رسائل الجيش الأبيض في مواجهة كورونا.. ما لا تعرفه عن حياة أسر الأطباء

blogs كورونا
عودة الأطباء لحياتهم الطبيعية مرهون بالتزام الجميع منازلهم لحين السيطرة على فيروس كورونا (رويترز)

يعيش العالم ظروفا صعبة ودامية ومبكية في كل لحظة هذه الأيام، يظن البعض إجراءات العزل الصحي نوعا من التضييق على الحريات، لكن هناك في ركن بعيد يعيش بعض النساء معاناة إجبارية لا خيار فيها إلا المواجهة في كل ثانية مع الوباء وخطر العدوى، وإن كانت الكوادر الطبية تلقب بالجيش الأبيض، فلزوجات الأطباء والممرضات جانب آخر في المعركة لحماية أسرهن من العدوى.

يوم في حياة ممرضة وأم
"ش.ع" ممرضة وأم لطفل واحد، تعمل بدوام كامل بمستشفى بالقطاع العام في مصر وفي القطاع الخاص بدوام كامل أيضا، كما هي حال معظم العاملين في القطاعات الطبية، وذلك حتى تتحصل على إجمالي راتب شهري لا يتجاوز مئتي دولار.

انقلبت حياة "ش.ع" رأسا على عقب مع بداية تفشي وباء كورونا، ولا سيما بعد قرار تعطيل الدراسة، أصبح عليها التنقل يوميا بين الأقارب والأهل ليتقبل أحدهم رعاية طفلها ذي الثلاثة أعوام أثناء غيابها، لكن معاناتها لا تتوقف عن حد تقبل الطفل كثير الحركة، وإنما خوف الأقارب من أن يكون حاملا للعدوى، نتيجة عمل أمه في الصفوف الأولى لمواجهة فيروس كورونا بالمستشفيات، حتى والدتها عللت لها بأنها تخشى على صحتها من الكورونا الذي يردي بحياة المسنين.

تقول "ش.ع" "مللت من التوسل وطلب المساعدة، خاصة أن زوجي يعاني في إحدى الوحدات الصحية ويضطر للعمل ليلا، فمتى يخصصون حضانة لأبناء العاملين بالمستشفيات التي تضم أكثر من مئة ممرضة".

كل ما تطلبه الممرضة الشابة هو نهاية هذا الكابوس، ربما ستتحمل أعباء مهنتها، لكنها حزينة من تهرب الأهل من مساعدتها، بينما تواجه بالصفوف الأولى في معركة شرسة لا يعرف أحد عنها كثيرا من الأحداث، إذ تقول "كل ما أتمناه في الوقت الراهن من الجميع الآن أن يلزموا منازلهم، حتى أستطيع العودة إلى بيتي قريبا".

زوجة طبيب طوارئ

"ن.س" صحفية تعمل من المنزل وزوجة لأحد الأطباء، أصيبت باكتئاب شديد بسبب كل ما مرت به بسبب الطب في مصر، عانت وزوجها في بداية حياتهما، إذ تعرض زوجها للعدوى بالمستشفى الذي يعمل به قبل سنوات، ودخل العناية المركزة على إثرها.

تقول "لقد سرقني الطب أهم لحظات العمر ودفعت ثمن لقب دكتور من عمري حرفيا، زوجي يعشق الطب وعلاج الناس، حصل على أهم الدرجات العلمية من أكبر الجامعات الملكية المرموقة في العالم وحصل على ورش عمل في هارفارد، لكن راتبه الشهري في مصر لا يتجاوز فقط 465 دولارا، رقم مؤسف جدا، أقل امتحان من امتحانات الزمالة يتجاوز ألف جنيه إسترليني، ولا تجد أحدا في وسائل التواصل الاجتماعي إلا ويقول إن الأطباء يتقاضون أربعمئة جنيه مقابل الكشف بالعيادة".

