عن استقالة سلام فياض

عن استقالة سلام فياض - الكاتب: علي بدوان

undefined 

في الأسباب والتراكمات البعيدة
صعود صاروخي
في الأسباب والتراكمات المباشرة
في الأسباب الإضافية

جاءت استقالة رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور سلام فياض، بعد مقدمات طويلة لم تَكن بنتَ ساعتها، وقد توجت في الأشهر الأخيرة ببروز خلاف وتباين مُحتدم بين مؤسستي الرئاسة والحكومة، فلم يعد بالمستطاع استمرار وتجاهل التباين المتسع يوماً بعد يوم، أو التعامل معه وكأن الأمور على ما يرام. فكيف نقرأ استقالة الدكتور سلام فياض من حيث أسبابها المباشرة، والبعيدة غير المباشرة، التي توالدت في الساحة الفلسطينية، ومآلات ما بعد الاستقالة؟

في الأسباب والتراكمات البعيدة
في سياق نقاشنا وتحليلنا للأسباب البعيدة غير المباشرة التي دفعت نحو استقالة رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض، علينا أن نُقّر ونعترف ومن موقع الموضوعية والإنصاف، بأن الدكتور سلام فياض يُمثّل حالة تكنوقراط أكاديمية تمتلك كفاءات نوعية ومهنية مع تمتعه بميكانيزما فريدة في العمل المؤسساتي العام، لكن سُطوع نجمه بالطريقة التي تمت خلال العقد الأخير في المعادلة الفلسطينية الداخلية، تَرَكَ وراءه تساؤلات متتالية.

يُمثّل فياض حالة تكنوقراط أكاديمية تمتلك كفاءات نوعية ومهنية مع تمتعه بميكانيزما فريدة في العمل المؤسساتي العام، لكن سُطوع نجمه بالطريقة التي تمت تَرَكَ وراءه تساؤلات متتالية

هذه التساؤلات هي عند عموم الحالة الفلسطينية، وعند المتابعين للوضع الفلسطيني، وعند عموم كوادر وقواعد حركة فتح الذين طالما وقعوا في مشاحنات معه بسبب من التقديرات التي تستند لمجموعة من المؤشرات القوية التي تقول بأن قدوم شخص سلام فياض للحالة الفلسطينية جاء في حينها مدروساً ومرتباً في سياقات رافقت السنوات الأربع الأخيرة من حياة الرئيس الراحل ياسر عرفات، وبروز وجهات نظر أميركية وغربية وحتى "إسرائيلية" كانت تقول بضرورة إعادة قولبة وتطويع الوضع الفلسطيني، والمجيء بتركيبات قيادية وكادرية جديدة تضمن تمرير رؤية إستراتيجية إبداعية لحل القضية الفلسطينية، وخلق "الفلسطيني الجديد" المؤهل لقبول التسوية الأميركية الغربية المقبولة "إسرائيلياً" لكافة عناصر القضية الفلسطينية.

والشيء بالشيء يذكر، فالدكتور سلام فياض، شاركَ في الانتخابات التشريعية العامة التي جرت عام 2006، في إطار قائمة تَشَكّلت من شخصيات قريبة منه ومن رؤية الغرب والإدارة الأميركية بالنسبة لعملية التسوية، وأطلق على تلك القائمة اسم حزب الطريق الثالث (وقد أسماها البعض قائمة حزب كاديما الفلسطيني) وهو حزب وإن لم يعلن قيامه الرسمي والدستوري، إلا أنه بات أمراً واقعاً على الأرض من خلال الرموز والشخصيات والكوادر الفصائلية وغير الفصائلية من أقصاها إلى أقصاها، والتي باتت من حينها تحوم وتتحلق حول الدكتور سلام فياض، وهو ما أثار المزيد من التحفظات والشكوك من عموم الكوادر والقيادات الفتحاوية حول دور ومساعي وطموحات الدكتور سلام فياض، وتحديداً مع استخدامه لصلاحياته المعطاة له وللهامش المالي المتاح أمامه في الإغداق على بعض القيادات المفصلية في أجهزة الأمن وعموم الوزارات لاستقطابها واستمالتها باتجاه الحالة القطبية التي سعى لإقامتها وتشكيلها داخل البيت الفلسطيني في القدس والضفة الغربية على وجه التحديد.

