الهجرة المعاكسة.. كابوس الساسة الإسرائيليين


undefined
بقلم/ أسامة عبد الحكيم

– أسباب الهجرة المعاكسة
– أعداد المهاجرين
– إلى أين يهاجرون؟
– الساسة الإسرائيليون والهجرة المعاكسة

تشكل ظاهرة الهجرة المعاكسة من دولة إسرائيل كابوسا حقيقيا للساسة الإسرائيليين ودوائر صنع القرار فيها.

وما يثير قلق أولئك الساسة هو حقيقة الأرقام التي وردت في دراسة أعدها المؤتمر اليهودي العالمي ونشرها يوم 25 ديسمبر/ كانون الأول 2003، حيث جاء فيها أن 70% من الإسرائيليين يقولون إنه لو توفرت لهم الإمكانيات لغادروا إسرائيل على الفور، في ما أعرب 68% عن أملهم بالحصول على جنسية دولة أخرى، أما 73% فقالوا إنه لا مستقبل لأطفالهم وأبنائهم الشباب في تلك الدولة.

كما يثير عامل التوزيع السكاني قلق هذه الدوائر، إذ يجمع الخبراء المختصون على أن عدد السكان الفلسطينيين في المناطق المحتلة سيتساوى مع عدد اليهود خلال العقد القادم.

من هنا يشعر المسؤولون الإسرائيليون بالقلق الشديد من ظاهرة الهجرة المعاكسة، الأمر الذي دعا رئيس الوزراء السابق إسحق رابين لوصف المهاجرين من إسرائيل بأنهم "أحقر أنواع الطفيليات".

وهناك عامل آخر يتمثل في أن المهاجرين هم أساسا من فئة الشباب (25–42 سنة) وأن غالبيتهم العظمى من حملة الشهادات الجامعية.


الانتفاضة وما يرافقها من عمليات عسكرية بين الحين والآخر زرعت الخوف في نفوس الصهاينة

أسباب الهجرة المعاكسة
يعتبر انعدام الأمن هو السبب الرئيس لهجرة آلاف الإسرائيليين إلى الخارج، فحالة اللاسلم واللاحرب التي يعيشها الكيان الصهيوني جعلت الكثير من اليهود يعيشون في حالة قلق مستمر. كما تعتبر الانتفاضة الشعبية الفلسطينية المستمرة منذ سنوات وما أفرزته من نتائج على أرض الواقع سببا مباشرا لهجرة الإسرائيليين ودفع الآخرين للتفكير بشكل جدي بذلك.

وزرعت الانتفاضة وما يرافقها من عمليات عسكرية تحدث بين الحين والآخر الخوف في نفوس الصهاينة. وجاءت عمليات اقتحام بعض المستوطنات لتزيد هذا الخوف، إذ شعر المستوطنون بأنهم مستهدفون حتى في ملاجئهم. علما بأن فكرة إقامة دولة إسرائيل جاءت أساسا لحماية اليهود، ومن ثم فإن عجز الحكومة الإسرائيلية عن حماية مواطنيها أجبر البعض على البحث عن مكان أكثر أمنا.

ويعاني الاقتصاد الإسرائيلي ركودا هو الأسوأ منذ قيام دولة إسرائيل. وأدى هذا الركود إلى إغلاق 55 ألف مؤسسة اقتصادية وارتفاع معدلات البطالة التي وصلت إلى أعلى نسبة لها (10.8%) فانخفض معدل دخل الفرد السنوي من 18 ألف دولار إلى 15 ألفا. وانخفضت الميزانية وسجلت عجزا بلغ في الربع الأول من هذا العام 4% من الناتج القومي، فتقلصت الخدمات الحكومية وتم وتسريح آلاف الموظفين.

وأسهمت خطط الحكومة الإسرائيلية التقشفية وانخفاض قيمة المساعدات الاجتماعية ومعاشات التقاعد في دفع العديد من الإسرائيليين للهجرة.

ولم يعد سوق العمل في الأراضي المحتلة يلبي حاجة المهاجرين الجدد. فغالبية هؤلاء المهاجرين من ذوي التخصصات العلمية والفنية، ومنهم أعداد كبيرة من ذوي التخصصات النادرة. لكن أزمة اللغة ومعادلة الشهادات حالتا دون ممارسة هؤلاء لتخصصاتهم العلمية واضطر الكثير من هؤلاء للقيام بأعمال وضيعة تتنافى ومستوياتهم العلمية، الأمر الذي حملهم على العودة إلى البلدان التي قدموا منها. وعانى المهاجرون الأرجنتينيون المشكلة نفسها وهم الذين هاجروا للبحث عن مستقبل أفضل بعد الأزمة الاقتصادية الشهيرة التي حلت ببلادهم، لذلك عاد أكثر هؤلاء أدراجهم من حيث أتوا.

