لماذا فشل العرب ونجح الأتراك في معركة الديمقراطية والتحديث؟

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعدد من المسؤولين (رويترز)

انطوت نتائج الانتخابات التركية وما أسفرت عنه، من انتقال سلس إلى مرحلة ما بعد الانتخابات من حديث عن إستراتيجيات تهم المستقبل السياسي والاقتصادي، لاحتواء الاستقطاب السياسي الحاد والأزمة الاقتصادية المتراكمة، وإبراز موقع تركيا وأهليتها في استمرار القيام بدور الوساطة الناجعة بين عدد من القوى الدولية في مشهد الأزمات المتراكمة، ومن ثم تفاوضها على عدد من المصالح بين قوى الغرب والشرق؛ كل ذلك انطوى على تأكيد عدد من الأسئلة والمفارقات حول الأسباب التي جعلت العرب على هامش التاريخ، بينما تستعيد تركيا وقوى إقليمية أخرى موقعها التدريجي.

فهل شكلت الديمقراطية مدخلا لنجاح التجربة التركية في الاستعادة المتدرجة لأدوارها الفاعلة ووزنها الإقليمي والدولي، بينما مثل إخفاق العرب في التحديث السياسي والانخراط في روح العصر السياسية والمؤسساتية عامل فشل وخروجا من الفعل أو من التأثير في التاريخ؟

تركيا.. من التحديث إلى إرساء أسس الديمقراطية

بين العرب والأتراك علاقات يتداخل فيها الدين والتاريخ والجغرافيا، بل كان المصير في الأزمنة السابقة قبل الدولة القُطرية مشتركا، وما يزال في واقع الأمر كذلك بحكم الخصائص والقسمات المشتركة، مما يجعل من نجاح تجربة تحديث معينة نجاحا لكل مكونات الشرق وداعما لها للانبعاث، وفي الآن نفسه يشكل الفشل أو الإخفاق لإحداها عنصر إضعاف للمجموع، وهذه الرؤية ليست من زاوية البعد السياسي الضيق، وإنما من خلال التاريخ والبعد الحضاري العام، مما يجعلنا نقرر ابتداء أن نجاح مخرجات الربيع العربي سابقا كانت ستجعل وجه المنطقة مختلفا في طبيعة التشابك على مستوى العلاقات والمصالح الإستراتيجية المشتركة، لكن إخفاق الديمقراطية عربيا جعل مصائر المنطقة وعلائقها غير مرتبطة بإرادتها العامة وتطلعات المجتمعات العربية.

يتجلى ذلك في الانقسامات الحادة التي شهدها العقد الماضي، وفي قلب ذلك كانت حالة "الفوبيا" من الديمقراطية وإرادة الشعوب، وسيظل الوضع على ما هو عليه، لكنه يظهر بغطاءات أيديولوجية أحيانا أو انقسام متعدد تحت لافتة الهويات الفرعية، وهذا ليس جديدا في مسرح التاريخ في العلاقة بين شعوب ودول ومكونات المنطقة العربية، أو بين العالمين العربي والإسلامي.

لقد كان ذلك خلال القرن 19 من خلال دق إسفين الانقسام بين مكونات الشرق برمته، وفصل المركز عن الأطراف، وإحداث جغرافيا سياسية جديدة للمنطقة، ومنذ ذلك الحين وعالم الشرق برمته يخوض معاركه المتعددة والمتشابكة، التي يتداخل فيها التحديث بالتحرير والاستقلال إلى بناء الدولة الوطنية، نعم، إنها معركة بأفق واحد لكن العالم العربي والإسلامي خاضها في مراحل لاحقة بإرادات منقسمة.

