أفريقيا على صفيح ساخن

صوماليون يحتجون على توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم للوصول البحري مع أرض الصومال، التي أعلنت استقلالها من جانب واحد عن البلاد ( الأناضول)

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد صورة طبق الأصل لرجل عازم بقوَّة على تعزيز قبضته الحديدية، وبناء إمبراطورية تهيمن على المنطقة برمّتها، وانتزاع تاج الزعامة الأفريقية بالقوة، فهو الآن، وبعد أن شنّ حربًا ضارية ضد التيغراي، ونكّل بالمعارضين السياسيين، وتحايل على قيام الانتخابات في العام 2020، وتخلّص من أبرز منافسيه، بات أخيرًا يفكر بشكلٍ جاد في ابتلاع دول الجوار.

إثيوبيا تهدد السلم الأفريقي

خلال الفترة السابقة بدأت إثيوبيا تُهدد الأمن والسلم الأفريقي، دون أن تخشى تبعات ذلك، فهي تدعم تمرد مليشيا الدعم السريع، وتستضيف المعارضة السودانية المسلحة، وتسعى للانقضاض مرة أخرى، على منطقة الفشقة، التي استعادها الجيش السوداني، في وقتٍ أيضًا أصر فيه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على استكمال كافة مراحل بناء سد النهضة، وقام بملء وتشغيل السد، بصورة أحادية، وضرب بمواقف واعتراضات دولتي المعبر والمصب عُرض الحائط، وشكل تهديدًا مباشرًا لمصالح مصر والسودان، وحقوقهما التاريخية في نهر النيل، وكانت تلك خطوة عدائية، لم يَقدِم عليها أي حاكم إثيوبي من قبلُ.

لم يكتفِ آبي أحمد بهذه الجبهات المفتوحة، وإنما أعلنت حكومته قبل أيام أن استقلال واستفتاء إريتريا، الذي تحررت بموجبهما من تبعية أديس أبابا، كان ذلك خطأ تاريخيًا وقانونيًا، وهذا يعني بالضرورة عدم الاعتراف الإثيوبي بسيادة إريتريا، وعودة الحرب بين الدولتَين.

القتال لأجل الموانئ

ولعل دافع تلك التصريحات أن إثيوبيا تبحث عن منافذ بحرية، بأي ثمن، على اعتبار أنها دولة مغلقة، وفي سبيل ذلك يمكن أن تقوم بغزو دول الجوار، أو تعزيز الانقسامات فيها، لتضعفها وتنقضّ عليها.

وهو ما أقدمت عليه بالفعل عندما أبرمت مذكرة تفاهم وتعاون مع إدارة ‎أرض الصومال – الأقاليم الشمالية من الصومال – وبموجب هذا الاتفاق سوف تحصل إثيوبيا على قاعدة بحرية في الصومال، مقابل أن ينال الإقليم أسهمًا في الخطوط الجوية الإثيوبية، كما ستعترف إثيوبيا بأن إقليم أرض الصومال الانفصالي دولة مستقلة.

وهو الاتفاق الذي رفضته مصر والسودان، باعتباره تعديًا سافرًا على سيادة الصومال، التي هي بالأساس تحمل عضوية الجامعة العربية، وكان ينبغي أن تكون للدول العربية مواقف موحدة وصارمة تجاه هذا الاعتداء، الذي يعني تعزيز الانقسامات والهيمنة على هذه المنطقة بالقوة، وكبح مطامع آبي أحمد في موارد دول الجوار.

فهو بعد أن اعترته مشاعر العظمة، يريد أن يقاتل في كل الجبهات، على طريقة الإمبراطور هيلاسلاسي، وتعزيز القبضة المركزية بالنهج الدموي الذي سلكه من قبل سلفه منليك الثاني.

بين حميدتي وآبي أحمد

رغم أن أطوار تشكُّل شخصية آبي أحمد تختلف عن الطريقة التي ظهر بها حميدتي، فإن وجود رافعة خفية تعمل على تمكينهما من السُلطة، والتنسيق بينهما في مواقف كثيرة، لا تخفى على أحد، وتلك الرافعة تحركها مصالح في السودان وإثيوبيا معًا، وتعني أن المقاول واحد.

وقد بدأ الغرب التعامل مع حميدتي من خلال استخدام قواته في مكافحة الهجرة غير الشرعية، قبل نحو عشر سنوات، وفي سبيل ذلك تم التغاضي عن الانتهاكات التي تقوم بها الدعم السريع في دارفور والخرطوم وولاية الجزيرة، بل يتم دعمه حاليًا بالسلاح والمعلومات الاستخباراتية، وحمايته من الملاحقات القانونية.

