تحرير أسيرَين إسرائيليين.. بئس الإنجاز لجيش العار

تزامنًا مع ارتكابه المزيد من المجازر ضد المدنيين في غزة أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه استطاع تحرير أسيرين محتجزين في القطاع (غيتي)

أقامت حكومة الاحتلال الإسرائيلي، ومن ورائها الإعلام العبري الدنيا، ولم تقعدها؛ احتفاءً، وتهليلًا، وتهويلًا، وتمجيدًا، لعملية تحرير أسيرَين إسرائيليَين في منطقة رفح – الفلسطينية- بقطاع غزة.

وزراء "الكيان الصهيوني"، وجنرالاته، وصحافته، وإعلاميوه.. راحوا ينسجون قصصًا وحكايات، ويزعمون بطولات حول هذه العملية الليلية، الموصوفة بـ "المركّبة، والمعقّدة، والصعبة"، بمشاركة كل الأجهزة الأمنية: الاستخبارية، والشُرطية، والعسكرية.

فبركات مجمع الشفاء

العملية ترافق معها مجزرة جديدة للمدنيين الفلسطينيين، أسفرت عن سقوط مئة شهيد، وعشرات الجرحى.. فيما أعلنت "حركة حماس"، أنَّ الأسيرَين المُحررين لم يكونا في حوزة المقاومة.. بل كانا في قبضة مدنيين في بناية سكنية.

التفاصيل التي يروِّجها الإسرائيليون للعملية تبدو مفككة وتخلو من التماسك، والتوثيق.. على غرار "فبركات وأكاذيب" كثيرة جرى ترويجها بواسطة جيش الاحتلال، منذ بداية العدوان على غزة، الذي دخل شهره الخامس.

لعل أشهرها أكذوبة "مجمع الشفاء الطبي"، الذي قام "جيش الاحتلال" بقصفه (3/11/2023)، واقتحامه، وقتل وجرح النزلاء من أطفال خُدج ومرضى، بحجة أن مقر قيادة كتائب القسام يقع تحت هذا المجمع. ثم عمدَ جيش العار، عديم الشرف والأخلاق، إلى نشر "مقاطع فيديو" مُصطنعة ومُزيفة لإثبات مزاعمه، فلم تُقنع أحدًا حتى مؤيديه في الغرب، وتم حذف بعضها لاحقًا.

اجتياح رفح

لماذا هذا التضخيم والتعظيم الإسرائيلي لعملية تحرير أسيرين بعد 130 يومًا من الأسر، فشل خلالها الجيش في تحرير أي أسير بالقوة؟.. ما علاقة هذه العملية بالمفاوضات الجارية لصفقة تبادل الأسرى التي ترعاها الولايات المتحدة، وتقوم عليها مصر وقطر؟.. وهل لها علاقة بما أعلنه الكيان الصهيوني عن عزمه اجتياح مدينة رفح الفلسطينية على الحدود المصرية؟

"جيش الاحتلال"، وأجهزته الأمنية، فشلوا طوال أكثر من أربعة أشهر في تحرير أسراهم لدى المقاومة الفلسطينية في غزة.. وقد سبق له التسبب في قتل أسير لدى كتائب القسام، أثناء محاولة فاشلة لتحريره (9/12/2023)، قُتِل فيها جنديان إسرائيليان، وأطلق جنوده النار على ثلاثة أسرى طلقاء استنجدوا بهم بالعبرية.

ولم يتم إطلاق أسرى لدى المقاومة، إلا خلال صفقة التبادل التي جرت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تزامنًا مع هدنة (24/11 – 1/12/2023). كما أن "الكيان الصهيوني"، لم ينجح في حروبه السابقة مع المقاومة، سواء الفلسطينية، أو اللبنانية في تحرير أسراه أو المُختطفين من جنوده إلا من خلال صفقات، وعبر وسطاء.

تحفظات حماس

المشكلة، تكمن في الهزيمة الكبرى التي ألحقها "طوفان الأقصى"، بالكيان، وعدم واقعية "أهداف الحرب" التي أعلنها رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، ويرددها يوميًا- بلا ملل- عن السحق التام لـ "حركة حماس" وتفكيك قدراتها العسكرية، وتحرير الأسرى لديها، أو "المحتجزين"، كما يحلو للكيان توصيفهم.

