وفاة إيفيلين بوريه.. قرية تونس تودع السويسرية التي حلمت بالجنسية المصرية

السويسرية إيفلين توصف بأنها نهر العطاء وقد عاشت 45 عاما في مصر وكانت تحلم بالجنسية المصرية

رحيل السيدة إيفيلين بوريه (مواقع التواصل الاجتماعي)

"من يشرب من نيل مصر يعود لها"، هكذا تقول الحكمة التي يرددها المصريون مرارا؛ دلالة على ارتباط العالم بأرض مصر وحضارتها، لكن إيفلين بوريه كانت التجسيد الحي على صدق هذه المقولة، إلا أنها لم تغادر مصر من الأساس لكي تعود إليها؛ فهي منذ وطأت قدمها أرض الفيوم -قبل 45 عام- قررت ألا تفارقها، وبقيت في قرية تونس حتى وافتها المنية وصعدت روحها إلى بارئها في أول أيام يونيو/حزيران الجاري.

الاسم يبدو غامضا للكثيرين، لا يعرفون ماهية السيدة الأجنبية التي ودت لو كانت مصرية، فكان لها ما أرادت.

هي امرأة سويسرية تزوجت من الشاعر المصري سيد حجاب الذي عرف بمصريته الشديدة في كلمات أغانيه ودواوينه. جاءت إلى مصر في زيارتها الأولى مع والدها القس السويسري، وكانت من بين المعالم السياحية التي زارتها مدينة الفيوم التي انبهرت بها وبالخضرة والمناظر الطبيعية في المدينة القديمة.

وكان من المتوقع أن تعود إيفلين إلى سويسرا بعد انتهاء إجازتها السياحية، لكنها استمرت وتزوجت حجاب، واشترت قطعة أرض في قرية تونس، ثم بنت عليها بيتا، ليصبح منارة لأهل القرية الذين علمتهم السيدة الأجنبية ما لم يكونوا يعلمون.

عاشت إيفلين في القرية مثلما يعيش أهلها، لم تأنف من "لمبة الجاز"، ولم تتذمر على المياه التي تأتيها من "الطلمبة"، وبعد 10 سنوات من حياتها بقرية تونس؛ نظمت أول معرض لمنتجاتها من الخزف، والذي كان تشكيله هوايتها الأثيرة، وكان المعرض سببا في أن تجد قرية تونس بالفيوم موقعا على خريطة الاهتمام من المسؤولين المصريين، فعرف أهلها معنى أن يوجد في كل منزل صنبور للمياه، ولمبة كهرباء.

الطين معشوق أطفال "تونس" ومرحهم الوحيد، في ظل نقص الإمكانيات، فقط أرض طينية ووحل يمرحون به ويشكلون أشكالا مختلفة يلهون بها؛ كان هذا هو نقطة البداية التي انطلقت منها مدرسة إيفلين التي وصفها أهل قرية تونس بأنها "المرأة التي وراء كل شيء"، بعد أن بدأت تعلمهم تشكيل الطين وتكوين الفخار، وأصبح كل بيت في تونس له مصدر دخل من معرض القرية السنوي الذي اشتهر عالميا، وأصبح مزارا سياحيا يقصده الفنانون والمبدعون من كافة أنحاء العالم كل عام، بسبب إيفلين تغيرت أحوال تونس وأهلها، فصارت القرية تنافس عالميا على مستويات الجذب السياحي، والحفاظ على البيئة، والتنمية المجتمعية.

رغم طلاق إيفلين من زوجها سيد حجاب، إلا أنها استمرت في العيش بتونس في الفيوم، حتى حصلت على الجنسية المصرية بعد "ثورة يناير"، وأنهى وزير الداخلية مجدي عبد الغفار إجراءات تجنيسها بنفسه.

صارت إيفلين علما من أعلام الفيوم، تأتيها وكالات الأنباء والصحف العالمية لإجراء حوارات معها، وتُقدّم لهم فناني القرية كبديل عنها، قائلة إن إجراء الحوارات الصحفية مجهود شاق، ووقت طويل، الأفضل أن أقضي ذلك في العمل، وأن يعرف العالم أصحاب الفن الحقيقيين.

نعى أهالي قرية "تونس" السيدةَ السويسرية التي صارت مصرية أكثر منهم، والتي أوصت أن تدفن بمصر، فقرر أهل القرية دفنها وسط مدافنهم في "الأرية الثانية"؛ حيث تنتهي مسيرة "المرأة التي وراء كل شيء".

المصدر : الجزيرة