مراكش.. بطاقة أمان تمنح الدفء والقوت للمشردين بالمدينة الحمراء

عبد الغني بلوط/أعضاء من جمعية رفقاء الخير يوزعون أطعمة وملابس على متشردين / المغرب/ مراكش/ وسط حي جيليز
عضو من جمعية رفقاء الخير يوزع أطعمة وملابس على متشردين وسط حي جيليز بمدينة مراكش (الجزيرة)

 عبد الغني بلوط-مراكش

يحاول الشاب يوسف أنزيض رئيس جمعية رفقاء الخير بمدينة مراكش -أو المدينة الحمراء كما يُطلق عليها- أن يطرد برد الليل بحركة خفيفة من يديه، لكن دفء تلك اللحظة يدب في أوصاله وهو يرى الحماس في أعين أصدقائه لأداء مهام الليلة.

تقترب عقارب الساعة من الـ 12 ليلا، تبدو حركة السير بطيئة جدا في الشارع المقابل، في وقت يكون الجميع منهمكا بوضع آخر اللمسات.

يقول يوسف "يعتمد عملنا على مساعدة المحتاجين ممن هم بدون مأوى بالمدينة، ننتظم في مجموعات من ستة أفراد، نطوف الشوارع ليلا كل أسبوع ونقدم الأكل واللباس والغطاء وبطاقة أمان".

‪أعضاء جمعية رفقاء الخير سعداء بمهمتهم‬ 
أعضاء جمعية رفقاء الخير سعداء بمهمتهم (الجزيرة)
‪أعضاء جمعية رفقاء الخير سعداء بمهمتهم‬
أعضاء جمعية رفقاء الخير سعداء بمهمتهم (الجزيرة)

فكرة وخدمات
وترتكز فكرة البطاقة -كما يقول يوسف- على تواصل أعضاء الجمعية مع أصحاب مطاعم وحمامات مغربية ومحلات حلاقة وعلاجات أولية، وإقناعهم من أجل توفير خدمات للمشردين.

ويستفيد حامل كل بطاقة مرقمة من الأكل يوميا، ومن الاستحمام والحلاقة والمساعدة الصحية كلما احتاج إلى ذلك.

وفي وقت متقدم من تتبع الحالات، يمكن لحاملي هذه البطاقة الانتفاع برصيد مالي يستطيع معه بدء حياة جديدة والاندماج في الدورة الاقتصادية.

وعن الصعوبات التي واجهها يوسف ورفاقه في البداية، يقول متحدثا إلى الجزيرة نت: صادفنا مشكل تمويل من أجل مساعدة المحتاجين في شوارع المدينة، كنا نعتمد على إمكانياتنا الذاتية، لكن لم تكن كافية.

‪أطعمة وملابس وأغطية وغيرها خدمات الجمعية‬ أطعمة وملابس وأغطية وغيرها خدمات الجمعية (الجزيرة)
‪أطعمة وملابس وأغطية وغيرها خدمات الجمعية‬ أطعمة وملابس وأغطية وغيرها خدمات الجمعية (الجزيرة)

مبادرة ومساعدات
لكن هذا الأمر لم يدم طويلا -بحسب يوسف- فبعد ظهور "البطاقة" على مواقع التواصل الاجتماعي، انضم مواطنون للمبادرة عبر توفير مساعدات عينية، بينما بادر آخرون بأداء مستحقات وجبات لدى محلات قريبة من مأوى المشردين "ومنهم من هو مستعد لأكثر من ذلك".

وحين تدخل مجموعة يوسف مطعما في حي جيليز، يكون حامل بطاقة مطمئنا ويأكل متأنيا مثل أي زبون عادي، ويقول رشيد رباج العامل بالمحل للجزيرة نت "يقصدنا مشردون كل يوم من أجل سد رمقهم، لكن مع البطاقة تشعر أن الحرج قد زال".

ويحكي الحلاق الشاب سفيان مهداوي عن شعوره بالسعادة حيين يقدّم خدماته لأحد المشردين ممن يقصدون محله، ويشير إلى أن فكرة البطاقة انتشرت بين أصدقائه، وهم مستعدون لدعمها.

أما العامل بأحد الحمامات الشعبية فيقول "يواظب حامل بطاقة على الاستحمام كل خميس، يرافقه فرد من الجمعية، في البداية بدت عليه علامات الحزن والكآبة، لكن حاله اليوم تحسن".

