مقابر القدس تضيق بسكانها

القدس - مدخل مقبرة باب الرحمة ويظهر بالصورة أسماء لشهداء دفنوا بالمقبرة بالإضافة للصاحبيين شداد بن أوس وعبادة بن الصامت
مقبرة الرحمة تضم رفات قادة إسلاميين واثنين من صحابة النبي محمد عليه السلام (الجزيرة نت)
أسيل جندي-القدس

تحتضن مقابر القدس الإسلامية رفات كثير من المجاهدين والعلماء والأمراء، ممن ارتقوا دفاعا عنها من قبل الحروب الصليبية وبعدها في العهود الأيوبية والمملوكية والعثمانية.

كما يحتضن ترابها قبور عدد من الصحابة، أبرزهم الصحابيان عبادة بن الصامت وشداد بن أوس اللذان كانا من أوائل قضاتها وعينهما الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنهم.

ومنذ احتلال ما تبقى من مدينة القدس، تتعرض هذه مقابر لاعتداءات الاحتلال ومستوطنيه بهدف طمس هوية المكان والقضاء على التاريخ والهوية الإسلامية التي تنبض بهما أراضي المدينة وقبورها.

وتضم القدس خمس مقابر إسلامية هي: مقبرة مأمن الله ومقبرة المجاهدين ومقبرة باب الرحمة والمقبرة اليوسفية ومقبرة النبي داود، ويقتصر دفن سكان المدينة حاليا على مقابر: باب الرحمة والمجاهدين واليوسفية، وذلك بعد مصادرة أراضي مقبرتي مأمن الله والنبي داود والاستيلاء عليهما بشكل كامل.

خمور فوق الجماجم
وتعتبر مقبرة مأمن الله كبرى مقابر القدس، وتقع على بعد كيلومترين من باب الخليل إلى الغرب من البلدة القديمة، وتبلغ مساحتها نحو مئتي دونم، وكانت منذ الفتح الإسلامي وحتى عام 1948 المقبرة الرئيسية لدفن موتى المسلمين، لكن محاولات تهويدها بدأت مبكرا وأُزيل حتى الآن 97% من شواهد قبورها التي كانت بمثابة حلقة وصل بين الأحفاد والأجداد.

الاحتلال حوّل مقبرة مأمن الله إلى حديقة عامة ومتحف وطمس ملامحها الإسلامية (الجزيرة نت)
الاحتلال حوّل مقبرة مأمن الله إلى حديقة عامة ومتحف وطمس ملامحها الإسلامية (الجزيرة نت)

وحوّلت سلطات الاحتلال 70% من مساحة مقبرة مأمن الله إلى حديقة أُطلق عليها اسم "حديقة الاستقلال"، كما نُبشت القبور وأقيم على جزء من المقبرة فندق ضخم وموقف للسيارات وما يسمى "متحف التسامح"، إضافة إلى مدرسة وحمامات عامة، ويجري الاستعداد لإنشاء منتجع يحتوي على برك ضخمة للسباحة.

ويُقام على أنقاض المقبرة أيضا مهرجان سنوي للخمور تحييه فرق موسيقية عالمية، وذلك قرب الشواهد القليلة المتبقية لقبور المسلمين الصامدة حتى اليوم لكل من عائلة النشاشيبي ونسيبة والعلمي.

أما مقبرة النبي داود التي تقع على جبل صهيون، فتضم مجموعة من المدافن لعائلة الديجاني، لكنها لم تعد تُستخدم بعد منع سلطات الاحتلال المقدسيين من دفن موتاهم فيها.

وعلى يمين الداخل إلى المسجد الأقصى من باب الأسباط، تقع مقبرة اليوسفية التي عمّرها الأمير قانصوه اليحياوي عام 1467، وتم تدمير عشرين قبرا فيها عام 2014، وسُكب الإسمنت فوقها حتى لا تُستخدم مجددا.

وفي عام 2004 أصدر رئيس بلدية الاحتلال آنذاك أوري لوبوليانسكي أمرا إداريا بهدم عدد من القبور في اليوسفية، ومنع أعمال الصيانة فيها بتاتا.

ولم تسلم مقبرة باب الرحمة الواقعة عند سور المسجد الأقصى الشرقي من الاعتداءات أيضا، إذ منعت سلطات الاحتلال المقدسيين من دفن موتاهم في الجزء الجنوبي الشرقي منها المحاذي للمصلى المرواني، بحجة قرب المكان من حجارة الهيكل المزعوم، ودُفنت آخر الجثامين في تلك المنطقة عام 2006.

وتعود أحدث الاعتداءات على هذه المقبرة لأسبوعين، عندما اقتحم موظفو سلطة الآثار الإسرائيلية بحماية القوات الخاصة المقبرة، وقاموا بتثبيت الأسلاك الشائكة على أجزاء منها أُزيلت فيما بعد، كما نُبش عدد من القبور قبل نحو شهر شمال المقبرة.

ضيق القبور
وعلى بعد أمتار من باب الساهرة توجد مقبرة المجاهدين، وهي مقبرة تاريخية تقع عند سور المدينة من الشمال ودفُن فيها شهداء الفتح الصلاحي.

مساحات شاسعة من أراضي القدس مخصصة لمقابر اليهود على جبل الزيتون (الجزيرة نت)
مساحات شاسعة من أراضي القدس مخصصة لمقابر اليهود على جبل الزيتون (الجزيرة نت)

وبحسب رئيس لجنة رعاية المقابر الإسلامية في القدس مصطفى أبو زهرة، فإن مضايقات الاحتلال لا تقتصر على الأحياء بمنع البناء ومصادرة الأراضي، بل تصل إلى الأموات أيضا، حيث لا تتسع المقابر المتبقية حاليا لوفيات 370 ألف مقدسي، ووصل الحال بالمقدسيين إلى دفن الجثامين فوق بعضها إذا مرت ثماني سنوات على الدفن السابق.

وأضاف أبو زهرة -في حديثه للجزيرة نت- أن هناك مساعي لتخصيص أراض وقفية في محيط الأقصى لمقابر جديدة للمسلمين، مشيرا إلى أن المقابر اليهودية التي تحتل مساحات شاسعة على سفوح جبل الزيتون هي أراض وقفية، وتم حديثا بناء آلاف القبور الجديدة عليها لاستقبال موتى اليهود الجدد.

المصدر : الجزيرة