تحت شمس حارقة.. موسم الحصاد بصيغة المؤنث في تونس

سعيدة تقف لتأخذ قسطا من الراحة بعد ان أنهكها الانحناء
الحصول على الخبز ليس سهلا (الجزيرة)

حياة بن هلال-تونس

تحت أشعة الشمس الحارقة تتمايل سنابل القمح والشعير بلونها الذهبي على امتداد مساحات زراعية شاسعة في تونس وقد حان موسم حصادها منذ أيام، والذي يعد نعمة على الأغنياء الذين يحصدون محصولهم بالآلات الحاصدة دون عناء ولا مشقة، وهو نقمة على ذوي الدخل المحدود الذين لا يستطيعون دفع تكلفة الآلات فيضطرون للحصاد اليدوي الذي تتكبد مشقته الريفيات.

تخرج النسوة من ساعات الفجر الأولى يعددن فطور الصباح لأطفالهن ويجهزن الغداء أيضا، فالعودة من الحقول البعيدة لا تكون قبل المساء أو ليلا أحيانا، بسرعة كبيرة تجهزن مؤونتهن التي تتكون عادة من خبز "الطابونة" وقليل من وجبة الغداء التي أعددنها وعدة الشاي.

منذ الفجر
صوت منبه السيارة التي تقلهن كل يوم تعالى في أرجاء القرية دون انقطاع قصد حثهن على الإسراع في الخروج، تهرع النسوة نحو السيارة خشية عدم اللحاق بها فتتكبد مشقة الذهاب مشيا على الأقدام.

يصلن إلى الحقول ويضعن زادهن تحت شجرة الزيتون وسط الحقل ثم ينطلقن في العمل، تتنهد إحداهن عند الانحناء فهي تشكو ألما في ظهرها تقول إنه يلازمها منذ سنين لكن ما باليد حيلة فهي تعمل كي توفر قوت صغارها الأيتام.

أما صالحة جارتها وزميلتها في العمل فقد أخذت المنجل وبدأت تجز السنابل جزا متواصلا دون توقف والعرق يتصبب من جبينها، وهي تدندن أغنية تتحدث فيها عن معاناة الفقراء وتحملهم غصبا عنهم الأعمال الشاقة فكأن الأغنية تزيدها صبرا وعزما فهي لا تتوقف البتة.

‪الريفيات يقمن بالحصاد بطريقة يدوية‬ (الجزيرة)
‪الريفيات يقمن بالحصاد بطريقة يدوية‬ (الجزيرة)

حرارة مرتفعة
بدأت أشعة الشمس تتعامد مع الحقول الشاسعة التي تصيب المتمعن فيها بدوار بسبب مساحتها الشاسعة واللون الأصفر الذي يغطيها، فما بالك بامرأة كبيرة في السن منحنية الظهر لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة وقد بلغت ذروتها في تونس هذه الأيام.

تقول الخالة عائشة للجزيرة نت وهي تضم سنابل بيديها الخشنتين والمشققتين "نعاني الأمرين عندما يشتد الحر حتى السنابل تصبح أشد قسوة على اليدين" وتؤيد كلامها زميلتها سليمة وهي تمد يدها التي جرحت بسبب أعشاب شوكية كانت بين السنابل ولم تنتبه لها.

اقترب موعد الغداء فترى النسوة يسرعن أكثر في العمل فيتعاون على الحصاد والجمع وإيصال السنابل إلى آخر الحقل على ظهورهن، وتراهن كخلية نحل دؤوبة لا يتوقف لها عمل.

حصد السنابل تحت أشعة الشمس الحارقة (الجزيرة)
حصد السنابل تحت أشعة الشمس الحارقة (الجزيرة)

"الخبز المر"
حان وقت الغداء فوضعن المناجل جانبا وجلسن تحت ظل زيتونة وارفة وقد بلغ منهن الجوع والتعب أشده، أكلن ما تيسر من الغداء بسرعة قصد إنهاء العمل باكرا وعدن إلى حيث توقفن.

مريم أم لثلاثة أطفال وزوجها مقعد تقول للجزيرة نت "اضطر للخروج إلى العمل لإعالة أسرتي وليس في قريتنا موطن رزق آخر سوى جمع الزيتون شتاء وحصاد السنابل صيفا، وكلاهما أقسى من الآخر لكن الحمد لله على كل حال".

اشتد الحر أكثر فأكثر واشتدت معه معاناة النسوة اللاتي ترتدين لباسا متينا خشية أضرار أشعة الشمس فحتى المياه التي جلبنها باردة أصبحت ساخنة بفعل شدة ارتفاع درجات الحرارة فيشربنها على مضض.

تحمل قسوة الطقس ومشقة العمل لكسب لقمة العيش (الجزيرة)
تحمل قسوة الطقس ومشقة العمل لكسب لقمة العيش (الجزيرة)

تقف سعيدة لتأخذ قسطا من الراحة تمسح عرقا تصبب من جبينها بطرف كمها وتعدل مظلتها المهترئة، وتروي للجزيرة نت عن دوار قد أصاب إحدى زميلاتها قبل يوم من شدة التعب والحرارة تقول إنه كاد يودي بحياتها.

تتنهد زميلتها المنحنية الظهر دون أن تتوقف عن الحصاد، وتردد المثل التونسي "الخبزة مرة وما يلزك على المر كان يلي أمر" أي أن الحصول على الخبز ليس سهلا ولا يدفعك لتحمل المعاناة إلا معاناة أحد منها.

ورغم مشقة العمل تحت أشعة الشمس الحارقة لساعات طويلة فإن النكات والطرائف والتندر والغناء أحيانا تخفف من وطأة التعب وتكون حافزا بسيطا ينسيهن مشقة الحصاد ويشجعهن أكثر على مواصلة العمل دون ملل.       

المصدر : الجزيرة