لماذا الحرب؟.. هكذا يقرأ الأطفال أسباب الصراعات ونتائجها
يرى الاستشاري التربوي والنفسي خليل زيود أن قراءة الأطفال ما يرونه عبر نشرات الأخبار ومواقع التواصل ليست هينة ولا عادية ولا تمر مرور الكرام على عيونهم
عمّان- "خبر عاجل.. مشاهد ومقاطع فيديو بدء الحرب تبث عبر القنوات الفضائية، صواريخ وطائرات حربية، تعابير الخوف على وجوه أمهات وآباء وأطفال.." أشبه بشريط سينمائي "قاتم اللون" حول حرب روسيا على أوكرانيا يمر على مرأى ومسمع الأطفال هذه الأيام، فكيف يقرؤونها؟ وما هي ردود أفعالهم جراء ذلك؟
يثير ما يراه أو يقرؤه الطفل حول حرب روسيا على أوكرانيا عبر نشرات الأخبار أو من خلال تصفحه مواقع التواصل الاجتماعي اهتمامه، وهذا الاهتمام مختلف بحسب عمره ونشأته.
الحرب تثير تساؤلات الطفل
قد يلجأ الطفل إلى والديه للاستفسار عن الأمر، أو قد يبحث عن المعلومة بمفرده بواسطة الأجهزة التكنولوجية، وحينها يبدأ بالتحليل أو النقد أو المناقشة في الجلسات التي تتخللها نقاشات الحرب، سواء مع عائلته أو برفقة أصدقائه في المدرسة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsأوكرانيات وروسيات في لبنان.. هل تدوم الصداقة مع استمرار الحرب؟
تستقطب ملايين السياح على مدار العام.. ماذا تعرف عن أوكرانيا؟
فتاة أوكرانية تغني للحرية في مترو العاصمة كييف
ومن هؤلاء الأطفال حسن أيمن (14 عاما) الذي واظب على تتبع آخر تطورات الحرب منذ إعلانها، اذ فاجأ والدته بكم المعلومات التي بحث عنها عبر المواقع الإلكترونية.
دار حوار مطول بين حسن ووالدته تخللته استفسارات تدور في ذهنه، ومنها: كيف سيدافع الأهالي عن أطفالهم؟ هل سنتأثر بهذه الحرب؟ ماذا تعني حرب عالمية ثالثة؟
تقول أم حسن "حاولت تبديد مخاوف طفلي عندما شعرت بقلقه وعدم شعوره بالأمان مما يراه ويسمعه، وتطرقنا للحديث عن الحربين العالميتين الأولى والثانية، كما بينت له أن بعض ما يبث أو يروج له ليس دائما كل الحقيقة".
الطفلة سمر خالد (9 سنوات) شعرت بالخوف من كلمة الحرب التي قرأتها على شاشة التلفاز، وتوجهت لوالديها بالسؤال: "كيف سينام الصغار؟ هل سيموت جميع الأطفال؟ لماذا هذه الحرب؟ من سيفوز بها؟.."، وجميعها أسئلة بريئة تنقل قلق الطفل جراء ما يراه من أحداث.
متى يبدأ الطفل التحليل؟
تقول الاختصاصية النفسية لطب الأطفال الدكتورة أسماء طوقان إن الطفل يبدأ في تحليل ما يشاهده أو يسمعه بعمر 5 سنوات، وفي العادة من أكثر الأمور التي تجذب انتباه الأطفال في وسائل الإعلام مشاهد العنف والدمار والصراخ والبكاء (الحروب)، والتي يفضل عدم السماح لهم بمشاهدتها لما لها من تأثير سلبي على الجانب النفسي لهم.
وأضافت طوقان أن الطفل قد يصاب بالقلق والهلع من بعض المشاهد التي يراها، وقد تبقى عالقة في مخيلته، والتي تجعله يفقد الشعور بالأمان، وهي من الحاجات الأساسية له، مما قد يؤدي إلى اضطرابات في النوم، مثل: الكوابيس، النوم المتقطع، وجود اضطرابات في الأكل والمزاج، التبول اللاإرادي وقضم الأظافر، وقد تحفز الطفل على السلوك العدواني، مما يجعله أقل تعاطفا مع معاناة الآخرين لاعتياده على رؤية هذه المشاهد.
التوضيح المبسط للطفل
وتضيف الدكتورة طوقان أن مشاهد العنف الحقيقي الذي تحدث في العالم ويشاهدها الأطفال قد تتحول إلى أشياء عادية كما هي في الأفلام الكرتونية أو الألعاب الإلكترونية، فيعتادون عليها ويتقبلونها بدلا من رفضها وإدانتها، إذ إن مرحلة الطفولة تعتبر مرحلة مهمة لاكتساب العادات السلوكية والاجتماعية، لما لها من تأثير كبير في تكوين شخصية الطفل مستقبلا.
