نسرين أبو غزالة.. تقص حكاية القدس بريشتها

نسرين أبو غزالة أمام إحدى لوحاتها(الجزيرة نت)
نسرين تهتم بتفاصيل وهموم القدس والمقدسيين (الجزيرة)

أسيل جندي-القدس

منذ نعومة أظفارها سخّرت الفنانة المقدسية نسرين أبو غزالة موهبتها في الرسم لأجل مدينتها المحتلة، وكلما فكرت السير في خط جديد بالرسم، تطارد ريشتها أحداث القدس وهمومها من جهة، وسورها التاريخي وأزقتها وتراثها والحضارات التي مرت عليها من جهة أخرى.

في حي الثوري ببلدة سلوان تجلس على شرفتها المقابلة للمسجد الأقصى المبارك وسور القدس، وتستلهم منهما أفكارا للوحات جديدة. وللمرأة الفلسطينية بزيها التراثي وقوتها وصمودها حضور لافت في زوايا منزلها الذي زُينت جدرانه بأعمالها.

ولدت الرسامة لأبوين لاجئين من قريتي لفتا وقالونيا المقدسيتين المهجرتين عام 1948، وبعد سنوات عاشها والدها في المملكة الأردنية عاد لمدينة أريحا، وهناك ولدت نسرين عام 1973 وحملت تلقائيا هوية الضفة الغربية.

لاحظ والداها شغفها بالرسم في سن مبكرة وحرصا على إلحاقها بدورات رسم لا منهجية لتطوير موهبتها، وفي المرحلة الإعدادية عُلق أول أعمالها في معرض بإحدى المدارس، ثم توالت مشاركاتها.

 .. وتستلهم من المسجد الأقصى وسور القدس وأحيائها
 .. وتستلهم من المسجد الأقصى وسور القدس وأحيائها

تقول نسرين "رسمت في صغري الأماكن التي زرتها وأعجبتني، ومع مرور الوقت باتت تلفتني ملامح الأشخاص فألتقط لبعضهم صورا ثم أباشر برسم لوحة جديدة يكون الشخص جزءا منها.. أتأثر بالأحداث التي تمر بها مدينة القدس ولها من لوحاتي نصيب".

خلال لقائها مع الجزيرة نت في منزلها تنقل بصرها عشرات المرات بين لوحاتها، وكلما تعثرت في التعبير عن زاوية ما نظرت لإحداهن، وبعد صمت للحظات تستجمع كلماتها وتنطلق من جديد، وبدا واضحا أنها تنظر لأعمالها وترعاها تماما كما ترعى أبناءها الأربعة.

في واجهة غرفة الجلوس تتربع لوحة كبيرة وضعت نسرين اللمسات الأخيرة عليها في مايو/أيار المنصرم، وشاركت بها في معرض بالتزامن مع نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. وتضم اللوحة -التي رسمت باللونين الأبيض والأسود- صورة قبة الصخرة المشرفة، وأمامها رجل مسن تشير التجاعيد وملامح الحزن في وجهه إلى عمق ألمه على حال المسجد الأقصى المبارك.

أحدث لوحات نسرين
أحدث لوحات نسرين

وعلى الواجهة المجاورة علقت نسرين لوحتين خاصتين بالمرأة، وعنهما قالت "أحرص دائما على إبراز دور المرأة الفلسطينية وقوتها وشموخها، فإحدى اللوحات تظهر المرأة بثوبها التراثي وهي تحمل جرة ماء فوق رأسها، وخلفها شجرة الزيتون التي ترتبط بها ارتباطا وثيقا، وفي لوحة أخرى حاولتُ إبراز جمالية ودقة الثوب التراثي الفلسطيني والحلي التقليدية".

رغم دراستها تخصص إدارة الأعمال والمحاسبة في جامعة القدس، وافتتاحها محلا تجاريا في شارع صلاح الدين الأيوبي لمدة أربعة أعوام، شعرت نسرين أن هذا المجال سرقها من عالمها الفني، وعادت بعد إغلاق المحل للرسم، وتخوض منذ شهور تجربة جديدة برسم وجوه الأشخاص "بورتريه" بالفحم.

بعد معاناة استمرت 16 عاما تمكنت نسرين من الحصول على الهوية الزرقاء المؤقتة عبر معاملة لم الشمل قدمها زوجها لوزارة الداخلية الإسرائيلية منذ زواجهما عام 1995.

وعن صعوبة تنقلها من وإلى مدينة القدس قبل الحصول على الهوية تقول "انعكست معاناتي الشخصية على رسوماتي في تلك الفترة فرسمتُ لوحة تحمل اسم (هويتي) وفيها رجل مقوس الظهر يضع يده على جيبه خوفا على فقدان هويته.. وأهديتُ هذه اللوحة لاحقا لجمعية حقوقية ساعدتني في الحصول على الإقامة بالقدس".

منزل الفنانة يعج بلوحاتها 
منزل الفنانة يعج بلوحاتها 

وبالإضافة للوحات التي تخطها أناملها بالألوان الزيتية على قماش "الكانفاس" تُدرس نسرين أساسيات الرسم في عدة مدارس ثانوية بالقدس، وتمكنت من إطلاق معرض يحتوي على ثمانين رسمة لطالباتها العام الماضي بعد عمل استمر سبعة أشهر.

وتؤمن أن لوحاتها تحمل قصتها وقصة 360 ألف مقدسي يعيشون بمدينتهم المحتلة في ظروف قاهرة، وتأمل أن تتجول بهذه القصص في معارض عربية وعالمية لإيصال صوت القدس بريشة فنان.

المصدر : الجزيرة