar, Iraq August 30, 2017. REUTERS/Ari Jala
انهيار تنظيم الدولة وضع مئات الأسر والعائلات أمام مخاطر البقاء وإشكالات العودة إلى أوطانها الأصلية (رويترز)

وصلت الفرنسيتان كلويه وشيماء إلى مخيم الهول المخصص لعائلات تنظيم الدولة الإسلامية بعد فرارهما من آخر جيب للتنظيم في شرق سوريا بدافع الجوع أكثر من الندم، ومع استعدادهما للعودة إلى بلدهما تقولان إنهما لن تتنازلا عن النقاب وحقهما بمحاكمة عادلة.

خلف أسوار المخيم الذي يستقبل عشرات آلاف النازحين في محافظة الحسكة (شمال شرق)، التقت وكالة فرانس برس الشابتين اللتين ترتديان نقاباً طويلاً يخفي ملامحهما كافة باستثناء العيون، ويحيط بهما ثلاثة أطفال ثيابهم متسخة.

وعلى غرار خمسمئة سيدة أجنبية وصلن خلال الأشهر الأخيرة إلى المخيم الواقع في منطقة صحراوية قاحلة، تراقب قوات سوريا الديمقراطية عن كثب حركة النساء اللاتي يشتبه في أنهن يحتفظن بإيديولوجية متطرفة ومعادية للغرب، وهن يقمن داخل قسم من المخيم يحظى بحراسة مشددة.
    
وترفض السيدتان إعطاء أي تفاصيل من شأنها أن تكشف هويتيهما، لتجنب نشر اسميهما والتأثير سلبا على عائلتيهما المقيمتين في فرنسا، وتستخدمان في المقابلة اسمين مستعارين.

وتنحدر كلويه (29 عاما) -التي تبدو أكثر طلاقة في الكلام- من منطقة ليون الفرنسية، وتصر في تصميم تكشفه عيناها الزرقاوان على توجيه رسالة واضحة "نحن لسنا حيوانات، نحن بشر، لدينا قلب، ولدينا روح، هذا كل ما في الأمر".

والتقت فرانس برس قبل أسبوع هذه السيدة لدى خروجها من بلدة الباغوز، حيث لا يزال تنظيم الدولة الإسلامية محاصرا في نصف كيلومتر مربع.

وتدرك كل من السيدتين تردد الحكومة الفرنسية في استعادة نساء وأطفال الجهاديين، وما يطرحه ذلك من حساسيّة في بلد لم يتعاف بعد من تداعيات الاعتداءات الدامية عام 2015. ويُنظر بكثير من الشك إلى النساء والرجال الذين رافقوا التنظيم المتطرف حتى مراحله الأخيرة.

"نلتزم الصمت"    
وتقول شيماء -وهي شابة فرنسية في الثلاثينيات من عمرها، هربت مع زوجها وأطفالها قبل نحو أسبوعين من آخر نقاط التنظيم وسلموا أنفسهم إلى قوات سوريا الديمقراطية- "نحن لم نكن متفقين" مع مقاتلي التنظيم هناك.

وتضيف بلكنة تميز سكان الجنوب الفرنسي "لكن لم يكن بإمكاننا أن نقول شيئاً، كان علينا أن نلتزم الصمت".

وتوافقها كلويه الرأي "مقاتلو الدولة الإسلامية كانوا يخيفوننا، كانوا يقولون لنا "سنقطع رؤوسكن ونغتصبكن"، موضحة أنها تمكنت من الهرب بمساعدة مهرّب مقابل مبلغ خمسين دولاراً.

وبعد الضيق الذي شعرت به خلال الأسابيع الأخيرة جراء الحصار الذي فرضته قوات سوريا الديمقراطية ومحاولتها تجنّب القصف وعدم توفر أي طعام تقدمه لأطفالها الثلاثة، تبدي شيماء رغبتها اليوم في العودة إلى فرنسا، وتحديدا إلى حضن عائلتها.

وتشاركها كلويه الرغبة ذاتها، شرط أن تتمكن من "ممارسة الإسلام فيها بكل حرية وأن تبقى قرب أطفالها".

ينخفض صوتها تلقائيا لدى استعادتها مقتل ابنتيها (لديهما عامان ونصف عام، وستة أعوام) قبل عام ونصف عام جراء قصف. ورغم حزنها الشديد، فإنها تؤكد أنها لم تفكر أبدا في الانتقام، وتقول "قتلوا أطفالي ولكن لن أذهب غدا لأقتل أحدا".
    
وتسرد الفرنسيتان تفاصيل كثيرة لا يمكن التحقق من صحتها تتعلق بحياة كل منهما وزواجهما وسفرهما. تتحدث كل واحدة منهما عن حياة مسالمة مع زوجها، الموظف المدني لدى التنظيم، وهي عبارة تكاد تكررها كل النساء اللاتي التقتهن فرانس برس خلال الشهر الأخير بعد خروجهن من جيب التنظيم.

"كل ما بقي لي"    
وتنطوي رواية كل منهما على تفاصيل متباينة أحيانا؛ إذ تعبران عن خيبة أملهما من تنظيم الدولة، بعدما اعتبرتا أن أرض "الخلافة" هي "المكان المثالي لممارسة إسلامهما بحرية" لينتهي الأمر بالتنظيم وهو "يعدم الكثير من الناس من أجل لا شيء ومن دون أدلة، حتى من المسلمين"، وفق كلويه.

وفي الوقت ذاته، تتحفظ كلويه على إدانة الاعتداءات التي تعرضت لها باريس في عام 2015. وتشرح أن "أولئك الذين فعلوا ذلك أرادوا الانتقام" من الضربات التي توجهها فرنسا في سوريا.

وتتحدث السيدتان عن أمرين يوجهان حياتهما اليوم: مواصلة ممارسة "الإسلام الصحيح" وحماية أطفالهما. وتخشيان مما سيكون عليه مصير الأطفال بمجرد عودتهم إلى فرنسا، حيث من الممكن أن يتم فصلهم عن ذويهم الذين سيعتقلون بسبب انتمائهم إلى التنظيم.

وتشرح كلويه "سيأخذون أطفالنا بعيدا عنا، ويضعونهم في دور رعاية أو لدى عائلات أخرى، سيتم فصلهم عن بعضهم البعض وسيكبرون بشكل مغاير للتربية التي نريد أن نوفرها لهم".

وتضيف "هناك الكثير من الأمور في فرنسا التي تتعارض مع ديننا، بينها على سبيل المثال المثلية الجنسية، إنها ممنوعة في الدين".

وتأمل السيدتان في حال عودتهما إلى فرنسا أن تحصلا على عقوبة خفيفة. وتوضح كلويه "آمل أن تتم محاكمتنا بشكل عادل، كل حالة على حدة وليس على كل ما ارتكبه التنظيم".

وحكمت باريس العام الماضي على فرنسية زارت سوريا عام 2015 مع أطفالها الثلاثة وتزوجت من عنصر في التنظيم، بالسجن سبع سنوات.

ولا تمانع شيماء بدورها "عقوبة سجن غير طويلة" تمكنها من مواصلة حياتها و"الاستمتاع" مع أطفالها "لأنهم كل ما بقي" لها بعد توقيف زوجها.

المصدر : الجزيرة + الفرنسية