شهدت تركيا في عهد الدولة العثمانية محاولات تحديث كثيرة، في سياق الوعي بالتقدم الغربي آنذاك، وقد كان جوهر التحديث شاملا لجملة من المجالات، العلمية والسياسية والقانونية والعسكرية، وقد كان البرلمان الذي أقر في سبعينيات القرن 19 محاولة للانتقال ببنية السلطة والسلطنة من الوضع التقليدي إلى بعض معالم التحديث، لكن النزوع الإمبريالي آنذاك الذي امتدت أعينه إلى العالم الثالث، وإلى جغرافيا العالم الإسلامي، خاصة جغرافيا الدولة العثمانية والعالم العربي، والاضطرابات التي عرفها عدد من الأقطار التابعة للدولة العثمانية، بالإضافة إلى الاضطرابات الداخلية؛ كل ذلك جعل من التحديث عملية بطيئة، بل وعطلها في المراحل الأخيرة من القرن 19 وبداية القرن العشرين، لكنه بعد ذلك وعلى الرغم من انتهاء الدولة العثمانية وإعلان ميلاد تركيا الحديثة في حدودها القطرية الحالية، فقد كان التحديث آخذا مجراه في بنى وأنساق المؤسسات السياسية والعسكرية وداخل المجتمع.

إن عملية التحديث  ليست طارئة في تركيا كما هي في عدد من الأقطار العربية، وإنما يعود إلى أزمنة سابقة، حيث كانت تركيا الحالية مركز الدولة العثمانية؛ وهو ما جعلها تحظى بعملية تحديث مقارنة بأطراف الدولة، وهذا جانب فيه نقد كثير للدولة العثمانية يتعلق بإهمال المنطقة العربية وعدم منحها التمثيلية التي تستحقها في البرلمان الأول الذي لم يستمر.

كما أن للأتراك نقدا بخصوص العلاقات التي كانت قائمة بين عدد من المناطق العربية والقوى الاستعمارية بهدف إضعاف مركز الدولة، لكن ما ينبغي التأكيد عليه أن ميلاد تركيا الحديثة عقب انتهاء الدولة العثمانية لم يكن مصاحبا له ميلاد نظام ديمقراطي، مما يعني أن طبيعة السلطة القائمة على أسس دستورية حديثة تحترم فيها الإرادة العامة قد بقيت مغيبة وقضية إشكالية في تركيا، وهو ما تجلى في تجارب متعددة ومن إرادات متنوعة من عدنان مندريس إلى حدود اللحظة الراهنة، التي تعد بحق ميلادا راسخا للنظام الديمقراطي.

كما أن تركيا في بعدها الهوياتي ونسيجها الحضاري والثقافي أعلنت قطيعة مع ماضيها، على مستوى اللسان والثقافة والنظم القانونية والتشريعية وموقع الدين من قضايا السلطة والمجتمع، تم ذلك في واقع الأمر بأدوات السلطة القهرية، وهو ما دفع بنا إلى القول في مقالة سابقة إن التحول الذي حدث في تركيا خلال العقدين الماضيين هو تحول منظومي يهم جملة من المجالات، لكنه تحول هادئ يبرز في اللحظة الراهنة كانتقال سياسي صرف من وضع غير ديمقراطي إلى ديمقراطية تنتعش معها أسئلة التنمية والحرية والاستقلال.

هل كان في إمكان تركيا أن تعرف هذا التحول وتصبح فاعلا إقليميا ودوليا في ظل غياب مشروع سياسي يتبنى "دمقرطة" الدولة واتخاذها مدخلا ومستندا في إحداث التغيير داخل بنية الدولة وعلى مستوى المجتمع في ما له علاقة بالتنمية بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية؟

يمكن القول بكثير من الاطمئنان إنه في ظل غياب مشروع سياسي ومجتمعي وإستراتيجية تنتهجها القوى السياسية بزعامة حزب العدالة والتنمية ورئيسه رجب طيب أردوغان، فإن تركيا كانت ستظل في وضع الأداة في المنطقة للقوى الكبرى الحليفة لها. وفي المقابل، فإن الصراع الهادئ والممتد على الزمن من أجل "دمقرطة" الدولة هو الذي جعل تركيا قوة رئيسية في المنطقة، وجعل الرئيس التركي يعلن أن القرن الحالي هو قرن تركيا بامتياز.