صعود صاروخي
وعليه، لقد تم دفع الدكتور سلام فياض من قبل إدارة الرئيس الأميركي الأسبق ويليام بيل كلينتون ومن بعده إدارة الرئيس جورج بوش (الأب) وبضغط مكثف من قِبَلِها ومعها مجموعة دول الاتحاد الأوروبي، لترؤس حقيبة وزارة المالية في الحكومة الفلسطينية بين أعوام (2002 إلى 2005) ثم في حكومة الوحدة الوطنية التي شُكّلت في مارس/آذار 2007، ومن ثم دفعت به إدارة الرئيس جورج بوش (الابن) لفرضه كرئيس للوزراء.

فأحدث الدكتور سلام فياض منذ دخوله إلى معقل السلطة الفلسطينية في رام الله عبر بوابة وزارة المالية تباينات كثيرة حوله وحول دوره في السلطة ودوره في القضية الفلسطينية، ففياض في عرف غالبية الفتحاويين من أبناء الكوادر الوسطى والقاعدية "صناعة من خارج عباءة الحركة الوطنية وأيٍ من فصائلها" وهي صناعة أدت إلى إضعاف قوة وسطوة الرئيس الراحل ياسر عرفات في السيطرة على مقاليد الأمور، في جانبها المالي على الأقل، إن لم نقل في جانبها السياسي وغير السياسي.

فقد تم زج شخص الدكتور سلام فياض وفرضه على الرئيس الراحل ياسر عرفات من قبل دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وتم وضعه على رأس المهمة المالية، والموضوع المتعلق بمالية وموازنات القوات الأمنية والعسكرية الفلسطينية، وهي قضايا ومهام حساسة طالما رفض الرئيس الراحل ياسر عرفات تاريخياً، تَدَخُل أي شخص في تقريرها حتى من داخل البيت الفتحاوي أو من قبل أيٍ من المقربين منه.

الخلاف الفتحاوي المستديم على شخص الدكتور سلام فياض يعكس اعتقاد البعض من الكوادر والقيادات الفتحاوية بأن هناك عملية تهميش جرت بالتدريج لدور حركة فتح

وعليه، كان الصعود الصاروخي للدكتور سلام فياض، في سلم المواقع والمراتبية داخل مفاصل السلطة الفلسطينية في رام الله، وكان معه الحراك الكبير الذي دار في البيت الفتحاوي، حين صاح العشرات بل المئات من كوادر فتح الذين طالبوا برئيس وزراء فتحاوي، فالخلاف الفتحاوي المستديم على شخص الدكتور سلام فياض يعكس أيضاً اعتقاد البعض من الكوادر والقيادات الفتحاوية بأن هناك عملية تهميش جرت بالتدريج لدور حركة فتح مع قيام سلام فياض بقيادة أول حكومة فلسطينية، وتحجيم لفعلها في عموم الوزارات المدنية والمؤسسة العسكرية، وهنا يكمُنُ الموقف العام المتحفظ (إن لم نقل السلبي) لعدد من الكوادر والقيادات الفلسطينية ومن كوادر حركة فتح على وجه الخصوص من شخص ودور الدكتور سلام فياض.

وبالطبع، ونحن نتكلم بتوازن وموضوعية، فإن استعراض المواقف الاحتجاجية الفتحاوية بشكل عام على شخص الدكتور سلام فياض منذ قدومه قبل أكثر من عقد من الزمن، لا يعني البتة غياب الأنانيات والعصبويات التنظيمية الداخلية عند البعض من القيادات والكوادر الفتحاوية، التي يرى من خلالها البعض (ونقول البعض) من المحتجين على فياض بـ"أن السلطة لهم، وأن نصيب الأسد فيها لهم والفتات لغيرهم من باقي القوى والفصائل".

