أمهات ينسين أطفالهن في الأماكن العامة.. استهتار أم مرض؟

Nagwan Lithy - هل يمكن التعاطف مع أم تنسى طفلها؟ (بيكساباي) - أمهات تنسى أطفالهن في الأماكن العامة.. استهتار أم مرض؟
هل يمكن التعاطف مع أم تنسى طفلها؟ (بيكسابي)

زهراء مجدي

في الأسبوع الماضي طلبت راكبة من الطيار العودة بعدما أدركت أنها نسيت طفلها، كان الطيار في طريقه إلى العاصمة الماليزية كوالالمبور منطلقا من مطار الملك بن عبد العزيز في جدة، تشاور لدقائق مع برج المراقبة الجوية، وأبلغه أن "المسكينة ترفض استكمال الرحلة"، وبالفعل عادت الطائرة والتقطت الأم طفلها من استراحة المطار.

من النادر أن تحول الطائرات مسارها أو تعود إلى محطة إقلاعها لأي شيء غير الأسباب التقنية أو صحة الركاب، ولكن أليس من النادر أن تنسى أم رضيعها؟

يعتقد معظم الآباء والأمهات أن نسيان أطفالهم أمر لن يحدث لهم أبدا حتى يحدث ذلك، فكتبت نيل فريزل الصحفية في غارديان في الدفاع عن السيدة التي نسيت طفلها أن نسيان الطفل أمر معتاد، وأنها نسيت طفلها في المراحيض العامة وفي مواقف الأتوبيس والقطارات حتى أنها ذات مرة وضعت فوقه حقيبة يدها ووشاحها والكتب والمفاتيح، الفارق الوحيد أنها بدلا من أن تنساه على الأرض وتطير جوا تركته 55 مرة وكانت العودة لالتقاطه سهلة.

تعرف نيل أن ذلك أمر غريب على أي شخص إلا على أم تفوح منها رائحة العرق لأنها لا تملك الوقت لتستحم أو تنام أو تريح فقرات ظهرها، ففي الأشهر الأولى من الولادة تحتاج الأم لمن يرعاها، ولكنها في حالات كثيرة مثل الطلاق أو انشغال الأب تجد نفسها مجبرة على التعامل مع الأمر الواقع بمخاوفه.

في هذا الوقت تشعر الأم بأن جسمها انقسم لشخصين متعارضين، وكلا الشخصين لديه احتياجاته، فتقف والحليب يتسرب من صدرها، ولا تعرف أين ترضعه، وهي تعاني من صرخات طفلها وألم الولادة.

‪متلازمة الطفل المنسي مصطلح ابتكره الإعلام للسخرية من الآباء‬ (بيكسابي)
‪متلازمة الطفل المنسي مصطلح ابتكره الإعلام للسخرية من الآباء‬ (بيكسابي)

إعانة
حولت نيل الأمر من لوم الأم للسؤال عمن يعينها، وعن الأب، وأول من لاحظ وجود طفل وحيد في استراحة المطار، وعن رد فعل الركاب عندما طلبت منهم الأم الموافقة على العودة، ومن يهتم بأنها تسافر عبر القارات مع رضيعها بمفردهما.

وأكدت أنه بدون مساعدة الشريك أو أحد الأقرباء لا تستطيع الأم تأدية مئات المهام الطارئة التي تتطلبها منها الحركة في المطارات عبر العالم مع طفل رضيع، دون التقصير في بعض الأحيان، وأن الأم بالتأكيد كانت تتمنى أن تنسى جواز سفرها ولا تنسى طفلها، ولكن ذلك لم يحدث. 

تعرض عدد من المشاهير لهذا الموقف، وربما أشهرهم كيم كارديشيان وديفد كاميرون، ولم يسلما بالطبع من سخرية الجماهير واتهامهما بالإهمال، وذلك لأن الكثير يخجل من قول "أنا أيضا مررت بذلك"، فسألنا نساء عدة من حولنا: هل من الطبيعي أن تنسى أم طفلها وترحل؟ اختلفت الإجابات بين هجوم على الأم أو التماس أعذار لها.