كما دفع حرص إسرائيل على زيادة عدد سكانها إلى قبول هجرة ما يقارب 250 ألف شخص من غير اليهود . وهناك عشرات الآلاف من الذين يشك في يهوديتهم.

وبما أن قانون "من هو اليهودي" لم يتم إقراره بعد، فإن هؤلاء المشكوك في يهوديتهم محرومون من كثير من الامتيازات، حتى إن بعض الوظائف محرمة عليهم. ويعاني هؤلاء المواطنون شبه المنبوذين من عنصرية وفوقية المتدينين الإسرائيليين الذين يعتبرونهم دخلاء على المجتمع الإسرائيلي.

هذه النظرة دعت المهاجرين الروس وهم أكبر جالية مهاجرة إلى القول "إنهم غادروا روسيا كيهود لكنهم دخلوا إسرائيل كروس".

وفي الوقت الذي يسير فيه المجتمع الإسرائيلي نحو التدين واليمينية، يشعر العلمانيون من ذوي الخلفية الشيوعية بأنهم يعيشون في بيئة غير التي اعتادوا عليها. ويطبق المتدينون اليهود مفهوم المواطن والوافد، ويفرقون بين اليهودي الشرقي واليهودي الغربي، ويحاولون فرض آرائهم المتطرفة على الآخرين، ما يعزز الشرخ العنصري والفكري والسياسي والديني، وهذا أمر لا يحتمله البعض فيدفعه إلى العودة من حيث أتى.


الحكومة الإسرائيلية تتعمد لغايات ليست خافية على أحد إخفاء الأرقام الحقيقية للمهاجرين من إسرائيل عن عامة الشعب

أعداد المهاجرين
تعتبر الحكومة الإسرائيلية أن المهاجر نهائيا هو المواطن الذي يغادر إسرائيل لأي سبب كان ولا يعود ولو لمرة واحدة خلال أربع سنوات. وهنا يتساءل المراقبون ما العدد الحقيقي لهؤلاء المهاجرين؟

وتقدر مصادر وزارة الهجرة والاستيعاب الإسرائيلية عدد المهاجرين المقيمين في الخارج بصورة نهائية حتى العام 2003 بما يناهز 760 ألفا، علما بأن عدد هؤلاء المهاجرين كان قد بلغ 550 عام 2000. هذا يعني أن 210 آلاف قد غادروا نهائيا خلال السنوات الثلاث الأخيرة فقط. ورغم صدور هذه الأرقام عن مصدر حكومي إلا أنها موضع شك، إذ تشير المصادر الإسرائيلية نفسها إلى أن هذا العدد تقريبي، ويعتمد أساسا على المعلومات التي ترسلها السفارات والقنصليات الإسرائيلية في الخارج.

من جهتها نشرت جريدة هآرتس الصادرة بتاريخ 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2003 أن الأرقام الحقيقية للهجرة في السنوات الثلاث الماضية هي ضعف الرقم المعلن وتبلغ 420 ألفا.

بدورها أشارت مجلة The Washington Report On The Middle East في عددها الصادر في مارس/ آذار الماضي إلى أن عدد الإسرائيليين الذين يعيشون في الولايات المتحدة يبلغ 1.2 مليون نسمة. وتابعت المجلة أن نسبة الإسرائيليين الذين هاجروا إليها فقط هي 60% من إجمالي المهاجرين، وهكذا يكون العدد الإجمالي للإسرائيليين الذي غادروا إسرائيل نهائيا مليوني نسمة. وتتعمد الحكومة الإسرائيلية لغايات ليست خافية على أحد إخفاء الأرقام الحقيقية عن عامة الشعب.

إلى أين يهاجرون؟
يفضل 60% من المهاجرين الإسرائيليين الانتقال إلى أميركا الشمالية، في حين يختار 25% منهم الدول الأوروبية و15% يختارون الاستقرار في أماكن أخرى.