من هنا، فإن موافقة الاحتلال على الصفقة الجاري التفاوض بشأنها – وفق ما يُعرف بـ "إطار باريس"، والذي ردت عليه حماس بتحفظات تُفضي إلى وقف إطلاق للنار، لنحو خمسة أشهر- يعني ذلك عمليًا، أن إسرائيل لم تنتصر، وأنها أخفقت في تحقيق أهدافها من الحرب.

يهدف "نتنياهو"، وبدعم أميركي، أوروبي إلى الضغط على حماس، تليينًا لموقفها التفاوضي، للقبول بشروطه هو.. بما لا يتيح لها فرض شروطها.. لذا، فهو يلوح ويهدد باجتياح رفح التي نزح إليها من شمال غزة، نحو مليون و400 ألف فلسطيني (يسكنون الخيام).

شروط الصفقة

اجتياح رفح- إن حدث- سيكون بمثابة كارثة إنسانية جديدة، غير مسبوقة.. فإن تراجعت حماس وقبلت بشروطه (منها خروج قادة حماس من القطاع)، وتنازلت عن تحفظاتها وشروطها، يكون نتنياهو، قد حقق نصرًا يسعى إليه، لا سيما، أنه وجنرالاته يزعمون أن صفقة التبادل السابقة في نوفمبر الماضي/ تشرين الثاني، كانت نتاجًا للضغط العسكري.

هذا رغم عدم تحقيق الجيش الإسرائيلي، أيَّ إنجاز عسكري ذي قيمة، في كل مناطق شمال القطاع التي توغل فيها بريًا على مدار أربعة أشهر، بل تراجع في كل مرة تحت ضربات وكمائن المقاومة المؤلمة، والخسائر الفادحة التي مُني بها جُنودًا، وضُباطًا، وعتادًا.

اجتياح رفح قد يُقدِم عليه "جيش الصهاينة"، لصرف الأنظار عن إخفاقاته في مناطق الشمال، وتسليطها على رفح لعله يحقق إنجازًا يتباهى به.

أما قتل "المدنيين"، فهو أمر لا يقلق هذا الكيان الغاصب، فهو لا ينكر اعتباره لهم وحوشًا آدمية يجب قتلها، وأنهم – أطفالًا كانوا أم نساء وشيوخًا- من ذوي حماس، يتوجب قتلهم أيضًا. كما أنه لا يخشى ما يسمى بـ "المجتمع الدولي"، ما دام هذا الأخير تحت الهيمنة الأميركية.

"تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن"، وغيره من ساسة إدارته، والغرب، عن حماية المدنيين، هي مجرد كلام، يُباع للعالم والعرب، للتخفيف من فجاجة صورته العنصرية المتغطرسة، وليس أكثر من هذا.. وهي تتناقض تمامًا مع الدعم العسكري والمادي والمعنوي الغربي للاحتلال وعدوانه على غزة.

تضخيم وتوظيف

عودة لعلاقة عملية "تحرير الأسيرين الإسرائيليين"، بعزم إسرائيل، على اجتياح رفح.. فهذه العملية يجري التهويل والتضخيم لها، لتوظيفها، في التسويق لعملية الاجتياح على أنها حتمية لتصفية حماس وتحرير الأسرى لدى المقاومة، وتحسين شروط التفاوض.

إن فشلت دولة الاحتلال في اجتياح رفح، ستضطر في نهاية المطاف إلى القبول بصفقة التبادل مع حماس. يا لها من خيبة للاحتلال!، إذ إن تحرير "أسيرين" فقط، بعد 130 يومًا من القتال، هو إنجاز بائس.. هذا يعني حاجة "إسرائيل" لسنوات طويلة من الحرب، لتحرير أسراها بالقوة لدى فصائل المقاومة (135 أسيرًا).. خاصة، أن جيشها قتل عددًا كبيرًا من الأسرى جراء القصف الوحشي لمناطق غزة.

نسأل الله النصر للمقاومة، والرحمة للشهداء، والشفاء للجرحى الفلسطينيين.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.