بالسيكودراما والفنون.. علاجات نفسية غير تقليدية تلجأ إليها النساء

تكمن فاعلية الجروب العلاجي في توفير الدعم والقبول للشخص من أفراد المجموعة بالإضافة إلى المعالج
تكمن فاعلية العلاج الجماعي في توفير الدعم والقبول للشخص من أفراد المجموعة(بيكسابي)

سارة جمال-لندن

العلاج النفسي الحديث بدأ مع سيغموند فرويد بدايات القرن العشرين، حين لجأ لعلاج مرضاه بالتحليل النفسي، مما رسخ في أذهاننا الصورة التقليدية للمريض الجالس على الشيزلونغ وخلفه المعالج النفسي. ومع الوقت تطورت ممارسة العلاج النفسي لتصبح في شكلها الحالي، إما من خلال طبيب يصف العلاج الدوائي للاضطرابات المختلفة، أو معالج يساعد طالبي المساعدة من خلال جلسات العلاج النفسي الفردي.

باتت النساء في السنوات الخمس الأخيرة في حاجة إلى العلاج النفسي، خاصة مع ظهور الأزمات المجتمعية، وزيادة حراك الهجرة واللجوء مما زاد الاحتياج لأشكال مختلفة من العلاج النفسي.

تقول الاستشارية النفسية سحر طلعت "العلاج الجماعي من العلاجات التي انتشرت في البلدان العربية في الآونة الأخيرة، وكذلك العلاج بالسيكودراما، والعلاج بالحركة، والعلاج بالفن، والعلاج النفسي من مدخل الجسد، وغيرها من أشكال العلاج النفسي".

وأضافت "أخص بالذكر ثلاثة أنواع من هذه العلاجات والتي تدربت عليها بشكل شخصي، وخضعت للعلاج باستخدامها أيضاً. فالمعالج النفسي يحتاج أن يخضع للعلاج بنفس المدرسة العلاجية التي يتعلمها، وبالفعل لمست أثر هذه العلاجات على نفسي، وأول هذه العلاجات الجمعي (جروب ثيرابي) الذي يستطيع المعالج من خلاله استخدام كل أشكال العلاج الأخرى (مثل العلاج بالكلام أو السيكودراما). والفرق أن العلاج ليس فرديا، وإنما هناك مجموعة من طالبي المساعدة، ومعهم معالج أو أكثر، ويتفاوت العدد وكذلك المجموعة المشاركة".

التمثيل من أجل التغيير
وتحكي الاستشارية عن تجربتها الشخصية "وتكمن فاعلية العلاج الجماعي في توفير الدعم والقبول للشخص من أفراد المجموعة بالإضافة إلى المعالج. كما أنه يتيح للمعالج رؤية أنماط العلاقات داخل المجموعة، ويساعد العملاء على الاستبصار بأنماط علاقاتهم. وأخيراً توفر المجموعة العلاجية لأفرادها تجارب حياتية وتنوعا وثراء قد يفوق أعداد الحضور".

‪السيكودراما إحدى وسائل العلاج النفسي الحديث‬ (الجزيرة)
‪السيكودراما إحدى وسائل العلاج النفسي الحديث‬ (الجزيرة)

وتابعت "النوع الثاني هو السيكودراما، وتعني استخدام الدراما في التعامل مع المشكلات النفسية، وعادة ما تستخدم ضمن مجموعة، كما يمكن استخدام بعض تقنياتها في جلسات العلاج الفردي. وفي جلسات العلاج نبدأ بالتسخين، وهي تدريبات هدفها بناء المجموعة وفك الجليد، وتساعد على رفع مستوى التلقائية عند الأفراد المشاركين في الجروب العلاجي".

بعدما يتأكد المعالج أن المجموعة أصبحت جاهزة، يطلب من الحضور المشاركة في سرد قصصهم -بحسب الاستشارية- ثم يختار باقي أعضاء المجموعة أكثر قصة تفاعلوا معها. وتبدأ الدراما ليصبح صاحب القصة بطلها، والمعالج هو المخرج، ويمكن لأعضاء المجموعة مساعدة زميلهم بالمشاركة في الأدوار التي يطلبها منهم، وأثناء تنفيذ الدراما يصل البطل إلى حلول إبداعية لمشكلته، كان من الصعب الوصول إليها في حياته العادية.