وتابعت "ن.س"، "الناس لا يعرفون كم يدفع الأطباء لكي يحافظوا على تطورهم العلمي وطرقهم العلاجية، لكن أؤكد أن معظم الأطباء الشباب لا يملكون عيادة من الأساس، إذ إن راتب الطبيب يتجاوز ثلاثة آلاف جنيه (200 دولار)".

وعن أزمة وباء كورونا أوضحت "لكي يحافظ الطبيب على حياة مرضاه وحياته، عليه أن يتكفل بشراء الأدوات الطبية من بدلة بيضاء أو الواقي الأبيض الذي يحميهم من انتقال العدوى من مرضاهم، والذي يستخدم لثماني ساعات فقط بأربعين جنيها والكمامة N95 التي يتجاوز سعرها مئة جنيه ونظارة لحماية عينيه من التعرض لرذاذ عطس المرضى بتسعة جنيهات، وهي ضعيفة جدا ولا تحتمل العديد من الدوريات، باختصار عليه أن يذهب يوميا بـ 150 جنيها على نفقته الخاصة بينما يتقاضى عن الدوام ثلاثمئة جنيه".

وأضافت "كل هذه الاحتياطات لا تضمن سلامة أولادي من العدوى ولا يمكن الجزم بأن زوجي الذي يستقبل حالات المصابين بفيروس كورونا في حمى من العدوى، لكن المؤلم هو استخفاف الناس بالأزمة، إذ يشعرون بالملل من المكوث في المنزل، بينما نضحي بأولادنا وأزواجنا"، متابعة "لا نريد من الجميع سوى البقاء في المنزل حتى يعود أزواجنا لأطفالهم سالمين، إذ لو توافرت بدلات الحماية اليوم لن تتوافر غدا".

زوجة طبيب عناية مركزة
"سلّمت أمري لله" هكذا بدأت "ر.م" حديثها، فهي زوجة طبيب بالعناية المركزة، إذ تقول "أستودع زوجي عند الله كل يوم، لكن عندما يكون في المنزل لا أستطيع سحب أنفاسي كاملة، عندما أرى أولادي يعانقونه أسمع ضربات قلبي وأخشى أن يلتقط أحدهم عدوى، لم تسجل حالات كورونا بالمستشفى الذي يعمل به، لكن يشتبه كل يوم في طبيب ممن يشاركونه سكن الأطباء، نظرا لمخالطتهم لحالات إيجابية من المصابين بالفيروس".

وتابعت "نعيش ساعات مرعبة وثقيلة يوميا في انتظار رسائل عبر واتساب، تحمل الفحص، ولكن قلبي لم يعد يحتمل، بدأت في تعاطي مضادات الاكتئاب والقلق، ومع ذلك زوجي يعقم كل شيء يخلع ملابسه على باب المنزل ويعقم نفسه بالكحول قبل الاستحمام، ابني مصاب بحساسية الصدر، وأم زوجي (70 عاما) تعيش معنا بالمنزل، نقل العدوى لنا كارثي لكن لا مفر، أنا لا أخشى العدوى من العناية المركزة بقدر ما أخشاه من سكن الأطباء، فهو المكان الوحيد الذي يخلعون فيه الأقنعة والقفازات، وعادة ما يصل العدد إلى عشرة أطباء بغرفة واحدة وبالطبع هناك ورديات مبيت، وغالبيتهم يعمل في مستشفيات تستقبل حالات إيجابية للفيروس".

لكل فرد في الكوادر الطبية قصة إنسانية لا يخبر مرضاه بها، لكن بقدر ما يحلم المرضى بالعودة إلى أحضان أسرهم، يعيش الأطباء على أمل انتهاء الأزمة لتعود حياتهم الأسرية إلى طبيعتها دون خسارة، وهو ما لن يتحقق إلا باستجابة الملايين بالعودة إلى منازلهم تجنبا لتفشي العدوى بالفيروس القاتل.

المصدر : الجزيرة