وتوصي الخبيرة الأهل دائما بمراعاة ما يتحدثون به أمام أطفالهم ومراقبة ما يتابعونه، والتوضيح المبسط لهم بطريقة مناسبة لأعمارهم والإجابة عن جميع استفساراتهم وعدم تجاهلها، ويمكن توضيح معنى الحرب للأطفال من خلال الدمى أو السرد القصصي، وتجنب شرح جميع الحقائق والتفاصيل السيئة لهم.
وعلى الأهل أيضا ملاحظة وجود أي تغيرات فجائية نفسية أو سلوكية على الطفل وعدم تجاهلها أو الاستخفاف بها إن استمرت لديه لأكثر من أسبوعين، وعرضه على الطبيب النفسي أو المعالج النفسي، وفق طوقان.
كيف يقرأ الطفل نشرات الأخبار؟
بدوره، يرى الاستشاري التربوي والنفسي خليل زيود أن قراءة الأطفال ما يرونه عبر نشرات الأخبار ومواقع التواصل ليست هينة ولا عادية ولا تمر مرور الكرام على عيونهم، ففي البداية يجد الأهل تساؤلات من قبل أبنائهم عن هذه المشاهد أو الصور، لكن تكرار النظر والتعرض لهذه المشاهد والأحداث سيؤدي بالطفل إلى أن يطرح أسئلته، إما بينه وبين نفسه أو على أهله، أو وفق عمره أو وفق المساحة النفسية الموجودة بين الطفل وعائلته بشكل عام.
ما دور الأهل؟
يوضح زيود أن دور الأهل في هذا المشهد هو الصدق، لأن الحدث المؤلم أو المزعج في الشاشة أو على مواقع التواصل قد نستطيع أن نقدم له إجابة غير حقيقية أو غير واقعية، ولكن مع الأيام سيفهم الطفل الحادثة، لكن لن ينسى أن هناك أبا أو أما أو معلما أعطاه إجابة كاذبة.
ويتابع "وعليه، نحدثه بحسب مستوى فكره وعمره، في الحرب ظالم ومظلوم، فيجب أن يكون الطفل متلقيا لهذه المشاهد بصدق".
ويضيف أن دماغ الطفل أو دماغ الإنسان بشكل عام يتحرك بالواقع من خلال مجموعة من المعتقدات الرئيسية ومن الأفكار التلقائية، المعتقدات الرئيسية هي التي ترسخ في أجهزتنا العصبية وفي إدراكنا مما تربينا عليه، والأفكار التلقائية هي التي تغرف من المعتقدات الرئيسية وتسيرنا في حياتنا، بمنتهى البساطة هو "الوضوح".
ويقول زيود "إذا أردنا أن ننشئ جيلا متصالحا مع نفسه قادرا على التعامل مع هذه المتغيرات المخيفة عبر العالم يجب علينا أن نوضح له بشكل واضح وصريح المعلومة الحقيقية باستخدام الألفاظ المخففة غير المؤذية".
الطفل يتأثر برود فعل الأهل
من جانبها، تعلق الاستشارية الأسرية التربوية الدكتورة أمل بورشك بقولها "كل طفل يتأثر بما يشاهده ويستمع له حسب عمره ووفقا لردود فعل أهله التي يتأثر بها من حوله، لذا لا ضير في التحري عن مصدر معرفته وما الذي تأثر به، ومحاولة توضيح أن الحرب قد تكون مصدرا للمساعدة وإحقاق الحقوق الإنسانية، وقد تكون سببا للحفاظ على الوطن".
نصائح تربوية
وتنصح الدكتورة بورشك الوالدين قائلة: استمعا جيدا لطفلكما، وحاولا غرس أفضل القيم الإنسانية لديه وتعزيز التسامح والتفكر في ما شاهده، لمعرفة موقع البلد على الخارطة والوقوف على الثروات التي فيها، لتغير دفة الكلام إلى معرفة أسباب المطامع الدولية.
وقد يتأثر بعض الأطفال -خاصة ذوي التحسس- بظهور سلوكيات تشير إلى العنف والاحتقان أو تغير شديد في أمزجتهم، مما يغرس الخوف في نفوسهم، وهنا ذكّرهم بما حوله من أمان.
وتوضح "يمكن للأهل اعتبارها فرصة لتصحيح أفكار الطفل بما يتناسب مع عمره، وإبراز المواقف الإنسانية التي ترافق الحرب، وأيضا حواره وحسن الاستماع له، والإنصات قدر الإمكان لما يقول ليفرغ طاقاته، إلى جانب التعرف على مصدر معلوماته".