السعودية.. نساء وراء المِقْود ومعارضون وراء القضبان

افتتاح أول دار للسينما في السعودية
افتتاح أول دار للسينما في السعودية (مواقع التواصل الاجتماعي)
لئن كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد سمح للنساء بسياقة السيارات في إطار سياسته التحررية، فإنه لطّخ تلك السياسة بما قام به من اعتقالات.

فالرجل، حسب مقال للصحفي الفرنسي المخضرم جورج مالبرينو، يقدم صورة متناقضة منذ أن تولى زمام الأمور في هذا البلد المحافظ، فهو ثوري على المستوى المجتمعي وحاكم شبه مستبد في إدارته للبلد.

صحيح أن ثمة ارتياحا بين عشرات آلاف النساء من أنهن سيتمكن، من الآن فصاعدا، من التحرر من ضرورة وجود سائق خاص أو أحد رجال البيت لمساعدتهن في التنقل، وهو ما سيسمح، وفقا لبعض التقديرات، بتمكين حوالي ثلاثة ملايين امرأة من الحصول على رخصة سياقة بالسعودية بحلول عام 2020.

وليس هذا هو كل ما حصلت عليه النساء خلال هذه السنة، حسب الكاتب، بل هناك أمور أخرى دلت على انفتاح لم يكن أحدا يتصوره، فالسعوديات شاركن في أول أسبوع للموضة ببلادهن في أبريل/نيسان الماضي، وقبل ذلك بشهرين تذوق الشباب والشابات السعوديون طعم أغاني الجاز خلال مهرجان خصص لذلك في الوقت الذي كانت فيه دور السينما تفتح أبوابها في الرياض أمام ساكني المملكة للمرة الأولى منذ 35 عاما.

لكن إذا كانت سلسلة الإصلاحات المذكورة قد منحت هذا البلد، المعروف بصرامته، حملة هائلة من العلاقات العامة الهادئة، فإن عدة قرارات اتخذها بن سلمان شوهت هذا الانفتاح وخيمت بظلالها عليه، حسب مقال ملبرينو الذي نشره بصحيفة لوفيغارو الفرنسية.

وتيرة ابن سلمان
واستطرد الكاتب موجات الاعتقالات التي شهدتها السعودية منذ سبتمبر/أيلول 2017 والتي لم ينج منها المفكرون الإسلاميون ولا الأمراء ولا رجال الأعمال ولا حتى الناشطون الليبراليون.

ونقل مالبرينو عن خبير فرنسي متخصص في القضايا السعودية قوله إن هدف ابن سلمان الديني هو استبعاد المذهب الوهابي واستبداله بـ"إسلام معتدل"، مشيرا إلى أن شغله الشاغل في هذا الصدد هو "استحداث طبقة جديدة من الزعماء الدينيين" على غرار رئيس رابطة العالم الإسلامي محمد بن عبد الكريم العيسى الذي أرسله لأوروبا "للترويج لمشروعه، حيث قابل مثقفين ومسؤولين بالجالية اليهودية".

أما هدفه، اقتصاديا وماليا، فهو تقليم أظافر من كان لهم حظ في العهد السابق، إنه "يريد أن يدمر شبكات الأعمال التي كانت موجودة في زمن الملك السابق عبد الله بن عبد العزيز وإحلال ذويه محل أفرادها، حتى وإن أدى ذلك إلى بث الرعب في أوساط المال والأعمال"، وفقا لمالبرينو.

وفي أوساط الليبراليين، أقدمت السلطات السعودية على اعتقال 17 شخصا، من بينهم ناشطات كن يكافحن لتحقيق مزيد من الحقوق للمرأة بما في ذلك السماح لها بالسياقة، ووجهت لهم تهمة الإخلال بأمن المملكة.

وتعليقا على هذه الإجراءات نقل الكاتب عن الباحثة الفرنسية فتيحة دازي هاني قولها إن ما تقوم به السلطات السعودية هو "إعطاء تعهدات لتهدئة المتدينين مع المحافظة على مسار التغيير لكن بوتيرة ابن سلمان لا بوتيرة المجتمع السعودي".

أما على المستوى الخارجي، فإن ابن سلمان مُهوّس بشيء واحد اسمه إيران، وفقا لمالبرينو، وهو يعتقد، حسب أحد الدبلوماسيين الغربيين، أنه انتصر عليها بفضل سياسات دونالد ترامب الجديدة اتجاهها، أما في اليمن فإنه يود الخروج من ذلك المستنقع دون أن يثير حفيظة حليفه الإماراتي ذي "الأطماع الإمبريالية" والذي يحاول اليوم طرد الحوثيين من ميناء الحديدة.

وبخصوص سوريا، فإن ابن سلمان تخلى عنها لصالح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإرضاء هذا الأخير وكسب وده في صراع بلاده مع إيران في السوق النفطي، حسب ما يرى الكاتب.

المصدر : لوفيغارو