يمكن القول إن الديمقراطية والوعي بطبيعة الصراع مع القوى الخارجية والداخلية، والاشتغال على سؤال التنمية المجتمعية بموازاة العمل المتدرج على انتزاع بذور السلطوية وملء الفراغات التي تسمح للجيش والقوى الأخرى بالانقلاب على مسار "الدمقرطة" هو الذي مكّن تركيا من استئناف النهوض.

ذلك أن النظر من زاوية بعيدة مع استحضار التاريخ والصراع الحادث على جغرافيا ملتهبة، يخلص بنا إلى اعتبار تركيا ولجت باب النهضة التي أجهضت عدة مرات؛ فالصراع السياسي هو واجهة لأنماط أخرى من الصراعات خفية وظاهرة، لكن مؤداه حتما كان هو العبور إلى بر الأمان من أجل استكمال معالم التقدم والنهضة الشاملة، وهو ما يغيب عن العالم العربي. ساعد في هذا الانتقال الذي لم يكن يسير على أرضية سياسية متقلبة وبلد تحكمه عدة تحديات بحكم تاريخه وموقعه الإستراتيجي بين الشرق والغرب، عدة عناصر غابت عن القوى السياسية في العالم العربي، والتي كان يؤمل منها أن تحقق النقلة النوعية نفسها:

  • أولا: الوعي بطبيعة الصراع مع بنية الدولة العميقة ومع الفيتو الذي تمتلكه القوى الكبرى التي ظلت لها اليد العليا في البلد، ومن ثم الاشتغال من خلال ما يتيحه التغيير الهادئ من داخل النسق القائم.
  • ثانيا: الانشغال بسؤال التنمية الاجتماعية والاقتصادية ابتداء ثم الديمقراطية لاحقا، مع تجاوز الانكفاء في معارك ذات طابع هوياتي وثقافي، يتعلق بهوية الدولة والمجتمع، وهذه بلية أصيبت بها النخب والقوى السياسية الرئيسية في المجتمعات العربية. وهذا لا يعني غياب الانشغال بالجوانب الهوياتية والثقافية، وإنما بوسائط الثقافة والإعلام بوصفهما قوة ناعمة، وليس باعتماد الحشد والصراعات الأيديولوجية التي تقسم المجتمع.
  • ثالثا: الاستثمار في الموقع الإستراتيجي لتركيا والوعي بالتاريخ والمستقبل، وهذا أتاح لتركيا التحول من دولة تنهج إستراتيجية "صفر مشاكل" مع دول الجوار إلى فاعل رئيسي في الصراعات الإقليمية والدولية من أجل تأمين مصالحها. ولعل صراع روسيا والغرب الآن، واضطلاع تركيا فيه بدور الوسيط، وكذلك التفاوض مع تركيا بوصفها عضوا في الناتو من أجل السماح بانضمام دول جديدة؛ يجلي أهمية هذا الدور وأبعاده.

إن استحضار معالم التجربة التركية وطبيعة الديناميات التي عرفتها، هو بهدف إطلالة على العالم العربي للنظر في ما ينقصه ويمكن أن يسترشد به، لا سيما أن هناك خصائص وقسمات مشتركة، ومن ثم مصير مشترك، لأن نجاح أي تجربة نهضوية عربية أو إسلامية -كما أشرنا سلفا- هي تخدم انبعاث الوعي بالنهضة والتقدم في كل العالم العربي والإسلامي، لكن الوقوف على ذلك لا يمنع من الإشارة إلى بعض السلبيات التي قد تحول دون استكمال مشروع النهوض الذي كانت الديمقراطية مدخله الرئيسي، ويمكن القول بإيجاز إن الانقسام الذي حدث في الانتخابات الأخيرة ينبه إلى ضرورة ترسيخ الديمقراطية المقترنة بالتنمية ابتداء. والتنمية هنا الخروج من نفق الأزمة الاقتصادية، غير أن الأهم هو الانشغال بالجوانب الثقافية والتربوية، كي تكون النهضة مستقبلا نهضة دولة ومجتمع، والثقافة والتربية هنا نقصد بها هواجس الشباب الذين لم يعيشوا تحديات الوضع السلطوي وسوء الوضع الاقتصادي من قبل، ومدخل هذا الجانب قد يكون للسياسة دور فيه، لكن مدخله الرئيسي هو وسائط الثقافة والتربية والتعليم، وهذا يقتضي إعادة كتابة التاريخ أولا، ثم وضع أسس لتجاوز الصدام في ثنائيات الهوية والقيم، بهذا النمط سيكون المشروع المصرح به مكتملا كنهضة محققة ومصانة في الآن ذاته مستقبلا.

