لماذا يهمنا الفساد

"#وثائق_بنما".. الحكام العرب في قفص الفساد

ويليام بيرنز ومايك مولين *

لقد وصف البابا فرانسيس الفساد بأنه "غرغرينا الناس" كما قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري بأن الفساد هو "عامل من عوامل التطرف" لأنه "يدمر الإيمان بالسلطة الشرعية"، وقد وصف رئيس الوزراء البريطاني الفساد بأنه "من أكبر أعداء التقدم في زمننا".

إن الفساد ببساطة هو استخدام الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب شخصية، وكما يقر القادة بشكل متزايد فإن الفساد يهدد التنمية والكرامة الإنسانية والأمن العالمي. وفي مؤتمر مكافحة الفساد في لندن بتاريخ 12 مايو/أيار الجاري سوف تتوفر لقادة العالم -مع ممثلين عن قطاع الأعمال والمجتمع المدني- فرصة سانحة للتعامل مع هذه الحقيقة.

إن الفساد مستنكر في كل الثقافات وعلى مر التاريخ وهو موجود منذ بداية وجود الحكومات، ولكنه مثل الجرائم الأخرى أصبح معقدا بشكل متزايد خلال العقود القليلة الماضية مع تأثيرات مدمرة على رفاهية وكرامة أعداد لا تحصى من الأبرياء.

بادئ ذي بدء فإن الفساد يشل آفاق التنمية؛ فعندما ينتشر الاحتيال في مجال المشتريات العامة أو تتم سرقة حقوق الملكية للموارد العامة من المصدر، أو يتم احتكار القطاع الخاص من قبل شبكة ضيقة من المقربين؛ فإن السكان يصبحون غير قادرين على تحقيق إمكاناتهم.

الفساد مستنكر في كل الثقافات وعلى مر التاريخ، وهو موجود منذ بداية وجود الحكومات، ولكنه مثل الجرائم الأخرى أصبح معقدا بشكل متزايد خلال العقود القليلة الماضية مع تأثيرات مدمرة على رفاهية وكرامة أعداد لا تحصى من الأبرياء

لكن للفساد تأثيرا آخر معروفا بشكل أقل؛ وهو أنه بينما يشاهد السكان قادتهم وهم يقومون بإثراء أنفسهم على حساب الشعب، فإنهم يصبحون محبطين وغاضبين بشكل متزايد، ما قد يؤدي أحيانا لاضطرابات أهلية وصراع عنيف.

إن العديد من الأزمات الأمنية العالمية الحالية متجذرة في هذه العملية المتغيرة والمتجددة. إن السخط من السلوك المتعالي لضابطة شرطة فاسدة ساعدت في دفع بائع فاكهة تونسي لإشعال النار في نفسه سنة 2010؛ مما أدى إلى اندلاع الثورات في العالم العربي، وقد طالب المحتجون باعتقال وزراء محددين ومحاكمتهم وطالبوا باستعادة الأصول المنهوبة، وهي مطالبات كانت نادرا ما تتحقق.

في الأماكن التي عادة ما يتباهى فيها المسؤولون الحكوميون بثرائهم وبالقدرة على الإفلات من العقوبة فإن الحركات المتطرفة -بما في ذلك طالبان وبوكو حرام وتنظيم الدولة الإسلامية– تستغل غضب المواطنين، وطبقا لهذه الجماعات فإن الطريقة الوحيدة لاستعادة النزاهة العامة تأتي من خلال تطبيق صارم لقواعد السلوك الشخصي، علما بأنه مع عدم وجود بديل قابل للتطبيق وعدم وجود مجال للمناشدات السلمية فإن مثل هذه اللغة أصبحت مقنعة بشكل متزايد.

من الواضح أنه يجب محاربة الفساد، ولكن الأقل وضوحا هو كيفية عمل ذلك؛ ففي عالم من المطالبات المتنافسة يبدو أن الحكومات الفاسدة تخدم أغراضا حيوية، فإحداها ترسل الجنود لمحاربة الإرهاب، وأخرى توفر موارد طاقة حيوية.. وعليه يتوجب على الزعماء في نهاية المطاف التعامل مع توازنات صعبة.

حتى نحدد المقاربة الأفضل في كل حالة على وجه الخصوص يتوجب على الحكومات تحليل المشكلة بشكل أكثر فعالية وهذا يعني تحسين جمع المعلومات الاستخبارية والبيانات، وكما ذكرت الخبيرة الأمنية سارة تشايس في كتاب ضد الفساد -وهو مجلد يضم المقالات التي ستنشرها الحكومة البريطانية خلال القمة- فإن الفساد اليوم هو ممارسة منظمة، وهو نتاج عمل شبكات معقدة تشبه الجريمة المنظمة حيث يتواصل العملاء الفاسدون من خلال تلك الشبكات. يتوجب على الحكومات دراسة تلك النشاطات وتداعياتها بنفس الطريقة التي تدرس بها المنظمات الإجرامية أو الإرهابية العابرة للحدود.

