ثلاث روايات لزي واحد.. "الكوبيخادو" الإسباني ثوب إسلامي أم تراثي؟

البرقع الإسباني زي تراثي أم إسلامي
الكوبيخادو زي تقليدي يعود إلى القرنين 17 و18 (مواقع التواصل)

فريدة أحمد

في أراضي إقليم قادش جنوب إسبانيا، تعد "فيخير دي لا فرونتيرا" منطقة تنصهر فيها الثقافات المتنوعة، محتضنة آثار الأندلس التي تظهر في ومبانيها، بجانب كنيسة "المخلص الإلهي" وبقايا الآثار الرومانية وطواحين الهواء القديمة، وصنفت عام 1976 "مجمعا تاريخيا للفنون".

في 2007، وُضع بهذه البلدة تمثال لامرأة ترتدي ثوبا تقليديا يشبه العباءة السوداء، ذلك الثوب الذي يغطي الجسم بالكامل باستثناء إحدى العينين، كان الهدف منه تكريم المرأة "الفيخارية"، وفقا لـ"لونلي بلانيت".

التطريز للتمييز الاجتماعي
لأصول هذا الزي روايات متعددة، لكن الثابت أنه يتكون من تنانير بيضاء مع أحزمة مطرزة، وقمصان بيضاء مزينة بالدانتيل، و"سايا" أو حزام أسود يثبت على الخصر وفوقها عباءة سوداء مبطنة بالقماش الأبيض.

ومن الطبيعي ألا تكون تكلفة ذلك الزي مرتفعة، فالتفاصيل الوحيدة التي ساعدت على التمييز بين الحالة الاقتصادية والاجتماعية لمرتدياته هي تكوين الدانتيل والتطريز الخاص بالقمصان بشكل فريد وحصري.

موروث إسلامي
وحكم المسلمين لفترة طويلة مدينة "فيخير"، لكن مملكة "كاستيا" الكاثوليكية المعروفة باسم "قشتالة" احتلتها، بعد انتصار الملك فرديناند على جيش المسلمين.

ويعتقد البعض أن ذلك الزي الذي يسمى "الكوبيخادو" (El cobijado) هو موروث إسلامي، بحسب موقع "إسكولتورا باناراخون" الإسباني.

ويدعم تلك النظرية وجود الرداء نفسه في مدينة "طريفة" الإسبانية التي كانت هي الأخرى تقع أيضا تحت الحكم الإسلامي، لكن الزي فيها يحمل اسما مختلفا، هو "تابادا".

وتشير الروايات إلى ارتباط "الكوبيخادو" في "فيخير" بالوجود الإسلامي في الأندلس، بسبب احتفاظ تلك المدينة ببقايا التراث الأندلسي كما في مقاطعة قادش.

فوسط ساحة مدينة "فيخير"، توجد نافورة مزخرفة تعود إلى العصر الأندلسي، وكذا الطرق المحيطة بالمدينة القديمة تحمل نقوشا أندلسية، وقلعة "فيخير دي لا فرونتيرا" التي تقع في الجزء العلوي من المدينة التي بنيت في القرنين 10 و11 على الطراز الأندلسي.

تقليد تاريخي
لكن الاعتقاد بأن رداء "الكوبيخادو" مرتبط بالوجود الإسلامي القديم في تلك المنطقة ينفيه الدكتور خوان خيسوس كانتيلو أستاذ التاريخ ومدير متحف الأزياء والتقاليد في فيخير.

وأشار -في مقابلة لصحيفة "إلباييس" الإسبانية- إلى أن أصل هذا الزي الذي ارتدته النساء، جاء بعد انتهاء الحكم الإسلامي في تلك المنطقة، ويعود تاريخه إلى القرنين 17 و18، قائلا "في ذلك الوقت، لم يكن التراث الإسلامي في الملابس موجودا"، مضيفا "لكن هذه الطريقة الخاصة بتغطية رأس المرأة وجسدها كاملا كانت تقليدا راسخا في ممالك شبه الجزيرة الإيبيرية".

بشرة نقية بيضاء
وتشير رواية ثالثة إلى أن زي "الكوبيخادو" ليس لديه أية صلة بمعتقد أو دين على الإطلاق، وكان في الأصل مخصصا للنساء من ذوات الطبقات العليا، اللائي أردن الحفاظ على لون بشرتهن البيضاء، وذلك لتفريقهن عن النساء المنتميات إلى الفئات الشعبية والفقيرة اللاتي اضطررن إلى العمل تحت لهيب الشمس.

حظر الارتداء
وأثناء الحرب الأهلية في إسبانيا في الفترة من 1936 إلى 1939، حظرت الحكومة الإسبانية حينها ارتداء "الكوبيخادو"، لأن الزي كان يستخدم في التخفي بعد ارتكاب الجرائم.

وأصبح الزي -الذي منع ارتداؤه لارتباطه بالجريمة- هو ذاته منقذا لأسر فقيرة زادتها الحرب فقرا، إذ بدأت النساء بالاستفادة من القماش الكثير المستخدم لصناعته وتحويله إلى ملابس للأطفال، وأغطية للأسرة وبطاطين لتشعرهم بقليل من الدفء، وربما لدوره الإنساني لا يزال المتحف الوطني للأزياء في مدريد محتفظا برداء أصلي واحد من "الكوبيخادو".

انتصار وتكريم
في السبعينيات من القرن الماضي، عاد "الكوبيخادو" للظهور مرة أخرى لكن على استحياء، وفي التسعينيات بدأ ارتداؤه خلال احتفالات "تكريم الزيتون" وفي بعض المناسبات العامة، وأصبح زيا ترويجيا لسياحة الأزياء، ومعبرا عن الهوية "الفيخارية" التي وصلت إلى أميركا، وأطلق على "الكوبيخادو" هناك اسم "تابادا ليمينا".

وأيا ما كانت الروايات والحكايات المنسوجة حول ذلك الزي التقليدي وانتمائه لأي دين أو عقيدة أو ثقافة، فهو يعبر عن هوية النساء في تلك المنطقة التي شهدت حضارة وتقدما وتراجعا، وواجهت صعوبات ومنعت من ارتداء ما يعبر عنها، وقاومت وتمسكت به وطالبت على مدى سنوات بعودته".

المصدر : الجزيرة