كيف يمكن لبريطانيا التراجع عن البريكست؟

Pro-EU demonstrators activists hand out EU flags to concert goers outside the Royal Albert Hall in London on September 9, 2017 ahead of the Last Night of the Proms concert.Activists distributed EU flags in an anti-Brexit demonstration to concert goers outside the venue of the annual Last Night of the Proms for the traditional flag flying inside in the Royal Albert Hall. / AFP PHOTO / NIKLAS HALLE'N (Photo credit should read NIKLAS HALLE'N/AFP/Getty Images)

هل ستغير المملكة المتحدة رأيها بشأن مغادرة الاتحاد الأوروبي في عام 2018؟ تقول الحكمة السائدة إن منع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أمر مستحيل. لكن ماذا قالت الحكمة التقليدية عن دونالد ترمب؟ وعن إيمانويل ماكرون؟ وعن الاستفتاء الأصلي لبريكسيت؟

في الأوقات الثورية، يمكن للأحداث أن تتحول من مستحيلة إلى حتمية، دون أن تكون غير محتملة. كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عبارة عن حدث، لكن عكسه يمكن أن يسفر عن حدث آخر.

وبالنسبة للرئيس السابق لحزب الاستقلال البريطاني نايجل فاراج؛ فإنه كان من المحتمل أن تتغير نتيجة استفتاء بريكست الذي نُظّم في يونيو/حزيران 2016. وقد حذر فاراج زملاءه المؤيدين للخروج من الاتحاد في نهاية هذا الأسبوع قائلا: "إنهم يحظون بأغلبية الأصوات في البرلمان، وإذا لم نكن على أتم استعداد، فسنفقد الانتصار التاريخي: بريكسيت".

وغالبا ما يعتبر التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وفوز ترمب نتيجة حتمية لعوامل اجتماعية واقتصادية معقدة، مثل عدم المساواة أو العولمة. وفي بعض الحالات، يعد هذا الوصف صحيحا. كما كان من المتوقع حدوث اضطرابات سياسية بعد الأزمة الاقتصادية لعام 2008، كما سبق وقلت منذ سنوات.

ولكن لم يكن هناك شيء حتمي بشأن الاضطرابات الواضحة التي حدثت. كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي -مثل فوز ترمب- نتيجة غير متوقعة للاضطرابات الصغيرة في سلوك الناخبين. فلو صوت 1.8% فقط من البريطانيين بشكل مختلف في الاستفتاء، لكان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الآن بمثابة نكتة.

وبالمثل، لو تم توزيع الأغلبية الشعبية لهيلاري كلينتون-والتي تبلغ ثلاثة ملايين صوت- بشكل مختلف عبر الولايات، لكانت عبارة "الرئيس ترمب" ستكون مضحكة اليوم كما كانت عليه في يناير/كانون الثاني 2016.

يجب على السياسيين الذين يكرهون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشكل خاص أن يعبروا عن رأيهم علنا. كما يجب اعتبار المعارضة المنطقية لسياسات الحكومة مرة أخرى علامة مميزة للديمقراطية، وليست عبارة عن خيانة. ولا بد من تبديد الشعور بضرورة خروج بريطانيا من الاتحاد

ولمنع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في العام المقبل؛ ينبغي حدوث أربعة تغيرات في السلوك. إذ يجب على الرأي العام التصويت ضد قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر "خطأ كبيرا" بفارق 4%.

ويجب على السياسيين الذين يكرهون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشكل خاص أن يعبروا عن رأيهم علنا. كما يجب اعتبار المعارضة المنطقية لسياسات الحكومة مرة أخرى علامة مميزة للديمقراطية، وليست عبارة عن خيانة. ولا بد من تبديد الشعور بضرورة خروج بريطانيا من الاتحاد.

وتعد هذه المتطلبات مترابطة؛ فلن يعبر السياسيون عن رأيهم إلا بعد تحول الرأي العام، والرأي العام لن يتحول إلا بقيادة سياسية موثوقة. يُجبَر السياسيون على الصمت عندما تكون المعارضة مناهضة للديمقراطية، وإذا كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أمرا حتميا، فلماذا يجب على الناخبين إعادة التفكير في الأمر؟

ويُعتبر الشعور بالحتمية واستطلاعات الرأي ومجموعات التركيز، أهم عقبة في طريق التحول. كما يُعارض حوالي 30% من الناخبين البريطانيين الاتحاد الأوروبي بحماسة لدرجة أنهم سيؤيدون مغادرته، بغض النظر عن التكاليف الاقتصادية، كما أن قاعدة ترمب ستدعم "رئيسها" باستمرار بغض النظر عن سلوكه.

لكن هؤلاء المتشددين المشككين في أوروبا لم يكونوا ليفوزوا بالأغلبية دون دعم 20% من الناخبين الذين يهتمون بأوروبا، ولكنهم تعاملوا مع الاستفتاء على أنه تصويت احتجاجي.

فالعديد من هؤلاء الناخبين -الذين هم شبه مذنبين- يشعرون بالانزعاج لأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد صرف الانتباه عن مظالمهم الحقيقية بشأن الصحة، وعدم المساواة، وانخفاض الأجور، والإسكان، وغيرها من القضايا. ولهذا السبب تحديدا، يرغبون في خروج بريطانيا بأسرع وقت ممكن حتى تتمكن البلاد من العودة إلى العمل كالمعتاد.