يتوجب على البلدان المانحة التي تتوفر لديها تلك التقييمات هيكلة المساعدات بطريقة تخفف من مخاطر الفساد، فالمساعدات العسكرية أو التنموية هي مساعدات سياسية ويجب تطويع البرامج للتحقق من أنه لا يتم الاستيلاء على الأموال من قبل النخب السارقة، وهذا يعني أنه لم يعد ممكنا إلقاء عبء جهود مكافحة الفساد على مختصين لا يملكون موارد كافية، كما يجب أن يكون لتلك الجهود دور مركزي في التخطيط لمبادرات التنمية الرئيسية أو بيع أنظمة أسلحة مكلفة. يجب أن تفهم الحكومات المتلقية أن التمويل سوف ينقطع لو استمرت في تبديده أو سرقته.

الفساد اليوم هو ممارسة منظمة، وهو نتاج عمل شبكات معقدة تشبه الجريمة المنظمة حيث يتواصل العملاء الفاسدون من خلال تلك الشبكات. يتوجب على الحكومات دراسة تلك النشاطات وتداعياتها بنفس الطريقة التي تدرس بها المنظمات الإجرامية أو الإرهابية العابرة للحدود

في واقع الإمر فإن الفساد وأبعاده يجب أن يحدد الطريقة التي يتعامل بموجبها المسؤولون الغربيون مع نظرائهم في العالم النامي، إن الوزارات التي أمضينا حياتنا المهنية في خدمتها (وزارة الخارجية الأميركية ووزارة الدفاع الأميركية) تولي أهمية كبيرة لبناء العلاقات، والدبلوماسيون يعتمدون على تلك العلاقات من أجل تعزيز مصالحهم الوطنية، والعلاقات المهنية بين الضباط العسكريين هي أحيانا القنوات الوحيدة التي تصمد أمام العواصف السياسية ولكن الدبلوماسيين والقادة العسكريين يجب أن يكونوا مستعدين للتراجع خطوة للوراء عندما يكون ذلك ملائما، ووضع شروط على تعاملاتهم واستخدام نفوذهم وحتى لو كان هناك خطر إغضاب نظرائهم.

لكن كما كشفت مؤخرا التقارير عن الموردين التابعين لشركات وهمية، أو الرشوة عن طريق الوسطاء؛ فإن الكثير من النفوذ الحقيقي موجود في الوطن، أي في القطاعات المالية والعقارية المحلية وفي شركات العلاقات العامة والمحاماة التي تلمع من صور الفاسدين، وفي الجامعات التي تعلم أولاد المسؤولين الفاسدين وتسعى للحصول على تبرعاتهم.

إن تطبيق قانون المنظمات الفاسدة والمتأثرة بالابتزاز من أجل تجريم مسؤولي الفيفا وهي الهيئة الدولية المشرفة على نشاط كرة القدم يظهر كيف أن التركيز على مزودي الخدمات الغربيين يمكن أن يحد من الفساد بين المسؤولين الأجانب.

إن الأداة المهمة في الحرب ضد الفساد سوف تكون الابتكار التقني الذي يمكن أن يقلل من فرص حصول السلوك الخاطئ، ويمكن المواطنين من التبليغ عن الممارسات القانونية ويعزز الشفافية والمساءلة لدى الحكومات.

لقد تم إحراز تقدم في العديد من المجالات وذلك من التسجيل الإلكتروني للناخبين للدفعات الإلكترونية للموظفين الحكوميين، وبينما لا تمثل التقنية دواء لجميع الأمراض، فإنها قد تشكل مساهمة ذات معنى في القتال من أجل الحكم الرشيد، عندما يتم الجمع بينها وبين الإصلاحات الحكيمة في السياسات.

لن تكون أي من تلك الاقتراحات سهلة التنفيذ ولكن من أجل التعامل مع العديد من الأزمات التي يعاني منها العالم حاليا، فإن وجود تركيز قوي على مكافحة الفساد سيكون حيويا. إن أملنا هو أن يظهر المؤتمر القادم في لندن وحدة الهدف والالتزام بالعمل المطلوب بشدة.
———————————
*ويليام ج بيرنز هو نائب وزير الخارجية الأميركي السابق وهو يعمل حاليا رئيسا لمنحة كارنيجي للسلام العالمي. والإدميرال مايك مولين كان رئيسا لرئاسة الأركان الأميركية المشتركة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.