مشروب عرقسوس "فايزة" الذي لم يهزمه كورونا

فايزة بائعة مشروب العرقسوس -مشروبات رمضانية (الجزيرة)
فايزة بائعة المشروبات الرمضانية في أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة (الجزيرة)

شيماء عبد الله

مع رفع أذان العصر من مسجد سيدي مرزوق المطل على ساحة حبس الرحبة في حي الجمالية بالقاهرة، تتخذ فايزة موضعها على مقعد بلاستيكي متهالك، جالسة وسط براميل العرقسوس، ومساقي التمر والسوبيا، يحيط بها أبناؤها والأحفاد، في رحلة كل عام منذ سنوات، لا عمل لها إلا بيع العرقسوس والتمر في رمضان، ولا يحول بينها وبين الشهر حرارة القيظ أو برودة الصقيع.. تبقى فايزة وتمرها طالما بقي رمضان، إلا كورونا فعل بها ما لم تفعله السنون.

مع دقات الساعة الثانية عشرة بعد منتصف ليل أولى ليالي شهر رمضان المبارك، تبدأ السيدة الستينية في إعداد المشروبات الرمضانية التي استعدت لها من أوائل شهر شعبان بتجهيز عدتها وعتادها، فاشترت مؤونتها من السكر والتمر والعرقسوس والسوبيا ومكسبات اللون والرائحة ومركزات الطعم، التي تعطي لعصير فايزة مذاقه الخاص، لا ينافسها فيه أحد.

لكن في هذا العام، كان الأمر مختلفا، فصفائح العصير المركز قد نقصت إلى النصف، وأنواع المشروبات قد تقلصت، ليصبح مشروب الخروب هو الأعلى تكلفة، إذ ارتفع سعر زجاجة "مُركز الخروب" إلى قرابة ألف جنيه (نحو 65 دولارا)، حيث تقول فايزة "كم أكسب لكي أشتري 100 غرام من الخروب المركز بألف جنيه! إذن لا داعي لبيع الخروب هذا العام".

سر الصنعة
رغم الخلاف الواقع بين محبي مشروب العرقسوس وكارهيه، فإنه الصنف الرئيسي على طاولة مشروبات الشهر الفضيل، لا تعترف السيدة التي خبرت جُل أصناف العصائر والمشروبات، بما تسوّق له مواقع التواصل الاجتماعي من انعدام فضل العرقسوس على سائر المشروبات، قائلة "هذا كلام صغار، غدا يكبرون ويعرفون أن مرارة العرقسوس هي سر حلاوة مذاقه، لكن الأساس هو حرفية صناعته"، مضيفة "الرك على الصنعة".

في العادة كانت تشتري فايزة شوالا كاملا من عشب العرقسوس، لكنها هذا العام اكتفت بما تبقى معها من شوال العام الماضي، مؤكدة أن "حركة البيع غير مبشرة، ولما نحتاج فالسوق موجود".

لا وجود لحظر التجول
لكن فايزة لا تعترف بحظر التجول الذي اعتمدته الحكومة المصرية، وكذلك أهل الحي الشعبي الذي تبيع بضاعتها الرمضانية فيه، فالشارع ما زال مزدحما نهارا، وإن كان قليل الزحام ليلا، لكن لا وجود للحظر الكامل الذي يدعو له الإعلاميون على شاشات التلفزة، والتي لا يصل صوتها إلى البسطاء الساعين على أرزاقهم اليومية.

وتابعت فايزة أنها حصلت على 500 جنيه من إعانة الحكومة لأصحاب العمالة اليومية، لكنها لا تريد الإثقال على كاهل الدولة، مؤكدة أنها ستظل تعمل وتسعى، مضيفة "من له نصيب في شيء سيراه حتما، لا يموت بعمر ناقص".

بلا كمامة
تواجه فايزة وأبناؤها شبح كورونا بلا خوف، مشيرة إلى أن الجميع يعرف حرصها الشديد على نظافة منتجها، حتى من قبل جائحة كورونا، وتكتفي بوضع إشارب على وجهها في أوقات الزحام، لكن ذلك الزحام غاب هو الآخر مع غياب الزبائن.

ويبدو أن حركة البيع قد تأثرت بالفعل، فقبل نصف ساعة من أذان المغرب، لم تتمكن فايزة من بيع سوى نصف ما أعدته من عصائر أو أقل، فتضطر السيدة العجوز لأن تشرح لابنتها كيفية حفظ التمر والعرقسوس لليوم التالي، بينما لا يمكن حفظ مشروب السوبيا سريع الفساد، فإما أن يباع أو يتم التصدق به في ذات اليوم.

وتحرص السيدة الستينية على تلميع وعاء حفظ العرقسوس كل موسم في شارع النحاسين، فلا تترك به أثرا لشائبة، فإن لمعان الآنية أول ما يجذب الزبون ويخطف العين حسب قولها، مضيفة أن "العين تأكل وتشرب قبل اللسان"، والنظافة سمعة تحب فايزة أن تتمتع بها دائما، ليطمئن زبائنها لمنتجها سواء أثناء أزمة كورونا أو بعدها.

المصدر : الجزيرة