ووفق إحصاءات وزارة الهجرة والاستيعاب الإسرائيلية فإن 500 ألف مهاجر استقروا في الولايات المتحدة و70 ألفا في كندا و40 ألفا في فرنسا و20 ألفا في أستراليا و16 ألفا في جنوب أفريقيا و10 آلاف في هولندا. وهناك جاليات إسرائيلية أقل عددا في السويد وساحل العاج وأنغولا والصين وفيتنام.

وباستثناء فرنسا وهولندا لا تشمل الإحصاءات عدد الإسرائيليين الذين استقروا في أوروبا أو الذين عادوا إلى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق (68 ألفا إلى روسيا و5 آلاف إلى أوكرانيا).

وتشهد سفارات تشيكيا وبولندا والمجر وألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية ازدحاما شديدا على أبوابها من قبل مواطنين إسرائيليين يرغبون في الهجرة إليها أو يحاولون استعادة جنسيات آبائهم وأجدادهم الذين هاجروا من تلك الدول، ما يسهل عليهم السفر إليها إذا دعت الحاجة.

الساسة الإسرائيليون والهجرة المعاكسة


في ظل انعدام أي ضمانات بحياة آمنة ومستقرة تبقى نار الغرب بالنسبة للمهاجرين من إسرائيل أفضل من جنة تلك الدولة

يختلف الزعماء الإسرائيليون في تقييمهم لظاهرة الهجرة المعاكسة، إذ يحمل أقطاب المعارضة الحكومة مسؤولية هذه الظاهرة.

فقد نقل عن يوسي بيلين قوله إن سياسة الحكومة إزاء الفلسطينيين "أدت إلى إجبار أفضل سكان إسرائيل وأذكاهم للهجرة منها، كما منعت من هو خارجها من العودة مرة أخرى".

في حين أعرب أوفير باز -أحد قادة حزب العمل وعضو الكنيست- عن اعتقاده بأن سياسة الحكومة الخاطئة هي التي تؤدي للهجرة من "الوطن".

من جهتها تعمل الحكومة على الحد من هذه الظاهرة مستخدمة أساليب الترغيب والترهيب وتعمل على تشجيع هجرة اليهود إلى إسرائيل.

وفي وقت اقترح فيه وزير المالية بنيامين نتنياهو فرض غرامات على الإسرائيليين عن كل يوم يقضونه خارج إسرائيل وحرمان كل من يقضي سنتين أو أكثر خارج الحدود من أي مساعدة مادية، أعربت الحكومة عن رغبتها في تقديم عون مادي –رغم أزمتها المالية الخانقة- لكل من يرغب في العودة من جديد.

وأرسلت وزارة الخارجية إلى السفارات والقنصليات الإسرائيلية في الخارج تعليمات بعرض فرص عمل على الراغبين في العودة وتأمين مساكن مدعومة حكوميا.

ويضع رئيس الوزراء أرييل شارون موضوع تشجيع هجرة اليهود على رأس سلم أولويات حكومته ويعتبره هدف إسرائيل الإستراتيجي خلال العقد القادم، كما صرح لصحيفة جيروزاليم بوست نهاية مايو/ أيار 2003.

وكان شارون قد حاول بزيارته لروسيا في سبتمبر/ أيلول 2002 تسهيل هجرة مليون يهودي روسي جديد إلى إسرائيل. كما خاطب شارون وفدا يضم عددا من زعماء اليهود الأميركان زار الأرض المحتلة في يناير/ كانون الثاني الماضي قائلا لهم "إننا بحاجة إليكم"، وكان يقصد دعوتهم ومن يمثلون للهجرة والاستقرار في إسرائيل. من جهته حث وزير الخارجية سيلفان شالوم يهود الهند وإثيوبيا أثناء زيارته لهما بداية هذا العام على القدوم لأرض الميعاد.

ودعا ميخائيل جانكوليتز الناطق باسم الوكالة اليهودية المسؤولة عن إحضار اليهود إلى فلسطين المحتلة الحكومة الإسرائيلية لإيجاد حل سلمي في المنطقة، واعتبر أن ذلك غاية في الأهمية لأنه السبيل الوحيد لتشجيع اليهود على القدوم والاستقرار في "أرض الآباء والأجداد".

المهاجرون من إسرائيل يعتبرون أن أمنهم وسلامتهم ودمهم وأفراد عائلاتهم أغلى من كل ما تقدمه الحكومة وتعد بتقديمه، لذلك وفي ظل انعدام أي ضمانات بحياة آمنة ومستقرة تبقى نار الغرب بالنسبة لهم أفضل من جنة إسرائيل.
ــــــــــــــــــ
كاتب فلسطيني

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.