حالات مختلفة يصادفها المتطوعون
حالات مختلفة يصادفها المتطوعون

قناعة وابتسام
تبدو سماء المدينة الحمراء في ليلة من الليالي الباردة صافية متلألئة بنجوم وسط الليل. لا يزاحم صفاءها غير نقاء قلب رجل صادفته مجموعة يوسف قرب مسجد تركيا وسط حي جيليز.

حين اقترب منه أفراد المجموعة لتقديم الطعام قال "ابحثوا عن غيري، فإني غير جائع هذه الليلة". ولما رأى الدهشة والاستغراب في وجوههم تابع "القناعة كل شيء يا ولدي".

ويقول يوسف "كل أسبوع نصادف مثل هذه الحالات، نعود إليها ونتواصل معها، وتكون لهم أولوية في الاستفادة من البطاقة، لكن ذلك لا يمنع من تقديمها لآخرين".

وفي مشهد آخر، يُستقبَل متشرد آخر بركن قصي في حي الداوديات، مجموعة ثانية بابتسامة صغيرة وكتومة كأنه ينتزعها من قلبه انتزاعا حين يتلقى طعام الليلة من يد شابة يقابلها بامتنان زائد وهو يقول "خاطئ من يعتقد أن الخير زال من قلوب الناس".

ويضيف وهو يظهر بطاقة تعريفه الوطنية "هذه (يعني بطاقة أمان) فتقول لي إن في هذا الكون من يفكر فيك".

يقول يوسف أيضا "الحالات التي نصادفها متعددة، فمنها من يحتاج إلى توجيه للمستشفى من أجل العلاج نفسيا أو جسديا، وهناك حالات تعيش وضعا ماليا صعبا ويبدأ العمل معها من أجل إدماجها في المجتمع".

‪حديث مع متشرد قبل منحه بطاقة الأمان‬ حديث مع متشرد قبل منحه بطاقة الأمان (الجزيرة)
‪حديث مع متشرد قبل منحه بطاقة الأمان‬ حديث مع متشرد قبل منحه بطاقة الأمان (الجزيرة)

صدمة وتحرك
في الطرف الآخر من المدينة، تكون مجموعة ثالثة قد وصلت المحطة الطرقية بحي باب دكالة. بينما يلوح مشهد يدمي العين لمسنة دون غطاء اتخذت من الشارع مكان يأويها. صدمة جهاد إحدى المتطوعات لمساعدة المشردين كانت قوية حين اكتشفت أن تلك السيدة ليست سوى جارتها "للا خدوج".

تحكي جهاد للجزيرة نت أن منزل جارتها تعرض للهدم بفعل تقادمه بحي الحارة، حاول الجيران مساعدتها بكراء غرفة صغيرة، لكنها اختفت عن الأنظار، فهي تفضل أن تبيع الفلفل "وتبقى وحيدة على أن تمد يدها".

ويقول يوسف "نحن بصدد توجيه الزبائن لهذه المسنة لمساعدتها على توفير المال والعودة إلى غرفتها". البطاقة توفر لها سلعتها من محل تجاري تتعامل معه الجمعية.

وقد لاقت فكرة البطاقة رواجا، ووصل أمرها إلى مقاولين ومسؤولين بالمدينة -كما يبرز يوسف- إذ إن دمج مشردين هدفها الرئيس، والأمر يتطلب متابعة كل حالة على حدة.

أما عفيفة الحيمر وهي منتخبة بمجلس مقاطعة جيليز فتقول في حديث للجزيرة نت "نحتاج فعلا إلى أفكار مبدعة، أخذت على عاتقي أن أعرف بالمشروع لمجلس المدينة من أجل دعم وإنجاح هذه المبادرة".

وتضيف "توجد المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والفكرة جميلة تستحق أن تأخذ نصيبها فيها ولِم لا تعمم على باقي المدن؟".

بنهاية المهمة الليلة، وفي الساعة الثالثة والنصف صباحا حين تجتمع كل مجموعات المتطوعين في نقطة البداية، برودة الجو تزداد قليلا، لكن مشاعر الشابات والشباب وهم يحكون عن تجربتهم خلال طوافهم الليلي مازالت بنفس الدفء الذي انطلقت به، بل زادت أكثر.

المصدر : الجزيرة