شاهد.. بعشقها للأنتيكات.. عراقية تحول بيتها لمتحف تراثي

عماد الشمري-بغداد

"قد يكون أشبه بالوراثة أو من الممكن القول إنه تطبيع، هكذا وجدت نفسي منذ الصغر أقلد أهلي وأحذو حذوهم بعشق الأنتيكات وجمعها، وعلى عجالة مع تقدم السن تفوقت على الجميع وأصبحت الأكثر اهتماما وولعا بها" هذه هي البداية المتجذرة أسريا في حياة زهرة زنكنة.

وتضيف زنكنة للجزيرة نت "المحيط الذي ولدت فيه هو الأساس، فعمل أخوالي بتجارة السجاد التراثي والأنتيكات منحني خبرة كبيرة، إلى جانب ولادتي في دار غير متجددة بالأثاث المنزلي، فقد كان بيت جدتي عبارة عن متحف لماضي العراق، فساهمت معهم طوعا بجمع الأنتيكات وشرائها منذ الصغر".

زهرة بدأت بتجميع وشراء الأنتيكات منذ صغرها (الجزيرة)
زهرة بدأت بتجميع وشراء الأنتيكات منذ صغرها (الجزيرة)

الانطلاقة الحقيقية
وتواصل زنكنة سرد ذكرياتها "زادت الهواية بعد رحيلي عن بغداد واستقراري في أربيل عام 2010 عندما كنت في الأربعين من عمري، حينها بدأت مرحلة جديدة كرست جل وقتي لها لأحول بيتي إلى متحف للموروث العراقي، بعد أن سرى في عدم القدرة على العيش وسط الأثاث الحديث الذي يضايقني كثيرا".

وتضيف "فالمسألة بالنسبة لي وصلت حد الإدمان مع التراثيات وأصبحت شغلي الشاغل، وفي فترة وجيزة حملت جدران المنزل تاريخ وهويات مختلف المحافظات العراقية بشتى قومياتها من خلال قطع أثرية وأنتيكات نادرة عمر أحدثها يعود لأكثر من أربعة عقود مضت".

‪زهرة تعشق الأثاث القديم الذي يحمل حكايات وذكريات الأجداد‬  (الجزيرة)
‪زهرة تعشق الأثاث القديم الذي يحمل حكايات وذكريات الأجداد‬ (الجزيرة)

توريث الأبناء
تقول زنكنة "إن أكثر شيء يسعدني اليوم في كسر قالب الوحدة في هوايتي هذه أن أبنائي بدؤوا يفوقونني بعشقهم للموروث والأنتيكات رغم انشغالهم بالدراسة".

وهذا ما أكده نجلها الأكبر زين، مضيفا أنه لا يجد استغرابا من نبذ والدته الأثاث الجديد، لأنه لا يحمل لون الحياة الأصيلة للأجداد وللحكايات التي كانوا يسمعونها عن بساطة الماضي وجماله.

ويشير زين إلى أن هجر الموروث لدى الأسر العراقية بمثابة طمر للتراث والهوية العراقية، ويرى أن ما فعلته أمه هو الصواب، وهو متلهف لإكمال دراسته للتفرغ معها وتطوير هذا المشروع.

ولم تذهب زوشه بعيدا عما عبر عنه أخوها زين، لكنها تضيف "إعجابنا بنشاط أمنا وفكرتها النادرة للحفاظ على تراث بلادنا دفعنا لتشجيعها لا بالقول فحسب، بل بمشاركتها العمل من خلال جمع القطع النادرة من حقب العراق الماضية من خلال البحث عنها بين الصديقات في المدرسة أو خارجها لشرائها أو ربما نحصل عليها كهدية حين معرفتهم سبب اقتنائنا لها".

وتضيف أن الهدف من ذلك هو ضم هذه القطع "لمتحفنا الذي لا يحق لنا أن نسميه منزلا بعد أن غمر بالتراثيات وعرفه كل أصحاب الشأن بعموم البلاد، خاصة بعد أن وطئ الكثيرون منهم قعره مبدين دهشتهم بالفكرة قبل المحتوى ناظرين لنا كأسرة مؤرخة لماضي بلاد الرافدين".

