بريطانيا والبريكست.. هل تعود عقارب الساعة للوراء؟

Pro and anti-Brexit demonstrators wave flags and placards outside the Houses of Parliament in London, Britain, December 10, 2018. REUTERS/Henry Nicholls
متظاهرون مؤيدون وآخرون معارضون للبريكست أمام البرلمان البريطاني بلندن (رويترز)

الجزيرة نت-لندن

دخل الطلاق السياسي بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي مرحلة أخرى من الغموض بعد أن أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي تأجيل التصويت في مجلس العموم على اتفاق الانسحاب من الاتحاد المعروف بـ"بريكست"، حيث تواجه ضغوطا كبيرة من حزبها وتوقعات شبة مؤكدة برفض المجلس خطتها لتختار في الأخير شراء مزيد من الوقت، وطلب ضمانات إضافية من الأوروبيين.
 

وقبيل هذا الاستحقاق التاريخي قضت محكمة العدل الأوروبية -التي تعد أعلى محكمة في الاتحاد الأوروبي صباح الاثنين- بأنه يمكن للحكومة البريطانية اتخاذ قرار من جانب واحد بالعدول عن الانسحاب من الاتحاد دون استشارة باقي الدول الأعضاء أو موافقتها.

وصدر الحكم بشكل طارئ قبل يوم واحد من الموعد المقرر لتصويت البرلمان البريطاني المقرر الثلاثاء، وقالت المحكمة إن "للمملكة المتحدة الحرية في العدول بشكل أحادي عن إخطار أبلغت فيه رسميا الاتحاد الأوروبي بنيتها الانسحاب منه".

ويرى مراقبون أن توقيت قرار المحكمة الأوروبية يوحي بأن الأوروبيين يريدون إعطاء سلم للبريطانيين للعدول عن قرارهم الخروج في ظل تصاعد الأصوات المطالبة بتنفيذ استفتاء ثانٍ وتجدد المظاهرات التي يقودها رافضو الخروج من النادي الأوروبي.

التيار المتشدد
وبالتزامن مع حالة التشتت والفوضى التي بدأت تخيم على الأجواء السياسية في المملكة المتحدة في ظل عدم وجود مشروع واضح للتيار المتشدد الراغب في الخروج من الاتحاد الأوروبي يعزز قرار المحكمة الأوروبية من آمال معارضي انسحاب بريطانيا في إجراء استفتاء جديد يمنع الخروج المقرر لبلادهم من التكتل في 29 مارس/آذار 2019.

والتقط محرر الشؤن السياسية في صحيفة "تايمز" أوليفر رايت قرار المحكمة، وقال إنه يعني أن لندن تمتلك في أي وقت حتى الساعة الـ11 مساء من 29 مارس/آذار 2019 إلغاء "البريكست" بأن تبعث رسالة رسمية إلى المفوضية الأوروبية تبلغها بقرارها إلغاء المادة 50.

لكن الصحفي البريطاني لا يعتقد أن تيريزا ماي قادرة على الذهاب لهذا الخيار، في حين يمكن أن يقدم على الخطوة برأيه زعيم آخر جديد للحزب يستطيع وقتها إلغاء البريكست مؤقتا لكسب مدة للتفاوض من جديد.

وعلق رايت على حكم المحكمة الأوروبية بالقول إنه "لن يغير اللعبة في الوقت الحالي، لكن الحكم يمتلك القدرة لأن يصبح بالغ الأهمية مع وصول العملية إلى نهايتها".

‪محللون يرون أن التصويت على البريكست بالرفض قد يعصف بالمستقبل السياسي لتيريزا ماي‬ (غيتي)
‪محللون يرون أن التصويت على البريكست بالرفض قد يعصف بالمستقبل السياسي لتيريزا ماي‬ (غيتي)

خيار العودة
وبشأن السيناريوهات المتوقعة، يقول الأكاديمي وأستاذ العلوم السياسية أحمد عجاج للجزيرة نت إنه إذا رفض الاتفاق بأغلبية مئة نائب فستخسر رئيسة الحكومة، وحينها تكون أمام خيارين إما أن تستقيل، أو أن يجبرها حزبها على الاستقالة، مشيرا إلى أن ماي ستستفيد من التأجيل من أجل العودة إلى هياكل الاتحاد الأوروبي للحصول على تنازلات جديدة.

ولا يستبعد عجاج طرح خيار العودة إلى الشعب لمعرفة رأيه، موضحا أنه إذا لم تتوصل رئيسة الوزراء إلى صفقة مع أوروبا بحلول الـ21 من الشهر المقبل فإن الأمر يخرج من يدها ويصبح البرلمان مسؤولا عن إدارة المفاوضات.

ويرى المتحدث أن الضغوط التي تواجهها رئيسة الوزراء كبيرة، وقد تجبر على الاستقالة، خاصة أن حزب العمال المعارض "يحاول منع الخروج من دون اتفاق، ويحاول حجب الثقة عن رئيسة الوزراء وليس حكومتها، وهذا يفتح الباب أمام رئيس جديد من المحافظين أو حكومة أقلية أو وحدة وطنية".

مجموعة البدلاء
ويمكن التدليل على حجم الأزمة السياسية والانقسامات في حكومة ماي بالصراع على القيادة داخل حزبها وسلسلة الاستقالات الأخيرة التي أعقبت إعلانها خطتها للخروج من الاتحاد الأوروبي، كما تلقت رئيسة الوزراء 48 رسالة من أعضاء حزبها بملاحظاتهم على خطتها قبيل يوم من التصويت.

وقبيل اتخاذ ماي قرارها نصحها كبار متقاعدي الحزب بتأجيل التصويت لأنها ستخسره بالضرورة، في حين يحاول وزير الخارجية البريطاني السابق بوريس جونسون أن يضع نفسه على رأس مجموعة البدلاء لماي فيما لو استقالت أو أقيلت، ووضع الرجل بالفعل خططا لمفاوضات أخرى مع بروكسل، كما رفض وزراء سابقون آخرون استبعاد أنفسهم من المنافسة.

ومع تعقد المشهد السياسي تعالت الأصوات للمطالبة باستفتاء ثانٍ على الخروج من الاتحاد الأوروبي أو البقاء فيه، وأظهر استطلاع أجراه مركز "يو جوف" الأسبوع الماضي أن 49% يعتقدون أن بريطانيا كانت مخطئة في التصويت للخروج من الاتحاد الأوروبي مقابل 38% قالوا إن الخروج كان الخيار الصحيح.

وتعكس هذه الفجوة الكبيرة البالغة 11 نقطة حجم التحول في الرأي العام البريطاني الذي بات قلقا ومتشككا في صواب الخروج من الاتحاد الأوروبي.

المصدر : الجزيرة