القمر الصناعي الإيراني وموازين القوى الإستراتيجية

تصميم فني العنوان: القمر الصناعي الإيراني وموازين القوى الإستراتيجية الكاتب: طلعت مسلم



ردود الفعل العالمية
تقييم الصاروخ "سفير"
تقييم القمر الصناعي "أوميد"
مصادر التقنية الإيرانية
الآثار الإستراتيجية على موازين القوى
قدرة العرب على إطلاق قمر صناعي

أطلقت إيران يوم 3 فبراير/شباط 2009 قمرها الصناعي الأول "أوميد" (الأمل) لتنضم إلى نادي الفضاء الدولي وتصبح الدولة أو الجهة الحادية عشرة التي تطلق أقمارا صناعية إلى الفضاء، وتدخل تاريخ العلم والتقنية، حيث سبقها الاتحاد السوفياتي ثم الولايات المتحدة ثم فرنسا ثم اليابان ثم الصين ثم بريطانيا ثم أوروبا ثم الهند ثم إسرائيل ثم العراق.

وقد صاحب إطلاق القمر الصناعي الإيراني كثير من التعليقات خاصة من الدول الكبرى والدول الغربية، ما بين مهون من شأنه ومثير للمخاوف منه، لكن الملاحظ أنه لم تصدر تعليقات عربية على الحدث، علما بأنه لم يكن مفاجئا باعتبار أن إيران قامت قبل ذلك بتجارب إطلاق غير ناجحة كان آخرها نهاية عام 2008.

وبلا شك فإن وضع قمر صناعي في الفضاء أمر له دلالته في التقييم الموضوعي للدولة، ليس فقط من وجهة النظر العسكرية كما يتجه إليها الكثيرون، ولكن من حيث القدرات المستقبلية لها.

وقد كانت عملية الإطلاق في حد ذاتها إضافة إلى إنجازات خبراء إيران في مجال الجو والفضاء. ولقد تميز إطلاق إيران للقمر بأنه قمر مصنع محليا، وأطلق بواسطة صاروخ بعيد المدى مصنوع في إيران، وقد أذاعت وكالة الأنباء الإيرانية أن القمر سيتخذ مداره حول الأرض وأنه سيتم 15 دورة يوميا حول الأرض.

"
صاحب إطلاق القمر الصناعي الإيراني كثير من التعليقات خاصة من الدول الكبرى والدول الغربية، ما بين مهون من شأنه ومثير للمخاوف منه، لكن الملاحظ أنه لم تصدر تعليقات عربية على الحدث
"

ردود الفعل العالمية
جرى جدل بين المحللين العسكريين والاستخباراتيين وخبراء ضبط التسلح، حيث تعتقد الولايات المتحدة والدول الغربية بأن الحكومة الإيرانية تطور قدراتها لبناء وإطلاق أسلحة نووية، في حين تنكر طهران أن يكون برنامجها تسلحيا وتصر على كونه سلميا.

كان رد فعل الولايات المتحدة مخففا نسبيا حيث جاء الإطلاق في وقت كانت الإدارة الأميركية الجديدة تستعد فيه لأول جولة مباحثات مع شركائها الأوروبيين حول كيفية التعامل مع إيران وبرامجها التسلحية، وقد وصفه الناطق بلسان البيت الأبيض بأنه "موضوع يثير قلقا حادا"، وأن "سعي إيران إلى تقنية الصواريخ لا يقنعنا بأنها تتصرف بمسؤولية لتحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة".

وعبر وزير الخارجية البريطاني بأن "الإطلاق يؤكد ويوضح قلقنا الشديد حول نوايا إيران"، وأضاف أن "إيران أرسلت إشارة خاطئة إلى المجتمع الدولي"، كما عبرت فرنسا عن نفس الأفكار وإن بكلمات أخرى.

أما إسرائيل فقد قال الرئيس السابق لوكالة الفضاء الإسرائيلية وعضو حزب كاديما الجنرال المتقاعد إيزاك بن إسرائيل إن "إطلاق إيران القمر الصناعي يوضح قدرات جديدة ومتقدمة تمكنها من إطلاق صواريخ بالستية تحمل رؤوسا حربية نووية حتى غرب أوروبا".

ويوضح أنه "تلزم طاقة إضافية وخاصة لإطلاق قمر صناعي يزن 30 إلى 50 كلغ إلى الفضاء، وإذا كانت إيران قد نجحت فإن معادل الفضاء لذلك هو إطلاق صاروخ بالستي برأس نووية تزن طنا واحدا حتى غرب أوروبا"، و"أن ما يطلق الإنذار هو قدرة إيران المتزايدة على إطلاق صواريخ بعيدة المدى".

أما المحلل البارز في الانتشار النووي دافيد أولبرايت فقد قلل من قيمة الإطلاق الإيراني إلى الفضاء بأن وصفه بأنه "ليس متقدما بدرجة كافية"، وأما القمر نفسه فهو من "تقنية سبوتنك.. كرة معدنية صغيرة تطلق إشارة بيب بيب"، وهناك مسؤولون أميركيون قالوا إن الإطلاق "لا يقرع أجراس إنذار، وإن الواقعة رمزية بدرجة كبيرة".

