بعد احتجاجات ومطالبات بعزله.. هل أصبح السيسي في أضعف حالاته داخليا وخارجيا؟

بعد مقتل مجندين بسيناء.. مصريون: #السيسي_يقتل_أولادنا
مواقع التواصل غصت مؤخرا بحملات مناهضة للسيسي (مواقع التواصل)

محمود صديق-القاهرة 

رغم نبرة الثقة التي حاول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن يظهرها في كلماته لمستقبليه -أو بالأحرى الذين حُشدوا لاستقباله- في المطار عند عودته من نيويورك صبيحة يوم الجمعة الماضي فإن الحقائق التي خلقتها الأحداث إقليميا ودوليا خلال الأيام السابقة، والحراك الذي تشهده مصر مؤخرا وتزايد وتيرة الاعتقالات ربما تشي بأشياء أخرى. 

فداعمو السيسي -إقليميا أو دوليا- كل منهم يواجه تحدياته وأزماته الداخلية والإقليمية، في حين على الصعيد المحلي نجح السيسي في جعل أغلب التيارات السياسية بل وبعض من كانوا رموزا لنظامه أن تكون لهم مصلحة في إنهاء حكمه. 

وهو ما يطرح التساؤل: هل أصبح السيسي في أضعف حالاته محليا وإقليميا وعالميا، أم يتجه لمزيد من تقوية سلطته وبسط نفوذه؟

أزمات السعودية والإمارات 
قدمت السعودية والإمارات كل أنواع الدعم للانقلاب العسكري الذي قاده السيسي في يوليو/تموز 2013 على الرئيس المنتخب محمد مرسي، وظلتا تقدمان الدعم المالي والسياسي للسلطة الجديدة في مصر، حيث بلغ حجم المساعدات الخليجية خلال أقل من عامين 30 مليار دولار، منها تسعة مليارات قدمتها السعودية في شكل مواد بترولية. 

لكن وبعد ثلاث سنوات سرت حالة من الإحباط والاستياء الخليجي من أداء السيسي داخليا وخارجيا وبات يمثل -حسب المحلل السياسي والأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله في تصريحات سابقة- عبئا ماليا وسياسيا يصعب تحمله كثيرا، غير أن عبد الخالق استبعد التخلي عن السيسي ونظامه، لما تمثله مصر من أهمية تخدم طموحات السعودية والإمارات. 

وشهدت الأسابيع القليلة الماضية مزيدا من وقوع السعودية تحت نيران الحوثيين، وصلت إلى قصف شركة أرامكو العمود الفقري لاقتصاد البلاد، كما بث الحوثيون صورا لعمليات قتل وأسر المئات من الجنود السعوديين.

هذه الأحداث بالإضافة إلى معاناة ولي محمد بن سلمان دوليا من تبعات مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة بإسطنبول تعزز إمكانية انكفاء السعودية على مواجهة تحدياتها أولا. 

أما الإمارات فمقبلة -حسبما أكد خبراء اقتصاديون- على أزمة اقتصادية خانقة تبدت في هروب مئات المستثمرين والشركات من دبي، وأشارت تقارير اقتصادية دولية إلى أزمات طاحنة تواجهها بنوك الإمارات. 

وحتى قطاع العقارات الذي راهنت عليه دبي كثيرا فقد طالته الأزمة هو الآخر، وأصبح يعاني من ركود كبير أدى إلى انهيار شركات كبرى مثل أبراج، وتراجعت أرباح داماك إلى أكثر من 50% خلال العام الماضي. 

كما تعيش دبي أزمة سمعة دولية، حيث أصبح اسمها مرتبطا بعمليات غسيل أموال، بل وتمويل الإرهاب، بعد إعلان الولايات المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن تفكيكها شبكة صرف عملة داخل الإمارات نقلت ملايين الدولارات إلى فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. 

ترامب ونتنياهو 
أما رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو الذي يعد أحد أكبر الداعمين للسيسي، ووصفه الباحث الفلسطيني صالح النعيمي بـ"مكتب علاقات عامة للسيسي" فهو يواجه ثلاث قضايا سياسية ومالية تتعلق بالرشوة والاحتيال وانتهاك الثقة. 

ولم ينجح نتنياهو في الفوز بالانتخابات البرلمانية أمام تحالف أزرق أبيض بقيادة بيني غانتس، وهو يجاهد الآن لتشكيل حكومة وحدة وطنية لكنه يواجه مصاعب كبيرة يرى محللون أنها قد تكتب كلمة النهاية السياسية لنتنياهو، خصوصا مع بدء محاكمته اليوم الأربعاء بتهم فساد. 

أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي وصف السيسي بدكتاتوره المفضل فيواجه تحقيقات يجريها الكونغرس قد تؤدي لعزله بسبب ما بات تعرف بـ"فضيحة أوكرانيا"، حيث تواصل ترامب مع الرئيس الأوكراني لتلويث سمعة منافسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة جو بايدن.

بديل عسكري
يرى أستاذ علوم سياسية -فضل عدم ذكر اسمه- وكان أحد داعمي انقلاب السيسي عام 2013، كما كان عضوا في حملة السيسي الرئاسية أن الأزمات التي يمر بها داعمو الرئيس المصري حاليا تجبرهم على التراجع خطوة للخلف في دعم شخص السيسي. 

وأضاف في حديثه للجزيرة نت "لكنهم لن يتركوه يسقط إلا إذا كان البديل معروفا لديهم، لذا فإنهم لن يمانعوا في تحركات من داخل النخبة العسكرية لتخفيف قبضة الجيش على الحكم ولكن ليس تركه نهائيا". 

وأشار إلى المشاورات التي أجراها رئيس الأركان الأسبق سامي عنان أثناء تفكيره بالترشح للرئاسة مع عدد من السياسيين وضباط حالين وسابقين، لتخفيف قبضة الجيش على السلطة، في رؤية قدمها كبديل عن نظام السيسي، مؤكدا أن حلفاء السيسي الإقليميين والدوليين لن يعترضوا طريقا بديلا مشابها. 

سخط النخبة الحاكمة 
وعلى المستوى الداخلي، ارتكب السيسي كل ما يمكن لإبعاد الجميع من حوله، فرجال الأعمال الذين أنفقوا مبالغ طائلة دعما للانقلاب وإبعاد الإخوان المسلمين من المشهد يعانون الآن من دور مهيمن للجيش على الاقتصاد، لدرجة أن أحدهم قال في جلسة خاصة إن الجيش جعل رجال الأعمال يمسكون "المنشة"، وهو وصف يطلقه المصريون على من بارت تجارته ولم يعد في قدرته سوى طرد الذباب. 

كما توترت علاقته بأركان الدولة العميقة التي ساهمت في مجيئه للحكم، حيث سجن رئيس الأركان الأسبق سامي عنان، وأخرس صوت الفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وأبقاه فيما تشبه الإقامة الجبرية، كما تشن وسائل الإعلام هجوما حادا بين الحين والآخر على جمال وعلاء نجلي مبارك. 

وضيق السيسي الخناق على معظم الأحزاب والنشطاء ومؤسسات حقوق الإنسان، حتى ممن مثلوا الغطاء المدني للانقلاب العسكري، حيث اعتقل العشرات من شباب الحركات الثورية، ومؤخرا امتدت الاعتقالات لتشمل قيادات في أحزاب يسارية وليبرالية، فضلا عن محامين وصحفيين.

وعلى الصعيد الشعبي، زاد سخط المصريين على نظام السيسي بسبب غلاء المعيشة، والارتفاعات المتكررة في أسعار السلع والخدمات الأساسية، مع وصول نسبة التضخم إلى أرقام غير مسبوقة، مما دفع المزيد من المصريين إلى ما دون خط الفقر. 

هذه المعطيات جعلت العضو المؤسس في حركة حقوق الإنسان المصرية بهاء الدين حسين يصل -في تصريحات سابقة- إلى نتيجة مفادها أن السيسي لن يكمل ولايته الثانية، مؤكدا أن الاستياء دب في صفوف النخبة الحاكمة، ومنها قيادات بالجيش، وهو ما يعد الخطر الأكبر على النظام من أي معارضة أخرى، على حد قوله.

ويدعم كلام حسين الأحاديث التي خرجت عقب ظهور الفنان والمقاول محمد علي بأن قيادات في الجيش ربما تحاول استغلال الغضب الشعبي للإطاحة بالسيسي، لكن لم تظهر مؤشرات حتى الآن تدعم تلك الفرضية.

الجيش يدعم السيسي
لكن في مقابل كل ذلك، هناك العديد من المحللين السياسيين الذين يقللون من أهمية الحراك الذي حدث ويعتبرونه استثناء ربما يقوي السيسي ولا يضعفه، وهو التحليل الذي يؤيده بشدة المحلل الإسرائيلي زيفي بارئيل.

وفي مقال له بصحيفة هآرتس عقب الحراك الأخير في الشارع المصري، ذهب بارئيل إلى أن السيناريو الأرجح هو تشديد السيسي قبضته على الجيش بإجراء تعديلات في القيادات العسكرية، وإقالة وزير الدفاع الفريق محمد زكي من خلال تعديل وزاري محدود.

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي