العملية "أتلانتا" في الميزان الاستراتيجي

تصميم العنوان: العملية "أتلانتا" في الميزان الإستراتيجي الكاتب: طلعت أحمد مسلم



شكوك حول الفعالية
تقويم قدرات عملية "يوناففور أتلانتا"
الآثار المحتملة على الأمن القومي العربي
غياب الدول العربية عن مكافحة القرصنة

بدأت العملية "يوناففور أتلانتا " التي يجريها الاتحاد الأوروبي في مياه الصومال اعتبارا من يوم الاثنين 8 ديسمبر/كانون الأول 2008 بمشاركة ثماني دول أوروبية هي أسبانيا وألمانيا والسويد واليونان وبريطانيا وبلجيكا، وفرنسا، وهولاندا بقيادة بريطانية أولا، ثم يجري تداول القيادة إلى اليونان ثم أسبانيا فهولاندا.

وتشتمل العملية على ست سفن سطح وثلاث طائرات استطلاع بحري ونحو 1200 فرد على ظهرها. الفرقاطات البريطانية والفرنسية موجودتان فعلا بينما تنضم إليهما سفثينة يونانية فورا، أما طائرات المساحة فمن فرنسا وأسبانيا، وينتظر أن تنضم سفينة ألمانية بعد موافقة البرلمان الألماني.

وقد حددت مهام العملية وفقا لما ورد على لسان خافيير سولانا منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي وقرار مجلس الأمن بأنها " حماية السفن المعرضة والردع ومنع وكبح أعمال القرصنة والسطو المسلح. ويأمل الاتحاد الأوروبي أن ينسق العمل مع الأساطيل التي تعمل في نفس المنطقة بما في ذلك الهند والاتحاد الروسي والولايات المتحدة الأميركية.

تعتبر العملية " يوناففور أتلانتا " أول عملية بحرية تقوم بها قوات الاتحاد الأوروبي مستقلة حيث عادة ما كانت الدول الأوروبية تفوم بعملياتها ضمن حلف شمال الأطلسي، كما كانت هناك مخاوف، بل ومعارضة، من الولايات المتحدة من تشكيل هيكل عسكري للاتحاد الأوروبي باعتبار أنه لا بد وأن يتعارض مع حلف شمال الأطلسي، وربما يبعد أوروبا عن الولايات المتحدة الأميركية وكندا، حيث فلسفة الحلف قائمة على وحدة ما بين ضفتي المحيط الأطلسي.

شكوك حول الفعالية

"
الفشل في أفغانستان واستهلاك القوات الأميركية جعل واشنطن تعجز عن تقديم قوات إلى منطقة خليج عدن وبحر العرب، والقبول بعمل عسكري للاتحاد الأوروبي هناك
"

وتحوم شكوك حول فعالية القوة الأوروبية باعتبار أن المساحة المكلفة بالعمل فيها كبيرة قدرتها بعض المصادر بأنها مليون كيلومتر مربع، وهناك المشاكل القانونية، حيث قد لا تستطيع بعض الدول المشاركة في القوة أن تقدم إلى المحاكمة من يجري القبض عليه من القراصنة، كما أن بعضها لا تستطيع أن تسلمهم إلى دولهم إذا كانت تنفذ عقوبة الإعدام، وتتحفظ ألمانيا حول احتمال الاشتباك بالقراصنة.

ورغم أن الأمر يبدو على أنه تعاون بين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وأنها تتم بموافقة الحلف إلا أنه يمثل سابقة بقيام الاتحاد الأوروبي بعملية بحرية مستقلا عن حلف شمال الأطلسي، حيث كثيرا ماعارضت الولايات المتحدة إنشاء هيكل عسكري متكامل للاتحاد الأوروبي باعتبار أنه سيشكل ازدواجية مع الحلف.

وقد لجأت الولايات المتحدة في أفغانستان إلى أن تزج بحلف شمال الأطلسي للعمل هناك تحت اسم "إيساف" (القوة الدولية للمساعدة الأمنية) رغم أنها موجودة بقواتها هناك، لكن الفشل في أفغانستان واستهلاك القوات الأميركية جعلها تعجز عن تقديم قوات إلى منطقة خليج عدن وبحر العرب، والقبول بعمل عسكري للاتحاد الأوروبي هناك.

وسيؤدي تنفيذ العملية "يوناففور أتلانتا" إلى تطوير العمل في الهيكل العسكري للاتحاد الأوروبي نحو مزيد من الاستقلالية، كما سيؤدي إلى أن تعتاد القوات الأوروبية الاعتماد على نفسها بعيدا عن التدخل الأميركي أو الاعتماد عليها، ومع الزمن، ومع ما تواجهه الولايات المتحدة من صعوبات في توفير قوات عسكرية لكل من أفغانستان والعراق مع توفير احتياطي لها.

ومع الأزمة الاقتصادية الحادة التي تواجهها، فإن من المحتمل أن تفقد الولايات المتحدة سيطرتها على الموقف في أوروبا، كما يمكن أن تؤدي إلى ضعف وربما اضمحلال حلف شمال الأطلسي، خاصة وأن الأزمة في القوقاز قد أبرزت الاختلاف داخل الحلف، وأوضحت ضعف القبضة الأميركية عليه.

تقويم قدرات عملية "يوناففور أتلانتا"
إن تقييم قدرات الاتحاد على مكافحة القرصنة لا بد وأن تقترن بتصور سير العملية، وهنا لا بد من إدراك أن أساس عملية القرصنة سياسي، وليس عسكريا، وأن من المهم العمل على أن تقوم حكومة مركزية في الصومال تستطيع أن تسيطر على مياهه وموانئه بحيث يفشل القراصنة في اقتياد السفن المخطوفة إلى مناطق أو موانئ آمنة، وهذه عملية سياسية تلعب القوة العسكرية دورا ثانويا فيها، كما أن الاتحاد الأوروبي بسياسته الخارجية لا يستطيع أن يلعب دورا مهما في هذا المجال.

أما من الناحية العسكرية فإن قوة الحلف التي تناقلتها الأنباء يمكن أن توحي بكبرها حيال مهمة الحراسة إذ يمكن القول بأن ست سفن سطح تستطيع أن تحرس إما ست سفن منفردة، أو ثلاث قوافل سفن صغيرة، أو قافلتي سفن كبيرتين، على ألا تقوم بمهام أخرى في نفس الوقت.

أما الردع فهو أمر مشكوك كثيرا في تحقيقه، حيث فشل في أغلب أحوال اللجوء إليه، ولا يمكن النصح بزيادة عدد ومكونات القوة لتحقيقه، فمهما زاد حجم القوة ستظل هناك فرصة لتحديها، وهنا لا بد أن تكون القوة قادرة على العمل، وألا تعتمد على أن الجانب الآخر ( القراصنة) سيدرك أن الخسائر التي يمكن أن يتكبدها ستكون أكبر من المكاسب التي يحققها من خلال استمراره في اعتراض السفن واحتجازها والسطو المسلح.

وهنا يجب ألا تقتصر الإمكانات على طائرات الداورية، وإنما يجب أن تمتد إلى الهليكوبتر المسلح والمقاتلات، وقد تترك مهام الداورية للطائرات بدون طيار، ويجب إضافة الزوارق السريعة، فالمهم في مكافحة القرصنة هو مساعدة السفينة قبل أن يفلح القراصنة في السيطرة عليها حيث يوضع حينئذ في الاعتبار الحفاظ على حياة أفراد السفينة المختطفين، وهو ما يحدث وفقا لبعض التقارير خلال خمس عشرة دقيقة، وهي فترة قصيرة لوصول وسيلة المكافحة وقدرتها على العمل وتصبح الطائرات أنسب.

كذلك من الواضح أن من الضروري أن تضع القوات أمامها احتمال أن تشتبك في قتال مع عناصر القراصنة، وأنهم يجب يشعروا بأنهم يمكن أن يواجهوا بالنيران دون خوف على السفينة والأطقم، حيث لن يستفيد القراصنة من السفينة في حال إصابتها أو تدميرها، أو إصابة أحد البحارة أو أكثر، بل إن المخاطر تزيد بدون عائد.

أما مهمة منع وكبح أعمال القرصنة والسطو المسلح وفقا لمنطوق سولانا وقرار مجلس الأمن فالمنع غير ممكن أما الكبح بمعنى تقليل الفرص فمحتمل، وأما الحماية فهي غير واضحة، وإذا كان المقصود هو إمداد السفن بالوسائل الفنية المساعدة على مكافحة القرصنة، والتدريب على مواجهة القراصنة فالأغلب أن هذه المهمة تخرج كثيرا عن إمكانيات قوات عملية "يوناففور أتلانتا"، وتحتاج إلى عمل من الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، خاصة في المناطق التي تكررت فيها أعمال القرصنة.

يبدو أن التفويض القانوني يمكن أن يحد من قدرة الاتحاد الأوروبي، فرغم أن التفويض صدر عن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن قبله، وأن القانون الدولي يفرض تقديم المساعدة إذ ينص على: "تتعاون جميع الدول بأقصى مدى ممكن في مكافحة القرصنة في أعالي البحار"، إلا أن بقاء دول الحلف كيانات مختلفة يجعل من الضروري مصادقة برلمان الدولة على ما يقوم به جنودها، وهو أمر أولا يستغرق زمنا ليس بالقصير، وثانيا مشكوك في موافقة البرلمانات الأوروبية عليه!

الآثار المحتملة على الأمن القومي العربي

"
حال الأمن القومي تزداد سوءا بعملية الاتحاد الأوروبي حيث يزداد الوجود العسكري الأجنبي، بل ويكتسب حقوقا أكثر، وفقا لقرارات مجلس الأمن رغم ما بها من تحفظات على اقتصار التفويضات على الحالة والزمن، لكن عادة ما يساء استخدامها
"

عند مناقشة أثر عملية الاتحاد الأوروبي على الأمن القومي العربي، لابد من أن نضع أولا في الاعتبار حال الأمن القومي العربي قبل بدء عملية " يوناففور أتلانتا " حتى يمكن تقدير أثرها، ثم كيف العمل لتلافي الآثار السلبية.

وهنا فإن الأمن القومي العربي يعاني من انتهاكه بواسطة كل من الولايات المتحدة وإسرائيل وإثيوبيا والقراصنة، كما أن إيران تشكل نوعا من التهديد للأمن القومي العربي، وأن بعض قطاعات الأمة العربية تتعرض فعلا للقتل والإصابة في العراق وفلسطين والصومال بأعداد كبيرة من القوات الأميركية في العراق والاحتلال الإسرائيلي في فلسطين والقوات الإثيوبية في الصومال.

بالإضافة لنسبة أقل على الحدود بين إسرائيل وباقي الدول المجاورة وخاصة سوريا ولبنان، كما تتعرض سوريا لانتهاكات وإصابات من جهة العراق، وإذا أضفنا ما يحدث في السودان وخاصة غربه وجنوبه، ثم أعمال القرصنة في منطقة القرن الأفريقي، وأن المنطقة تغص بالوجود العسكري الأجنبي بما فيه القواعد والتسهيلات العسكرية.

يمكن القول أن الأمن القومي ليس في حال طيبة، وأنه يمكن إما أن يزداد سوءا أو أن يصبح في حال أفضل.

يمكن القول بأن حال الأمن القومي تزداد سوءا بعملية الاتحاد الأوروبي حيث يزداد الوجود العسكري الأجنبي، بل ويكتسب حقوقا أكثر، وفقا لقرارات مجلس الأمن رغم ما بها من تحفظات على اقتصار التفويضات على الحالة والزمن، لكن التفويض يمنح حقوقا للدول (استخدام جميع الوسائل) عادة ما يساء استخدامها وينتظر بشكل خاص أن يساء استخدامها بالنسبة لكل من إيران واليمن والمقاومة الفلسطينية، كما يمكن استخدامها للضغط على إرادة دول عربية أخرى.

غياب الدول العربية عن مكافحة القرصنة
يصعب العثور على سبب مقنع لغياب الدول العربية باعتبار أنهم الأكثر تضررا من الحالة، لكن يمكن القول أنه التعلل بقلة الإمكانيات سواء الإمكانيات المادية، أوقلة الخبرة، لكن يبدو أن السبب الرئيسي هو فقدان الإرادة والثقة في النفس والقوات بواسطة أصحاب القرار.

وهنا يمكن أن نقول بأن مصر قد أبدت مؤخرا استعدادها للمشاركة في جهود المكافحة لكن في إطار الأمم المتحدة، إذ أعلن مجلس وزرائها أن مصر على استعداد للمشاركة في قوة دولية تعمل تحت مظلة الأمم المتحدة لحماية حركة النقل البحري التجارية في المياه القريبة من الساحل الصومالي.

وصرح وزير الدفاع المصري : "بأن القوات المسلحة المصرية مستعدة للقيام بمهمات محاربة القرصنة في أي وقت"، وطالبت المملكة العربية السعودية المجتمع الدولي بالتدخل، كما أن اليمن طالبت بالعمل العربي لتجنب تدويل المشكلة، وهذه هي حالات الدول العربية التي أبدت استعدادها في هذا المجال على سبيل الحصر.

"
يصعب العثور على سبب مقنع لغياب الدول العربية في مكافحة القرصنة، لكن يمكن القول أنه التعلل بقلة الإمكانيات سواء الإمكانيات المادية أوقلة الخبرة، أوقلة الخبرة، ويبدو أن السبب الرئيسي هو فقدان الإرادة والثقة في النفس والقوات من جانب أصحاب القرار
"

لا شك أن ما قدمته الدول الأوروبية لا يزيد عن قدرات الدول العربية، بل إن الدول العربية بوجودها على الأرض أقدر من الدول الأوروبية، فالفرقاطة السويدية أو البريطانية أو غيرها لن تزيد عن قدرات مثيلتها العربية المصرية أو السعودية بينما السفن أو الطائرات العربية أقرب.

وتمتلك الدول العربية كثيرا من الزوارق السريعة والهليكوبتر المسلح، ويمكن بالتعاون فيما بينها استغلال مطارات وقواعد في الجزر التابعة في خليج عدن، كما أن عملية الاتحاد الأوروبي ستكون في حاجة إلى تعاون عربي، كما يمكن للعرب التعاون مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، لكن بعد أن يشكلوا عملا مشتركا يحققون به مصالحهم، ويبدؤون في إرساء قواعد أمنهم، ويكتسبون خبرات تنقصهم.

والحقيقة أنه ليس من المفهوم السبب الذي يدعو الدول العربية إلى التقاعس في تحمل المسؤولية وانتظار عمل المنظمات الإقليمية والدولية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.