تقييم الصاروخ "سفير"
الصاروخ "سفير2" الذي أطلق القمر "أوميد" إلى الفضاء هو الذي يدعو إلى مزيد من البحث والتأمل، فقد اتضحت منذ بداية عصر الفضاء العلاقة المتبادلة الشديدة بين الصواريخ البالستية وإطلاقات الفضاء حينما استخدم الصاروخ "آر-7" أول صاروخ بالستي عابر للقارات لدى الاتحاد السوفياتي لوضع القمر "سبوتنك1" في مداره، بينما استخدم الصاروخ البالستي الأميركي متوسط المدى "ردستون" لوضع القمر "إكسبلورر1" في المدار.

وتعتبر التقارير أن إيران تسير على خطى هذه الدول وأن هذا يتضح في المرحلة الأولى من الصاروخ "سفير" والتي لا يمكن تمييزها عن الصاروخ البالستي "شهاب3″، بينما تقنية الدفع ترجع إلى الصواريخ "سكود" في الخمسينيات. وهكذا ينتظر أن تستمر تقنية الصاروخ "سفير" في الصواريخ البالستية في المستقبل المرئي.

لكن المرحلة الثانية من هذا الصاروخ هي أكثر ما فيه تعقيدا وتقدما، وذلك بتصميمه خفيف الوزن وشكله الرائع، ويستند نظام الدفع فيه إلى أكثر التقنيات حداثة لوقود الدفع السائل القابل للتخزين والذي يمكن أن يستمر بلا حدود داخل الصاروخ بحيث يصبح جاهزا في أي وقت، وهي ميزة هامة للصواريخ العسكرية، وقد استخدمت الولايات المتحدة وروسيا هذه التقنية في الماضي في الصواريخ البالستية العابرة للقارات والصواريخ البالستية التي تطلق من الغواصات.

كما تشير التقارير إلى أن مقدم الصاروخ مصمم بذكاء ليتخذ شكل صدفة المحار كغطاء واق للصاروخ المصنوع من سبيكة من عدة مواد يقي القمر "أوميد" أثناء إطلاق الصاروخ في مراحله الأولى، وأن هذه التقنية تعتبر عناصر حيوية ليس في قواذف الفضاء فقط، وإنما في الصواريخ متعددة الرؤوس أيضا.

كذلك تشير التقارير إلى أن نظام الدعم الأرضي للصاروخ "سفير" كان ملفتا للنظر، فبينما ينقل الصاروخ ويطلق من قاذف متحرك للصاروخ "شهاب3″، يقوم برج مثبت بمفصلة بتحقيق الاتصال بالطاقم الأرضي.

"
تطور التقنية الإيرانية يمكن أن يؤدي إلى قمر استطلاع إيراني يبث معلومات وصورا دقيقة وعالية الوضوح عن منشآت الولايات المتحدة في الشرق الأوسط
"

تقييم القمر الصناعي "وميد"
يسلم الإيرانيون بمحدودية قدرات القمر "أوميد"، فحمولته الرئيسية هي جهاز إرسال واستقبال بسيط، وأن عمره قصير محدود بقدرات بطارياته الداخلية، ووزنه 60 رطلا، وحجمه صغير مقارنة بالأقمار الصناعية العسكرية والمدنية الحديثة.

لكن بملاحظة أنه قمر أطلقته دولة جديدة في مجال الفضاء فإنه يعتبر مناسبا مقارنا بالقمر "سبوتنك"، وحتى بالمقارنة بأول قمر أميركي "إكسبلورر1" بالغ الصغر. وقد أدت هذه الآلات المتواضعة إلى الأقمار الصناعية العملاقة سواء العسكرية أو المدنية التي تطوق الكرة الأرضية.

هكذا فإن تطور التقنية الإيرانية يمكن أن يؤدي إلى قمر استطلاع إيراني يبث معلومات وصورا دقيقة وعالية الوضوح عن منشآت الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

مصادر التقنية الإيرانية
تشير المصادر الأجنبية إلى أن الصاروخ "سفير" يكشف درجة واضحة من التعقيد والتقدم بالنسبة لقاذف ابتدائي، وهذا يثير السؤال حول ما إذا كانت التقنية المعقدة المستخدمة محلية، وما هي الملامح التي جرى استيرادها من الخارج في حال وجودها.

فبعض ملامح الصاروخ "سفير" تحمل علامات خبرة قواذف الفضاء السابقة بمعنى أنها تطبق خبرة معونة خارجية، ويمكن تصور مصدرها من أي دولة لديها صواريخ وتقنية فضاء من العصر السوفياتي.

ولكن المؤكد أن الصاروخ "سفير" يتقدم كثيرا عن قاذف الفضاء الكوري الشمالي. والحقيقة أن حجم مؤسسة الفضاء الإيرانية تشير إلى أن كثيرا من النجاح الذي حققته قد نما في الداخل.

وتصبح قيمة إطلاق القمر أكثر وضوحا حينما نضع في الاعتبار إطلاق الصاروخ "سجيل" ذي المرحلتين وذي الوقود الصلب والذي سبقه في نوفمبر/تشرين الثاني 2008، أي أن إيران أظهرت خلال أربعة أشهر فقط تمكنا من ثلاثة أنواع من تقنية وقود إطلاق الصواريخ (السائل، والسائل القابل للتخزين، والصلب ذي القطر الكبير)، كما أظهرت تمكنا من ثلاثة أنواع لتقنية الدفع (غرف النفث الغرافيتية، وغرف النفث التنغستن، ومحركات الصواريخ الحرة)، وتمكنا من نظامين لفصل المراحل، ومقدم صاروخ متعدد الرؤوس جنيني، وكل ما سبق هو تقنيات يخضع نقلها لنظام السيطرة على تقنية الصواريخ وللتشريع الوطني للدول المشتركة، وهكذا لم يكن من الممكن قانونا إتاحة هذه التقنيات لإيران.

الآثار الإستراتيجية على موازين القوى
أهم ما في الآثار الإستراتيجية للقمر الصناعي "أوميد" هو التقنية والمواهب التي تكمن خلفه وتسبب الخوف بل والرعشة والذعر لدى بعض الأطراف.

فالصاروخ "سفير" يكشف عن حرفية علمية وهندسية مضاعفة بتقنية صواريخ عالمية المدى في أيدي نظام تختلف الآراء حوله ويعتبره الكثيرون متطرفا، بل إن دولا عربية لا تخفي خشيتها منه، في حين لا تخفي القوى العالمية مشاعرها العدوانية حياله. وبالنسبة للوضع العربي فإن دولا عربية لها خلافاتها الواضحة معه حول قضايا موضوعية، خاصة قضية الجزر الثلاث، والحديث عن التدخل الإيراني في العراق.

ولا شك في أن خطة إيران في مجال الفضاء تحتوي على مزيد من الأقمار الصناعية الأثقل وزنا وذات مدارات أعلى، ما سيتطلب قواذف فضائية أكثر ثقلا، الأمر الذي لا بد أن يثري خبرة الأطقم الفضائية الإيرانية بما يمكنها من بناء صواريخ عابرة للقارات.

أما الوضع الحالي فإن الصاروخ "سفير" لا بد أن يدفع إيران إلى وضع الدولة القادرة على تهديد أغلب دول المنطقة في حال الاشتباك في خلاف يمكن أن يتطور إلى النزاع المسلح. وتزداد أهمية هذه النتيجة مع تقلص قدرات الأطراف الدولية على التدخل العسكري نتيجة لاستنزاف الموارد العسكرية، ثم نتيجة للأزمة الاقتصادية العالمية.

وإقليميا فإن إسرائيل لا بد أن تضع في اعتبارها القدرات الإيرانية الجديدة في خططها ضدها، وهو ما قد يدفعها إلى المغامرة في محاولة لاستباق التقدم الإيراني المحتمل.

"
لدى الدول العربية من الإمكانيات البشرية والمالية والموارد الطبيعية ما يزيد كثيرا عن إمكانيات إيران، وكان للعرب قصب السبق في مجالات العلم والتقنية، لكن الأمر يتطلب حشد الجهود وتنظيمها ومتابعتها وحمايتها
"

قدرة العرب على إطلاق قمر صناعي
تشير التجربة الإيرانية وقبلها التجربة العراقية إلى أن الوصول إلى تطوير صواريخ ذات مدى مناسب وحمولة مناسبة ممكن حتى في ظل نظام السيطرة على تقنية الصواريخ، بل ونظام "مبادرة أمن الانتشار"، وأن الأمر يتطلب إرادة سياسية أولا، وأن تستطيع أن تعبئ الموارد والقدرات الوطنية القومية من أجل توفير تعادل إستراتيجي يستطيع أن يخفف من عبء الجهد السياسي والدبلوماسي في حال النزاعات بالمنطقة.

ولقد كانت هناك جهود عربية في هذا المجال ربما بدأ بجهد مصري في ستينيات القرن العشرين، وتلاه جهد عراقي ثم عراقي مصري في الثمانينيات، لكن هذه المحاولات أجهضت بينما لم يمكن إجهاض المشروع الإيراني -حتى الآن على الأقل- وهذا يتطلب الكشف عن مواطن الضعف ومعالجتها.

لدى الدول العربية من الإمكانيات البشرية والمالية والموارد الطبيعية ما يزيد كثيرا عن إمكانيات إيران، وكان للعرب قصب السبق في مجالات العلم والتقنية، وقد أبدى العلماء العرب قدرة على بلوغ المستوى العالمي في كثير من المجالات وتبوَّؤوا رئاسة كثير من الهيئات العلمية العالمية، وحصلوا على جوائز عالمية اعترافا بفضلهم، وهو ما لم يتوفر كثير منه لإيران، لكن الأمر يتطلب حشد الجهود وتنظيمها ومتابعتها وحمايتها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.