محمد صلاح.. لماذا يصمت عن محْرقة الجيش الصهيوني لـ "غزة" المُحاصرة؟

محمد صلاح (وكالات)

 

انهالتْ سهامُ النَّقد والتَّقريع، على منصّات التواصل الاجتماعي، على نَجم نادي ليفربول الإنجليزيّ لاعب كرة القدم المِصري محمّد صلاح، على خلفيّة التزامه الصمتَ المُريبَ نحو الممارساتِ الصهيونيَّة البربرية والوحشيَّة ضدَّ سكّانِ غزَّةَ الأبرياءِ، العُزَّلِ، التي تلت عمليةَ "طوفان الأقصى".. فيما لم يعدمْ مدافعين عنه. هذا في الوقت الذي يواصلُ فيه جيشُ الاحتلال الإسرائيليّ لليوم الحادي عشرَ على التّوالي، عمليةَ إبادة جماعيَّة للشعبِ الفلسطينيّ في قطاع غزَّة، بالقصف الجويّ الهمجي والغاشم للمدنيين، على مدار الساعة باستخدام القنابل المحرمة دوليًا، فيما يُعد "محرقة" بالمعنى الحَرْفي للكلمة.

هذه المحرقةُ، أسفرتْ عن سقوط ثلاثة آلاف شهيد بينهم أطفال (800 طفل)، ونساء بالمئات، وتسعة آلاف و700 جريح بينهم حالات حرجة كثيرة، مع تعذُّر الرعاية الطبيّة للجرحى، نتيجة "الحصار الإسرائيليّ المُحكم"، للحيلولة دونَ وصول الغذاء والدواء والمياه والطّاقة للقطاع. هذا "الحصار" لغزة، على شاكلة الحصار النّازيّ الألماني الأبشع في التاريخ، لمدينة ليننغراد (سانت بطرسبرج حاليًا) الروسية (1941- 1944م)، الذي جرى أثناء الحرب العالميَّة الثانية (1939- 1945)، والذي استذكره الرئيسُ الروسي فلاديمير بوتين استنكارًا لما يجري في غزّة.

منشورات نَجم ليفربول.. وإبادة فلسطينيّي غزة

نَجمُ ليفربول المُلقب بـ "الملك المصري" محمّد صلاح، يبدو غير مُلّمٍ بطبائعِ جمهورِه العربي، فلا يدركُ قناعةَ العرب عمومًا بمقولات مثل: "كلّ النساء قد يلدنَ الذكورَ.. وحدَها المواقف تلدُ الرجالَ"، وكذلك "الرجال مواقف.. والرجال قليل"، و "يُعرَف الرجال وقتَ الشدائد"، وما شابه. لذا، هذا الجمهور السّاخط، كان ينتظر من "صلاح"، تسجيلَ موقف تضامنيّ له مع أهلِ غزّة والشعب الفلسطينيّ، بالتغريد على منصّة X (تويتر سابقًا)، وباقي منصات التواصل الاجتماعيّ، التي يتابعه عليها أكثرُ من 27 مليونَ شخص. العربُ الذين يعتبرون "صلاح"، فخرًا لهم، مصدومون، فقد ظنّوه مُسارعًا إلى إظهار موقفه؛ استنكارًا للعدوان الصهيونيّ الغاشم على غزّة.. شارحًا للغرب المتحيّز للصهاينة، ما تفعلُه إسرائيلُ بالشعب الفلسطينيّ على مدار السنين من مجازرَ وقتلٍ وتهجيرٍ وتشريدٍ واعتقالٍ وتجويع، وحصار.. بدايةً بنكبة عام 1948، وانتهاءً بما يجري حاليًا من إبادة لفلسطينيّي غزة. الغاضبون يعلمونَ أنَّ وسائل الإعلام الإنجليزيّة والعالمية تهتمُّ بنقلِ وتداول منشورات "نَجم ليفربول صلاح" على صفحاتِه التواصليَّة، فكانوا يأملون منه أن يستثمرَ نجوميّتَه وحضورَه الإعلاميّ، لصالح الفلسطينيّين في محنتهم ونكبتهم الجديدة.. إذ يسعى الكيان الصهيوني الغاصب، إلى تهجير سكّان غزّة مرةً أخرى، وإلى سيناءَ المِصرية هذه المرَّة.