لنفترض أن هؤلاء الناخبين يعتقدون أن خروج بريطانيا -بعيدا عن كونه حتميا- قد لا يحدث أبدا؛ فإنهم قد يطالبون بأن "يتوقف السياسيون عن التحدث عن أوروبا"، وأن يبدؤوا التعامل مع المخاوف الحقيقية للشعب. ويمكن تبديد الشعور بالحتمية عبر التحولات الأخيرة في السياسة الداخلية لكل من الحكومة المحافظة ومعارضة حزب العمال.

وقد أدرك حزب العمال أن طريقه الوحيد للعودة إلى السلطة هو معارضة خروج بريطانيا. وأظهر التحليل المفصل لعائدات الانتخابات لعام 2017 أن المكاسب غير المتوقعة التي حققها حزب العمال كانت تعود بشكل كامل إلى الناخبين الشباب الأغنياء، الذين يتمثل دافعهم في منع خروج بريطانيا. وأنه لولا هؤلاء الناخبين المناهضين لبريكست، لحققت رئيسة الوزراء تيريزا ماي انتصارا ساحقا.

لو أصبح زعيم حزب العمال المعارض جيرمي كوربن "ألعوبة بريكست" -كما قال توني بلير– بتخليه عن المعارضة الفعالة، فإن هؤلاء الناخبين الجدد سيشعرون بالخيانة، وسينقسم الحزب بين الماركسيين والوسطيين، وستُحطم آماله في الفوز بالانتخابات العامة في المستقبل. ومن ناحية أخرى، إذا قرر حزب العمال مهاجمة بريكست، فإن الرأي العام سيتحول بشكل سريع للغاية.

يجب إقناع السياسيين العماليين بأن التعاون مع بريكست يعد بمثابة انتحار انتخابي، وإقناع متمردي حزب المحافظين الموالين للاتحاد الأوروبي بأن التمرد لن يكون مجديا. وأخيرا، سيتعين على القادة الأوروبيين الإعلان بشكل صريح أن بريطانيا يحق لها قانونيا تغيير رأيها بشأن المغادرة. هذه المتطلبات صعبة ولكنها ليست مستحيلة

أصبحت معارضة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سمة طبيعية في السياسة الديمقراطية. وسيبدأ حزب العمال في الاستفادة من الخلافات التفاوضية للحكومة، وسيتلاشى الشعور بحتمية بريكسيت.

وهذا بدوره سيشجع المحافظين المؤيدين لأوروبا؛ ومن غير المرجح أن يصوت أعضاء حزب المحافظين في البرلمان ضد قيادتهم الحزبية إذا كان غياب حزب العمال المعارض سيسمح للحكومة بالفوز على أي حال.

ولكن، إذا خلقت معارضة متضافرة لحزب العمال إمكانية حقيقية لمنع بريكست، فإنه ستتم الإشادة بقدرات النواب المحافظين الذين أعطوا الأولوية للمصلحة الوطنية قبل الولاء للحزب، عوضا عن السخرية منهم. فهم يعتقدون أن حياتهم المهنية ستزدهر إذا تصالح حزبهم مع أوروبا.

ويبدو أن سلسلة الأحداث قد بدأت الآن؛ ففي ديسمبر/كانون الأول تعرضت رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي لهزيمة قوية في البرلمان، بعد اتحاد 12 نائبا من حزبها مع نواب حزب العمال في ضرورة أن يتخذ مجلس النواب القرار الحاسم بشأن أي اتفاق مع الاتحاد الأوروبي حول بريكست.

وهذا يعني أن أي خطة لبريكست تثير معارضة خطيرة سواء من القوميين المتشددين أو من المحافظين المؤيدين لأوروبا، ويمكن أن تُستخدم لإحداث استفتاء جديد. وبعد هذا التقدم، سيتم إطلاق أول حملة جادة بين الأحزاب تهدف إلى وقف بريكست -وليس مجرد التخفيف من الأضرار بالسعي وراء صفقة طلاق أسهل- في وقت لاحق من هذا الشهر.

ولتحقيق النجاح، ستحتاج هذه الحملة إلى إقناع مؤيدي بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي بأن بريكست ليس حتميا. كما ستحتاج إلى إقناع الناخبين المحتجين بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لن يساعد في حل مشاكلهم.

ويجب إقناع السياسيين العماليين بأن التعاون مع بريكست يعد بمثابة انتحار انتخابي، وإقناع متمردي حزب المحافظين الموالين للاتحاد الأوروبي بأن التمرد لن يكون مجديا. وأخيرا، سيتعين على القادة الأوروبيين الإعلان بشكل صريح أن بريطانيا يحق لها قانونيا تغيير رأيها بشأن المغادرة. هذه المتطلبات صعبة ولكنها ليست مستحيلة.

وقال وزير شؤون بريكست ديفد ديفيس -الذي يقود الآن مفاوضات بريطانيا بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي- إنه "إذا لم تتمكن الديمقراطية من تغيير رأيها، فإنها لم تعد ديمقراطية". فلا تزال بريطانيا ديمقراطية، ولا يزال بإمكانها تغيير رأيها بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.