في الأسباب والتراكمات المباشرة
أما في الأسباب المباشرة التي ضغطت على سلام فياض ودفعته نحو الاستقالة، فيمكن القول بأنها متعددة وتُشكّل حزمة من العناوين والإشكاليات، وعلى رأسها تردي الأوضاع العام للناس داخل الضفة الغربية ومناطق القدس الشرقية، وتراجع مستويات حياتهم ومداخيلهم الاقتصادية، وتفاقم ظاهرة البطالة التي وصلت وفق المعطيات الموثقة نحو (65%) من القوة العاملة، وتَبَخُر الوعود والأوهام التي طالما تم زرعها و"دغدغة" الناس بها، والرخاء القادم المزعوم حين روج الدكتور سلام فياض لمقولة غير منطقية على الإطلاق وفحواها "أن الشعب الفلسطيني يستطيع خلال ثلاث سنوات الاعتماد على مداخيله وتأمين ميزانيته بعيداً عن الدول المانحة".

إن كل تلك العوامل، دفعت نحو تراكم الاحتقان من أداء الحكومة في صفوف الناس، وقد عَبّرَ عن ذلك بيان المجلس الثوري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) والصادر عن دورة اجتماعاته الأخيرة في رام الله بتاريخ الرابع من أبريل/نيسان الجاري 2013 (أي قبل تقديم فياض لاستقالته) وذلك من خلال الإشارة إلى التالي: "إن سياسات الحكومة الفلسطينية الحالية مُرتجلة ومُرتبكة في الكثير من القضايا المالية والاقتصادية".

فيما خاطب الرئيس محمود عباس أعضاء المجلس الثوري خلال دورة الاجتماعات المشار إليها للمجلس الثوري لحركة فتح، بالقول: "إنني غاضب على الحكومة أكثر منكم جميعاً، إما أو.. ولا أريد أن أقول أكثر من ذلك لكن انتظروا ثلاثة أيام فقط".

في الأسباب الإضافية
وفي الأسباب الإضافية التي سرعت باستقالة الدكتور سلام فياض مؤخراً، أنها جاءت كتعبير عن الترجمة العملية للخلافات داخل الغرف السياسية الفلسطينية في رام الله، وتحديداً بين الرئيس محمود عباس والدكتور سلام فياض وفق ما قيل لنا من مصادر فلسطينية موثوقة جدا جداً، وذلك منذ تقديم وزير المالية السابق نبيل قسيس استقالته دون الرجوع للرئيس محمود عباس.

فقد رفض الرئيس محمود عباس الاستقالة بينما قبلها الدكتور فياض في حينها، الأمر الذي نجمت عنه إشكالية، وقد زاد من (بَلِ طينها) مؤخراً الموقف الغربي الذي حاول ثني فياض عن تقديم استقالته قبل أيام، وقد ندد عزام الأحمد بالموقف الأوروبي والأميركي واعتبره "تدخلاً سافراً بشؤون البيت الفلسطيني".

الكتلة البرلمانية لحركة فتح في المجلس التشريعي اعتبرت فياض كمن يتعامل مع مفاصل السلطة والآخرين وكأنه فوق القانون" دون مراعاة الأطر السياسية والتنظيمية

بالإضافة إلى ذلك، فإن لصوت الكتلة البرلمانية لحركة فتح في المجلس التشريعي دوراً في هذا المجال، عندما طالبت بعدم اعتماد موازنة الحكومة للعام الجاري 2013 كرد على ما اعتبروه تجاهلاً من رئيس الوزراء سلام فياض الذي لم يناقش الموازنة الجديدة معهم، فطلبوا بإقالته، معتبرين (إياه) "كمن يتعامل مع مفاصل السلطة والآخرين وكأنه فوق القانون" دون مراعاة الأطر السياسية والتنظيمية خلال عمل حكومته في الآونة الأخيرة، وذلك حسبما ورد في بيان لحركة فتح وزع في عموم الضفة الغربية قبل أيام قليلة.

وبالاستخلاصات الأخيرة، علينا أن نلحظ مؤشراً ومدلولاً هاماً، يَتَمَثّل بترحيب جميع القوى الفلسطينية باستقالة الدكتور سلام فياض، بما فيها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية.

وانطلاقا من ذلك من الضروري استثمار الحالة الراهنة من خلال الاتجاه لتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، حكومة تفتح المجال أمام تحديد الأولويات الوطنية الفلسطينية، وتعيد توحيد المؤسسات بين الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، وتفتح الطريق أمام الإعداد لانتخابات تشريعية ورئاسية وفق ما تم التوصل إليه في التفاهمات الوطنية الفلسطينية الأخيرة في القاهرة وقبلها في الدوحة في فبراير/شباط 2012. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.