أخذت منى وقتها لتبرر موقف سيدة الطائرة حتى قالت إنها نسيت طفلها هي الأخرى، كان ذلك وطفلها لم يكمل شهره الثالث حتى تركته وأغلقت باب شقتها وهي حافية القدمين والمفتاح داخل الشقة، مما اضطرها للاتصال بزوجها الذي جاء مسرعا ولم يكف عن لومها، لكنها كانت تحتفظ لنفسها بمبرراتها وحاجتها الملحة للراحة ولم تشعر بالذنب.

سيارة
مثل منى كانت سلوى التي نسيت طفليها في السيارة على جانب الطريق عندما لمحت صديقتها التي لم تقابلها منذ ست سنوات، شعرت سلوى في هذا الوقت بأنها عادت فتاة صغيرة لدقائق ونسيت أنها أم وانخرطت في الحوار الممتع، وما إن التفتت لسيارتها حتى تذكرت طفليها على الفور وعادت لهما.

على عكس ذلك اعتبرت شيرين -وهي أم لطفلين- أن ذلك لا يمكن أن يحدث لأي أم، ثم عادت لتقول "على الأقل لي أنا".

ووفقا لأستاذ علم النفس في جامعة جنوب فلوريد البروفيسور ديفد دايموند، فإن ظاهرة نسيان الأطفال يمكن أن تحدث لأي إنسان إذا كانت ظروف حياته روتينية وطفله ليس في محيط نظره، وإذا حدث ذلك يموت الطفل في كثير من الأحيان.

ما دام الطفل لا يحدث صوتا وبعيدا عن النظر ينسى المسؤول عنه مهمته (بيكسابي)
ما دام الطفل لا يحدث صوتا وبعيدا عن النظر ينسى المسؤول عنه مهمته (بيكسابي)

وعلق دايموند على مصطلح "متلازمة الطفل المنسي"، وقال لـ"إن بي سي نيوز" إنه مصطلح صاغته وسائل الإعلام للسخرية من الآباء الذين ينسون أبناءهم، وليس لتغيير النظرة الموجهة ضدهم مع تكرار الحوادث، فليس لدينا أي حق أو سلطة للتشكيك في قدرة أي والد على التغلب على التوتر أو القيام بأفعال غير مألوفة.

وقال دايموند "إننا جميعا تعرضنا لتجربة عندما تكون لدينا خطة مستقبلية، ثم ننسى إكمال هذه الخطة، وهنا يقع الذنب على الذاكرة وليس درجة حب الطفل، فتتنافس أجزاء الدماغ بين الماضي قبل الولادة وبين الحاضر، فالدماغ يعمل على مستويين: واع وغير واع، فيعمل المستوى الواعي على وضع الإستراتيجيات، في حين المستوى غير الواعي يعمل بشكل مستقل تماما عكس خططك التي تبدأ من نسيان الوقوف عند المتجر وحتى نسيان طفلك، وفي الحالتين لا يمكننا الجدال مع وظائف الدماغ".

علاج
كان دايموند قد أجرى بنفسه لقاءات عدة بهدف العلاج النفسي مع آباء مات أطفالهم في سياراتهم بعد تركهم ونسيانهم لساعات طويلة مع ارتفاع درجة حرارة السيارة أو تبريدها بالمكيف، وأكد على تشابه القصص بدرجة كبيرة، وأن أهمية الطفل المنسي ودرجة حبهم له لا دور لهما.

فقط الدماغ يملأ الفجوات بكون الطفل في مكان آمن، أو في رعاية أمه أو جدته أو في روضته، وليس هناك في المقعد الخلفي للسيارة، فما دام الطفل لا يحدث صوتا وبعيدا عن النظر ينسى المسؤول عنه مهمته ويخلق الدماغ ذاكرة زائفة، فتعتقد الأم أن الأب سيتذكر، ويعتقد الأب أنه في سيارة الطفل التي يجرها أمامه، ليتحرك الوالدان بيقين مطلق بأن الطفل آمن بينما هو يحتضر.

في إحصاء لمركز كيدز آند كارز بالولايات المتحدة توفي 804 أطفال عام 1994 نسيهم آباؤهم في السيارة، وفي نحو 55% من تلك الحالات لم يكن الوالد يعلم بأن الطفل كان في السيارة.

المصدر : الجزيرة