العلاج لترميم صحتهن النفسية.. نساء يواجهن الصدمة بعد النجاة من انفجار بيروت

سارة الرفاعي تقول إنه لم تعد على حالها كما الأول، فالصدمة كانت أكبر مما تخيلتها (الجزيرة)

تتذكر سارة الرفاعي بألم وحزن لحظة انفجار مرفأ بيروت فتقول "كنت جالسة مع ابني وحدنا في المنزل ننتظر مجيء زوجي، فدوى الانفجار المرعب ودمر أجزاء من البيت والنوافذ والزجاج تحطم تماما، وشعرت بأني قفزت من مكاني وأنا أحتضن ابني وأخبئ رأسه في صدري خشية أن يصاب، وهو تجمد لثوان ولم يقو على التحرك صارخا ماما ماما..".

إنها واحدة من حكايات بيروت الموجوعة تصور ما حدث لأطفالها ونسائها لحظة الانفجار، رسالة مفادها أن كل شيء قد ينقلب في لحظة، وأن الفرح قد يصبح حزنا مدى الحياة.

ففي الوقت الذي لا تزال فيه بيروت المنكوبة تحصي خسائرها البشرية والمادية الناجمة عن انفجار المرفأ في 4 أغسطس/آب الجاري، تظهر روايات حول نجاة أشخاص بحياتهم أو حياة أقربائهم، فلكل لبناني قصة جديرة بالإصغاء لها.

سارة الرفاعي: لحظات لا توصف، نعم، أشكر الله أننا لم نفقد بعضنا (الجزيرة)

الصدمة كانت أكبر مما تخيلنا

وتشرح سارة الرفاعي للجزيرة نت أنها لم تستوعب للحظات ما حصل، "نعم، نجينا بأعجوبة والحمد لله، زوجي أصيب برضوض بسيطة فقط، لكننا لم نعد على حالنا كما الأول، الصدمة كانت أكبر مما تخيلنا".

الآثار النفسية التي بقيت كانت أقوى منها، فما زالت تشعر بتشنج وأرق وخوف ينتابها كلما سمعت صوتا قويا، كما أنها تنهار بالبكاء عندما تكون في غرفتها حتى لا يشاهدها ابنها على هذه الحال، وتسعى أيضا إلى تهدئته لإبعاد لحظات الرعب التي عاشها، "إنها لحظات لا توصف، نعم، أشكر الله أننا لم نتضرر جسديا ولم نفقد بعضنا"، تقول سارة.

وتشرح بحسرة أن الجرح الأكبر هو جرح الوطن، وتصغر المصائب التي يمكن تعويضها والخسائر المادية أمام خسارة الأرواح وأولئك الذين فقدوا أحبتهم. وفي حين نستعمل العبارات لوصف حادثة ما، لا تجد الكلمات معناها مثل ما تراه العين ويشعر به القلب.

وتلفت سارة "واجهنا الكثير من الأزمات ولكننا تعبنا، خسائر الأرواح لا تعوض، نطلب من الله الرحمة لها والسلوان لأهلها، وخسائر أخرى اقتصرت على الماديات ولكنها أخذت ثمرة تعب العمر وجناه، علينا أن ندعو الله لأجل المتألمين والمفجوعين والمصابين على أمل أن يشفى لبنان وتنتصر الحياة".

كاتيا الفوعاني: ما زلت تحت تأثير الصدمة غير مدركة ما حدث لي إن كان كابوسا أم حقيقة؟! (الفرنسية)

لحظات مرعبة جدا لن تنسى

ولا تزال كاتيا الفوعاني بحالة صدمة ولا تعلم ما حصل معها بالتحديد، وتحاول تذكر ما حدث لها في تلك اللحظة فتقول: "شعرت وكأنني في كابوس، استيقظت من الغيبوبة بعد نحو ساعة في المستشفى حيث تمت خياطة جرح في جبيني، كان الدم يغطي جسدي والرضوض واضحة، وفهمت أن وجهي ارتطم بالدرابزين وفقدت الوعي، وقام بمساعدتي أحد الموجودين بالمبنى".

عندما عادت كاتيا لبيتها وجدت كل ما حولها محطما، فهي من سكان الأشرفية، وتعيش بمفردها بالقرب من عملها في مهنة التسويق والإعلانات، وتقول عن شعورها حاليا "لا يمكن وصفه فما زلت بحالة ارتباك وقلق وهلع، ما زلت تحت تأثير الصدمة غير مدركة ما حدث لي إن كان كابوسا أم  حقيقة؟".

وتتابع "باختصار ما زلت بحالة ذهول وخوف مما حدث، فما حصل فاجعة كبيرة تركت الجميع في حالة ضياع بسبب ما خلّفته من دمار وتهجير وتشريد وجرحى وشهداء. إنها لحظات مرعبة جدا لن تنسى".