زهرة تلقت دعوة من لبنان لحضور مهرجان للتراث العربي (الجزيرة)تلقت 
زهرة تلقت دعوة من لبنان لحضور مهرجان للتراث العربي (الجزيرة)تلقت 

أولى الخطوات
تؤكد زنكنة أن أولى خطواتها كانت عبر المشاركات في المهرجانات التراثية التي تقام بالعراق، ومنها المهرجان الدولي للتراث في أربيل.

أما المشاركة الأبرز التي كانت نقطة التحول في حياتها التراثية فهي مهرجان لقاء الأشقاء للهوايات في بغداد، ويعتبر التجمع الأكبر للتراثيات والأنتيكات عراقيا والذي أكسبها مكانة لدى المختصين.

وهذا ما أكده المدير التنفيذي للمهرجان هلال العبيدي بقوله إن زنكنة حالة فريدة في هذا المجال، فمن النادر الجمع والتقريب بين جميع الموروثات لمختلف القوميات، لكنها استطاعت الخروج بمزيج جميل دمج بين موروثها الكردي والموروث العربي الذي ولدت ونشأت فيه.

وإضافة إلى ترحالها بين محافظات العراق لاقتناء القطع الفريدة والقديمة كهدايا أو شرائها -على الأغلب- من مالها الخاص، استطاعت تكوين لوحة أطرت بها جدران منزلها الذي بدأ يضيق بمحتوياته حتى أصبح أحد معالم أربيل التراثية.

والجميل في الأمر السؤال عنها من قبل بعض السياح الذين سمعوا خبرها بهدف زيارة منزلها الأثري.

زهرة تتنقل بين المحافظات العراقية لاقتناء القطع الفريدة والنادرة (الجزيرة)تتنقل
زهرة تتنقل بين المحافظات العراقية لاقتناء القطع الفريدة والنادرة (الجزيرة)تتنقل

الحظ والشهرة
تتحدث زنكنة عن تفردها كامرأة في هذا المجال التراثي، حيث لا تجود نساء منافسات لها بهذا المجال مما وجه الأنظار نحوها، لكنها تبدو متواضعة.

وتقول "لم أتجمد عند هذه الشهرة وأقف مكتوفة الأيدي، بل جعلتها دافعا حفزني للاطلاع على التاريخ بين أفضل المؤلفات حتى اكتسبت معلومات مكنتني اليوم من كتابة الكثير من البحوث وإجراء دراسات مستمرة في التراث العراقي منذ النشأة حتى اليوم، وهو الأمر الذي شجعني على وضع بصمة طالما حلمت بها من خلال افتتاح أول مؤسسة تراثية عراقية سميتها "تيم تولا" التي تعني بالعربية نصف الذهب، ولقبت من خلالها بسيدة التراث العراقي".

وتضيف "لن تقف الطموحات عند هذا الحد، بل قريبا ستعبر الحدود عربيا وعالميا، خاصة بعد حصولي على دعوة من لبنان لحضور مهرجان للتراث العربي، وعن إيصال الفن وإحيائه في نفوس الأجيال الجديدة، بدأت بالسعي لتأسيس مقهى تراثي يجمع المؤرخين والأدباء والمختصين عمليا بالتراث وقريبا ستبزغ شمسه، إلى جانب الاتفاق مع صحيفة البيئة الجديدة على عمل عمود أسبوعي خاص بي للتعريف بأرشيف العراق التراثي".

البيئة وتشجيع المقربين لم يكونا ليوصلا زهرة إلى مكانتها اليوم لولا القناعة بالفكرة وتوشيحها بالمحاولة للوصول إلى الأهداف التي اغتنمت فيها تفردها بالساحة التراثية كامرأة، فسخرت كل طاقاتها لهواية ورثتها من الأجداد لتنقلها إلى الأبناء متطلعة لإيصالها إلى الأحفاد.

المصدر : الجزيرة