وعن النوع الثالث تقول "هو مجموعة واسعة من العلاجات النفسية من مدخل الجسد، والفلسفة التي يقوم عليها أنه لا يوجد فصل بين النفس والجسد، وأول من قال بهذه الفكرة كان فرويد، لكنه لم يكملها، وأكملها تلميذه وليم رايخ، ووجد من خلال بحثه أن المشكلات النفسية وصدمات الطفولة لا تؤثر على الجانب النفسي فحسب بل تؤثر على الجسد أيضا".

الشعور بالذنب
وختمت حديثها بأهمية الإعداد الطويل والتدريب المتخصص لهذه العلاجات، وحذرت من محاولة تنفيذها من غير المتخصصين فيها والذي قد يتسبب في ضرر بالغ. وأكدت أن من غير المتوقع أن تؤتي هذه العلاجات ثمارها من أول جلسة، فالأمر يحتاج إلى الصبر.

‪دخول غير المتخصصين في مجال العلاج النفسي الحديث قد يتسبب في ضرر بالغ للمرضى‬ (الجزيرة)
‪دخول غير المتخصصين في مجال العلاج النفسي الحديث قد يتسبب في ضرر بالغ للمرضى‬ (الجزيرة)

تقول مها السيد "سمعت عن الجروب ثيرابي من بعض الأصدقاء وكنت أمر بأزمة نفسية بعد أحداث رابعة في مصر وكنت في حاجة إلى مساعدة، فقررت أن أجرب معهم الحضور. وكانت تجربة مفيدة ومثمرة، حيث تعرفت فيها على قدراتي الحقيقية وتعلمت ألا أخجل من رفض ما لا أستطيع عمله للآخرين بدون الشعور بالذنب".

وتوافقها الرأي هاجر أحمد التي تقول "الجروب ثيرابي مرحلة مهمة في حياتي، وساعدني في معرفة نفسي واحتياجاتها ومعرفة من حولي، فهو بمثابة مرحلة وعي وإدراك أمور كان يصعب التعرف عليها بمفردي. كذلك تعلمت فيه القبول والتخلص من الشعور بالذنب، كل ذلك يتم في إطار مجموعة لها ضوابط تحكمها وفي سرية تامة.

أما مروة ممدوح فكان لها رحلة طويلة مع أنواع العلاجات المختلفة، وتقول: يمكن أن أرى نفسي في مرآة من حولي في مجموعة الجروب ثيرابي، وكأنني خرجت من دائرة نفسي المحدودة في التفكير والقناعات إلى دائرة أوسع للمجموعة كلها مما يعطيني تنوعا وثراء أكبر، بدون حكم أو نقد أو سخرية. والجروب ثيرابي على عكس وسائل التعلم المتنوعة طريقة للتغيير من الجذور والعمق، لأنه يعمل على الاحتياجات النفسية بصورة أساسية.

وتكمل رحلتها: بعدها شاركت في ورشة سيكودراما للدكتور محمد طه واكتشفت فيها حبي للتمثيل، أتابع قصة أحد المشاركين وهي تتجسد أمامي من خلال الدراما، وأتعلم منها رسائل غير مباشرة.

وعندما يختارك هذا الشخص للقيام بدور في قصته، تجد أن هناك صلة بينك وبين هذا الدور الذي تم اختياره. والأمر الآخر الذي أبهرني في السيكودراما ما يسمى "تغيير السيناريوهات" وهي فرضية سيناريو ونهاية أخرى للقصة، وقد يتمثل في كلام لم تستطع قوله في الماضي، أو لا تستطيع تنفيذه في الواقع، وهذا ما يميز العلاج بالسيكودراما.

وكانت لمروة تجارب علاجية أخرى بالفن، حيث تعرفت على نفسها أكثر عن طريق استخدام الألوان والحواس وخاصة اللمس في تشكيل الطين على سبيل المثال. وأيضاً اكتشاف أسرار الجسد عن طريق العلاج بالحركة حينما وجدت أنها ليست شخصية كسولة كما كانت تظن وإنما تحب النشاط والانطلاق وهو ما أظهره لها العلاج.

المصدر : الجزيرة