انفجار بيروت
استعادة ذكريات الحادث المؤلمة بعد حدث صادم مثل انفجار بيروت أمر طبيعي (رويترز)

عوارض ذكريات الانفجار المؤلم

من الطبيعي بعد حدث صادم مثل انفجار بيروت أن يشعر الفرد بعوارض نفسية مزعجة، منها مزاج سيئ، واضطراب الأكل والنوم، وأوجاع جسدية، وكذلك شعور بالجمود، والتشنج، والحزن، والقلق، والأرق، فضلا عن الغضب وسرعة الانفعال، والخوف من تكرار الحادثة وغيرها من العوارض، كما تشرح ريان البدوي النجار اختصاصية الصحة النفسية للجزيرة نت.

وتلفت إلى "استعادة ذكريات الحادث المؤلمة، وربما إحساس الشخص بالخجل الزائد بسبب البقاء على قيد الحياة أو الذنب لعدم قدرته على إنقاذ الغير أو عدم إشغال الشخص المفقود بحديث ما قبل خروجه من المنزل وبالتالي حمايته من الانفجار".

ورغم أن بعض هذه العوارض هي عوارض اضطراب الاكتئاب أو الحداد أو اضطراب ما بعد الصدمة، فإنه لا يمكن إعطاء أي تشخيص في الوقت الحالي إلا في حال استمرت هذه العوارض لفترة شهر على الأقل، بحسب قول الاختصاصية ريان.

اختصاصية الصحة النفسية ريان البدوي النجار: يجب تقديم الدعم والعلاج النفسي للنساء المتضررات (الجزيرة)

العلاج النفسي لنساء بيروت

بعد صدمة انفجار بيروت من الطبيعي أن تشعر المرأة بهذه العوارض. وبعضها تكون بمثابة آلية دفاعية للبقاء على قيد الحياة وللاستمرارية والقيام بالواجبات اليومية كالاهتمام بالأطفال واحتياجاتهم.

وتشير الاختصاصية ريان إلى أن كل امرأة تختبر عوارض مختلفة عن الأخرى، فهناك من قد تشعر بخوف، وتوتر، واضطراب النوم، وكذلك كوابيس، وخوف عند سماع أي صوت. وأخريات يختبرن عوارض مختلفة كاسترجاع صور الانفجار، وصوت الانفجار، وعدم الرغبة بالكلام، والخوف من خسارة أحد أفراد العائلة فتمنعهم من الخروج خوفا عليهم أو تتفقدهم باستمرار.

كما تظهر معاناة السيدات والأمهات اللواتي فقدن أحد أفراد العائلة كالأب أو الزوج أو الابن، وهو السند والدعم والأمان لدى غالبية الأسر. ومع فقدانه تفتقد الأسرة والمرأة هذا الدور ويقع على عاتقها هذا الدور خاصة في حال أصبحت هي المعيل الوحيد لعائلتها، ولهذا يصبحن في خوف من فقدان أي فرد آخر من العائلة خاصة الذكور، كما تقول الاختصاصية ريان.

الباحثة الأميركية بولين بوس Pauline Boss
بولين بوس: السيدات اللواتي لم يعرفن مصير أحبائهن يعشن حالة "الخسارة الغامضة" (مواقع التواصل)

نساء يعشن "الخسارة الغامضة"

وتتابع ريان "هناك بعض السيدات اللواتي ما زلن بانتظار معرفة مصير أحبائهن الذين لا يوجد معلومات عنهم إن كانوا على قيد الحياة أو توفوا. فهن يعشن حالة "الخسارة الغامضة" (Ambiguous Loss)، كما تسميه الباحثة بولين بوس (Pauline Boss) وهي باحثة أميركية رائدة في ما يُعرف الآن بنظرية الخسارة الغامضة".

فحتى هذه الساعة لا أخبار مؤكدة عن مصير من فقدن، لذلك فإن هؤلاء السيدات يصعب عليهن المرور بمراحل الحداد ويعشن على أمل عودة هؤلاء الأشخاص المفقودين.

نصائح للنساء لتجاوز الصدمة

وتؤكد الاختصاصية ريان أنه من المهم جدا "إخبار المرأة أن ما تشعر به أمر طبيعي جدا في هذه المرحلة، واحترام رغبتها في عدم الكلام أو الإصغاء لنا، مع أهمية الإصغاء لها إذا أرادت الكلام والتحدث عن المشاعر التي تمر بها، أو إعادة ذكر تفاصيل الحادثة وكيف اختبرتها والأفكار التي راودتها خلالها، والتي تراودها الآن".

وتنصح ريان النساء بمحاولة تناول الطعام والنوم قدر الإمكان، وتجنب تناول الأدوية المهدئة، لأن ذلك قد يؤخر القدرة على التعافي، وإذا كان لا بد من ذلك يجب استشارة الطبيب النفسي.

كما ينبغي تجنب متابعة الأخبار -قدر الإمكان- مع العودة للذكريات الجميلة لتعزيز الرغبة بالحياة والمضي قدما نحو المستقبل، واللجوء لاختصاصي المعالجة النفسية لتقديم الدعم اللازم في هذه الفترة الصعبة.

المصدر : الجزيرة