كما تم إجبار الدول الأفريقية التي زارها مؤخرًا على استقباله كأنه رئيس دولة، وتصويره كمنقذ للديمقراطية والثورة السودانية، بينما هو ألد أعداء الثورة والحكم المدني، فضلًا على ذلك فإن خطورة قوات الدعم السريع تكمن في أنها شتات من دول مختلفة، تم تجميعها من تشاد ومالي وليبيا وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى.

وقد اتهم السودانُ تشاد بأنها فتحت مطاراتها لجلب الأسلحة للمتمردين عبر الحدود الغربية، ووصل الأمر إلى قطيعة دبلوماسية، ما يعني اتساع دائرة العنف، ووجود قوى خفية تريد أن تشعل منطقة غرب أفريقيا والساحل، لتسيطر بعد ذلك على أكبر مخزون من الذهب واليورانيوم.

بالتزامن مع تلك الشرارة بات واضحًا أن إثيوبيا عينها على بترول جنوب السودان، وعلى أراضي الفشقة الخصبة، وموانئ إريتريا والساحل الصومالي، وتستخدم مشروع سد النهضة لخلق فزاعة خارجية لقمع الأصوات الداخلية المناوئة لهذا التوجه، وتهديد مصالح دول عربية، مثل تلويح آبي أحمد من داخل البرلمان بحشد مليون إثيوبي لمواجهة خيار الحرب مع مصر والسودان.

مناورات الصيف الأفريقي

في يوليو/ تموز 2018، وقّع آبي أحمد والرئيس الإريتري أسياس أفورقي على إعلان أسمرا للسلام والصداقة، وركّز الإعلان على الجانب الأمني، وترسيم الحدود، وفتح مجالات التعاون الاقتصادية، لكن رئيس الوزراء الإثيوبي نكص على عقبيه، وبات اليوم يلوح بالعودة للحرب، ولا يعترف بدولة اسمها إريتريا، وهي معركة مصيرية سيخوضها أفورقي أيضًا بثارات قديمة، وسيجد السودان إلى جانبه، مع الاستعانة بالدب الروسي.

فقبل أيام وصلت سفينة روسية تحمل 25 ألف طُن من الحبوب إلى ميناء مصوع الإريتري، كهدية من بوتين، في المقابل ستقف أميركا إلى جانب إثيوبيا، وتركيا ومصر والسودان إلى جانب الصومال وإريتريا، ولن تستطيع منظمة الإيغاد ولا الاتحاد الأفريقي المتهالك إطفاء الحريق؟

وهذا يعني أن مواجهة بين كبرى الدول ربما تدور هذه المرة فوق الهضبة الأفريقية، وأن المنطقة مُوعَدة بفوضى شاملة، تضمن للغرب فرصًا أكبر للتدخل ونهب الموارد الأفريقية، وفرض أنظمة دكتاتورية موالية له.

أين الإرادة الأفريقية؟

إثيوبيا دولة مأزومة اقتصاديًا، وتعاني من صراعات إثنية، وطموحات القادة المحليين، ولن يستطيع آبي أحمد أن يخوض تلك الحروب المتعددة وحده، وسيقع في الورطة نفسها التي وقع فيها سلفه ميليس زيناوي، عندما دخل في مواجهة مع السودان من جهة، وإريتريا من جهة أخرى، وتوغل بريًا داخل الأراضي الصومالية؛ بهدف السيطرة على الموانئ، فرجع مهزومًا.

وهذا يعني أن آبي أحمد، المفتون بالهيمنة الأميركية، لم يتعلم من التاريخ، وسينتهي به الحال إلى تجرّع الهزائم، ودفع أثمان غالية؛ نتيجة لهذه الحماقات.

لا شك أن المنطقة الأفريقية على صفيح ساخن، وتشهد تحولات عميقة، وخارطة تحالفات عسكرية وسياسية جديدة، وستكون إثيوبيا محور هذا الصراع، الذي هو فرصة مواتية لمصر للتدخل بقوّة، وحماية مصالحها، وسيكون ساحل البحر الأحمر والهضبة منطقة ملتهبة.

كما لا يمكن تجاهل النفوذ الإسرائيلي، الذي سعى لفرض وصناعة دكتاتوريات عسكرية لحماية مصالحه، وإغرائها بالمال والسلطة المُطلقة، حميدتي في السودان، وحفتر في ليبيا، وآبي أحمد في إثيوبيا.

ولكنْ ثمة سؤال: أين الإرادة الشعبية الأفريقية، ولماذا لا تتصدّى لهذه المخططات التدميرية؟

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.