فشل تجارب التحديث العربية

الحديث عن التحديث هو غير الحديث عن الديمقراطية، ذلك أن التحديث قد يتم في ظل غياب الديمقراطية، أي في ظل نظام سلطوي، وهو ما سمي في الفلسفة السياسية "المستبد المستنير"، أو الحكم المطلق المستنير منذ العقد الاجتماعي وبعض فلاسفة التنوير في سياق التفكير أوروبيا في إشكالية الدولة وتجاوز وضعية الاحتراب من خلال تقنين الصراع السياسي والمجتمعي.

أما في المجال التداولي العربي فقد طرح المفهوم نفسه بصيغة "المستبد العادل" مع الفكر النهضوي، وقد كان محمد عبده أساسا من أشار إلى المفهوم في سياق جدل التحديث السياسي والاجتماعي، والتفكير في التقدم، وعبّر محمد عبده عن ذلك بقوله "إنما يقوم بالشرق مستبد عادل.. مستبد يكره المتناكرين على التعارف، ويلجئ الأهل إلى التراحم، ويغري الجيران بالتناصف، ويحمل الناس على رأيه في منافعهم بالرهبة، إن لم يحملوا أنفسهم على ما فيه سعادتهم بالرغبة. عادل لا يخطو خطوة إلا ونظرته الأولى شعبه الذي يحكمه…"، إلى غير ذلك مما أورده محمد عبده ويستحق الدراسة والنقد في مقالة منفصلة.

لكن يهمنا هنا أن العرب نخبا فكرية وسياسية قد انشغلوا بسؤال التحديث، كما انشغلوا بالفكرة الدستورية وإصلاح النظام السياسي، والانتقال به من حكم الفرد مطلق الصلاحيات الذي يحكم الناس بالأهواء وبإرادته التي لا تعلو عليها إرادة أو رغبة أو سلطة مضادة، إلى الحكم المقيد بالقانون والدستور والحاكم الخاضع لسلطة الإرادة العامة.

لكن على الرغم من ذلك يمكن القول إن الفكرة الدستورية وإرساء دعائم النظام الديمقراطي ظل طموحا ومشروعا مؤجلا في كل بلاد العرب، على الرغم من أن بعضها قد عاشت تجارب تحديث، بل إن مصر التي تعد في موضع القلب من الجسد العربي تعد من أولى تجارب التحديث عربيا مع محمد علي، على مستوى النظم والمؤسسات والأفكار وفي مجالات العلوم والآداب والفنون، إذ كانت مجايلة للتجربة اليابانية، لكن تجربة التحديث المصرية أجهضت بينما استمر النموذج الياباني الذي تتصالح فيه الهوية والقيم المجتمعية والحضارية اليابانية مع الحداثة في تجلياتها السياسية والاقتصادية والتقنية (يمكن العودة بتفصيل إلى عدد من الدراسات، منها كتاب مسعود ظاهر: النهضة العربية والنهضة اليابانية، تشابه المقدمات واختلاف النتائج).

لم تعرف كل البلاد العربية تجارب تحديث مبكرة، لكن الحالة المصرية عرفت انتقالات كبرى في حينه مع محمد علي، وهي مهمة لأن أكبر تحول كان وما يزال، يمكن أن يجري عربيا، إنما تعد مصر فيه حجر الرحى، لأسباب جيوسياسية وديموغرافية وغير ذلك، لكن الإخفاق كان بسبب عدم استقرار النسق السياسي، وهو ما يفند فكرة المستبد أو الحاكم المستنير، أو التنمية من ديمقراطية، لأن مشاريع التحديث تلك، غير مصانة بنسق سياسي وبإرادة مجتمعية.