التبرُّع بالمال.. وشيطنة المقاومة الفلسطينيَّة

"صلاح"، قامَ (الأحد) الماضي، بالتبرُّع لمؤسّسة الهلال الأحمر المِصرية، بمبلغٍ مالي (غير معلومٍ وربما يكون كبيرًا)، لتوفير مُساعدات إنسانية لغزَّة.. ظنًا أنَّ هذا التبرُّع، من شأنه احتواءُ الغضب والحَنَق المتنامي عليه. كأنّه لا يعي، أنَّ هذه الأموالَ أيًا كان حجمُها، ستزيد السخطَ، وهو ما حدثَ بالفعل، فالمطلوبُ منه في هذه المحنةِ الصعبة، إظهارَ موقفِه، هكذا يتوقّع العربُ من الرجال في المحن. هل يتصوَّرُ "الملك المصري"، لو مرضَ "صديق له"، أو حلَّت به محنة أو عنده حالة وفاة (لا قدّر الله)، أنَّ مواساة صديقه هذا، تكون بإرسال بعض النقود له؟.. أم الواجب عليه زيارته، أو الاتّصال به، لإظهار تعاطفِه ومودّته، أو مشاطرته الأحزانَ في حالة الوَفاة؟. هكذا، ففي هذه المحنة الفلسطينيّة، ليس مطلوبًا من "فخر العرب" الأموالُ فقط، وهو يملك منها الكثير (زاده الله).. بل التّعاطف والتّضامن مع الأشقاء، وتوظيف مكانته الكُروية العالميّة، في تبديد الصورة المزوَّرة التي روَّجها الصهاينةُ عن أبطالِ المقاومة الشرفاء، بأنَّهم يذبحونَ الأطفال ويغتصبون النساءَ. الرأي العامّ الغربيّ في حالةِ تضليل إعلاميّ هائل، جنّدت له "إسرائيل" الإدارةَ الأميركيةَ بكلّ نفوذها العالميّ، وأملت على الرئيسِ الأميركيّ الفخور بصهيونيّته جو بايدن، ما ردَّده زُورًا وبُهتانًا عن قتل الأطفال والنساء.. قبل تراجع البيت الأبيض الأميركي عن هذه المزاعم الكاذبة لـ "بايدن". في شيطنته للمقاومة الفلسطينيّة وتشويه مقاتليها الذين كشفوا هلاميةَ الجيش الإسرائيليّ.. قامَ الكيان الصهيوني بتوظيفِ الكثير من النّجوم العالميين، وصانعي المحتوى في كافّة المجالات لترويج روايتِه ودعايته السوداء ضدّ المقاومين أبطال عمليّة "طوفان الأقصى".

محرز، والنني، وشيكابالا، والدوسري، وكوكا.. ومواقف داعمة لغزة

من سوء طالعِ صلاح الأشهر دوليًا، أنَّ نجومًا كُثَرًا في كرة القدم، وفنانين، وصانعي محتوى أقلّ شهرةً وحضورًا إعلاميًا- وليسوا أقلّ قيمة-، لم يترددوا منذ البداية في تسجيل مواقفِهم.. غرَّدوا بالإنجليزية، وصنعوا مقاطع فيديو، لفضح الصهاينة وتفنيد أكاذيبِهم والتضامن مع غزّة؟ ولم يخشَ الواحد منهم، لومةَ لائم، وبعضُهم يلعب في فرق أوروبية لكرة القدم.. هكذا الرجال يظهرون في الشدائد والملّمات. على سبيل المثال، وليس الحصر، لهؤلاء النّجوم أصحاب المواقف الذين نعنيهم: السعودي سالم الدوسري لاعب الهلال، والأردني موسى التعمري، لاعب مونبلييه الفرنسي، والجزائري رياض محرز لاعب الأهلي السعودي، والمِصري شيكابالا لاعب الزمالك الشّهير، ومحمّد النني لاعب نادي أرسنال الإنجليزي، وأحمد حسن (كوكا) لاعب نادي بينديك سبور التركي، وغيرهم من صنَّاع المحتوى. هل يعلم "فخر العرب"، أنَّ ممثلة الأفلام الإباحيّة الأميركية (لبنانية الأصل) والمدوِّنة مايا خليفة، لم تتردَّد في إعلان موقفها، مغردةً على منصة (X)، تأييدًا لـ "طوفان الأقصى"، وواصفة أبطال العملية بـ "المقاتلين من أجل الحرية"، وخسرت وظيفتها في مجلة بلاي بوي بسبب هذه التغريدة، ولم تتراجعْ عنها؟.

خلفيَّة ثقافية متواضعة.. والتماهي مع طموحات الجماهير

المصدومون في صلاح، يتذكَّرون له تعاطفَه مع القطط والكلاب (وهو سلوك محمود).. بينما لم يحظَ أشقاؤُنا الفلسطينيون في غزة بمثل هذا التعاطف والحنوّ، مع أنّهم بشر من بني جلدته، تُسحق إنسانيتُهم تحت القصف الناري الصهيوني، دون موقفِ تضامنٍ، أو كلمةِ تعاطفٍ منه.. مثلما، سارعَ بالتعزية في وفاة ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية العام الماضي. ربما، ليس لدى "نجم ليفربول محمّد صلاح"، إلمامٌ كافٍ بالقضية الفلسطينيَّة، ولا يمتلك فكرًا لبلورة رأي، أو موقف.. إن صحّ هذا.. حينئذ، يتوجب عليه الاستعانةُ بمعاونيه، لدراسة الأمر، فهذا، ما يفعله نجومٌ ذوو خلفية ثقافية متواضعة.. لكنهم لا يتخلّفون عن التماهي والتقارب مع آمال وطموحات جماهيرهم. إنَّ الرأي العام العالمي، وما يجري من تضليل إعلاميّ له بشأن "طوفان الأقصى"، والهجوم الصهيونيّ على غزة، كانَ يستوجب من "الملك"، أن يكون له موقفٌ واضحٌ وقاطعٌ وفاصلٌ، كمسلكِ الرجال في المحن؛ إنصافًا لـ "العرب" الذين جعلوه فخرًا لهم، فالصمت هنا ليس فضيلةً.

نسأل الله أن ينصر غزّة الأبية، ويعزّ أهلها، ويرحم شهداءها الأبرار، ويشفي جرحاها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.