كما أن غياب الإرادة العامة أو عدم استقرار النظام السياسي على قيم راسخة وليس على إرادات الأفراد، يجعل كل التجارب في مهب عواصف التدخلات الخارجية كالقروض والانقسام الداخلي، كما أن روح التقدم بحاجة لأن تكون بطابع نسقي يضمن له الاستمرارية والدوام، ويحميه من الوقوع ضحية التكالب أو عدم الوعي. بل والانتقال من هواجس التقدم الكبرى إلى الانشغال بالأسئلة الأيديولوجية حول الخيارات الثقافية والقيمية للمجتمع، وهو ما جرى بمصر في مراحل لاحقة عن محمد علي، ولم يقع في اليابان فيما مضى، ولم يحدث الآن في تركيا.

يصعب الفصل في مقال إجهاض التحديث عربيا، كما يصعب التوقف مع كل حالة بشكل منفصل، لكن العالم العربي يعاني من المشكلة نفسها، بحيث دخلت معظم الدول العربية في تجارب تحديث مختلفة، وعاشت صراع إرادات من أجل الديمقراطية، منذ مشاريع التحرر الوطني أو دولة ما بعد الاستقلال وما صاحبها من هواجس الدولة الوطنية، إلى زمن الربيع العربي، حيث أعلن رسميا فشل الدولة الوطنية، ومعها فشل الأنظمة السلطوية في التحديث، ذلك أن التحديث من دون ديمقراطية ومن دون روح سياسية وبعد إستراتيجي يحمل إشكالية النهوض التي تنظر إلى قيم العصر السياسية كأسس ومرتكزات موجهة للدولة والمجتمع، وعاملا من عوامل تحمل القدرة على تحرير إرادات الأفراد والمجتمع لتكون عنصرا مقدسا وفاعلا في مرحلة البناء تلك، حينما يغيب ذلك فإن الفشل والانهيار قدر محتوم، وهو ما يتم الآن في أغلب الدول العربية. لكن كيف يمكن الاستفادة من الدرس التركي؟

ختاما: إن النخبة والنظم السياسية العربية، تعيش على وقع "الفوبيا" من الديمقراطية، ومن ثم فإن الدرس التركي هو أمل للمستقبل ينبغي أن تحمله التيارات الأساسية في المجتمعات العربية التي تتوفر لها كل إمكانات استئناف النهوض، وهو استئناف متدرج ممتد في الزمن يستثمر في كل القدرات والإمكانات التي تتيحها الديموغرافيا والجغرافيا والثروة العائمة تحت الأرض والموقع الإستراتيجي، والخصائص والقسمات المشتركة بين شعوب المنطقة، لكن ذلك يحتاج إلى وعي إستراتيجي بطبيعة الصراع وقواه الفاعلة على مستوى الأنساق السياسية والمجتمع، بالإضافة إلى العامل الخارجي.

لكن وضعية الأزمة الراهنة حيث أدت "الفوبيا" من الديمقراطية إلى محاولة اجتثاث القوى السياسية والمدنية الرئيسية في المجتمعات العربية، تقتضي إستراتيجية بديلة، وهي كما سبق متدرجة وممتدة في الزمن، وقد تكون بعض معالمها مؤلمة، مثل ضرورة البحث عن سبل المصالحة من أجل المستقبل، وهي حالة قد تكون أشبه بمن يتجرع السم، لكن الصراع السياسي هو ليس صراعا لحظيا، وإنما هو كسب مستمر بفعل التراكم وطبيعة التوازنات، والنظر في الشروط الاجتماعية والتاريخية والثقافية للتغيير.

تلك خطوة أولى قبل تعديل منطق التفكير في السياسة والنهضة التي تُبقي معالم النموذج التركي التي أشرنا إليها سابقا ذات أهمية لتحرير الدول والمجتمعات من النزعات السلطوية التي تكرس التخلف والتبعية وتعمق الانقسامات المجتمعية، و"الفوبيا" من الديمقراطية عربيا ستكون موضع مقاربة مفصلة في المقالة المقبلة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.