مستبدة أم حكيمة.. هل تنجح النساء في قيادة العالم؟ العلم يجيب

U.S. Democratic presidential nominee Hillary Clinton reacts as she arrives to attend a Sunday service at Union Baptist Church accompanied by
هيلاري كلينتون واحدة من أشهر النساء اللواتي سعين للرئاسة (رويترز)

زهراء مجدي-القاهرة

قد تتخيل للوهلة الأولى أنه إذا ثبتت أفضلية المرأة سيكون قد حان الوقت لسحق النظام الأبوي وترك النساء يحكمن العالم، فبالنسبة لمعظمنا عبارة "المرأة الحاكمة" تستحضر صورا تشبه قبائل الأمازون التي تعيش فيها النساء بمفردها، وتخرج للتخصيب وقتل الرجال، لكن علماء الأنثروبولوجيا والاجتماع لا يرون في حكم المرأة إضرارا بسيطرة الرجل.

قد حكمت المرأة أو لا تزال تحكم 50% من دول العالم، بينها ألمانيا وتشيلي وبريطانيا وكوريا الجنوبية.

كانت هيلاري كلينتون واحدة من أشهر النساء اللواتي سعين للرئاسة، وهي تؤمن باختلاف قدرات المرأة عند القيادة، فقالت "أعتقد أن النساء مستمعات بشكل أفضل، وأكثر تعاونا، وأكثر انفتاحا على الأفكار الجديدة، وبحثا عن الحلول المرضية لكافة الأطراف". لكن هل هذا حقيقي؟ هل تقود النساء بشكل مختلف عن الرجال بسبب جنسهن؟

‪عضوات الكونغرس الديمقراطيات باللون الأبيض في لحظة تاريخية تعبر عن موقفهن من قضايا المرأة خلال خطاب الرئيس ترامب‬  (الفرنسية)
‪عضوات الكونغرس الديمقراطيات باللون الأبيض في لحظة تاريخية تعبر عن موقفهن من قضايا المرأة خلال خطاب الرئيس ترامب‬  (الفرنسية)

المرأة مستمعة جيدة
حاولت العلوم الاجتماعية الإجابة عن حقيقة وجود ما يسمى بأسلوب القيادة الأنثوي. استند بحث منشور في مجلة قسم الإدارة الحكومية الدولية التابعة للجمعية الأميركية للإدارة العامة، على تصنيف سلوكيات القادة الأفراد في مجالات عدة مثل مديري الأعمال المتوسطة ورؤساء الأقسام والعمداء في الجامعات.

وقد وجد الباحثون أن النساء أكثر ميلا لأن يكن ديمقراطيات ومتعاونات أكثر من نظرائهن من الرجال، فهن يطلبن المشاركة من الآخرين ويضعن وجهات النظر المختلفة في الاعتبار ويحاولن التوفيق بين الآراء.

كما كانت النساء أقل عرضة لفرض حلول دون استشارة الفريق، فتركز المرأة القائدة أيضا على إقامة وتطوير علاقات إيجابية مع الآخرين، وتميل لتشجيعهم بالحوافز الإيجابية، ولا تحبذ تهديدهم أو التقليل من مزاياهم، كما أنها لا تتهرب من اتخاذ القرارات الصعبة، وفي المقابل كان الرجال أميل للاستبداد وفرض آرائهم.

أجرت الجمعية الأميركية لعلم النفس دراسة منشورة بمجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي على مواقف القادة وقيمهم، كانت النتيجة أنه في المتوسط تميل المرأة لأن تكون أكثر تعاطفا من الرجل، وأن لديها إيمانا أكبر بالمساواة، في المقابل يميل الرجال لاستخدام القوة لتحقيق إنجاز شخصي من القيادة.

وبالنسبة للقضايا السياسية والاجتماعية، تحبذ المرأة مساعدة الفئات المحرومة أكثر من الرجال، وعادة لا تشمل الفئات النساء فحسب، بل الأطفال والأقليات العرقية والفقراء، وفي المجالس التشريعية تكون النساء، وخاصة الملونات والممثلات لأقلية، أكثر ميلا من نظرائهن البيض إلى الدعوة لسياسات متعاطفة لصالح النساء والأطفال والأسر والفقراء، ودعم الصالح العام في قضايا مثل الصحة والرعاية والتعليم، وهذه الاتجاهات في السلوك أضعف بكثير خاصة عند دراسة أداء الجمهوريين من المشرعين في الولايات المتحدة الأميركية كمثال.

‪إلهان عمر فازت في مقاطعة بولاية مينيسوتا لتكون نائبة في مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي‬ (رويترز)
‪إلهان عمر فازت في مقاطعة بولاية مينيسوتا لتكون نائبة في مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي‬ (رويترز)

أكثر اهتماما بمصلحة الموظفين
ليس هناك ما يضمن أن تصبح عملية صناعة القرار أسرع من خلال دمج المزيد من النساء في مقصورة القيادة، لكن يتطلب جني ثمار التنوع تعلم العمل مع أشخاص مختلفين، وبأهداف مختلفة بين الحزم والمساواة الاجتماعية والتحفيز؛ فلا تزال قيادة الأعمال تحت سيطرة الذكور إلى حد كبير، إذ تشكل النساء نسبة 4% فقط من الرؤساء التنفيذيين في الولايات المتحدة وفقًا لقائمة " Fortune 500″.

وفي بحث منشور في المجلة الاقتصادية الأميركية بعنوان "النمط الأنثوي لقيادة الشركات"، يدرس تأثير الحصص حسب نوع الجنس لمقاعد مجالس إدارة الشركات على قرارات الشركات، بدا أن مجرد كونك امرأة يجعلك أكثر حساسية لكل من يشاركك العمل، فتهتم برعايتهم الصحية وتقاعدهم.

اهتم البحث بالعلاقة بين نوع الجنس لمجالس بعض الشركات وقدرة هذه الشركات على تعزيز إنتاجيتها، وتبين من تحليل النتائج أن الشركات التي تتمتع النساء في مجلسها بنصيب أكبر، تظهر مزيدا من المسؤولية الاجتماعية تجاه موظفيها، وتبني نساؤها سمعة اجتماعية إيجابية لمناخ العمل بها، كما يرتبط وجود امرأة في الإدارة بإمكانية أقل في تسريح الموظفين خلال فترات عدم الاستقرار.

ودرس الباحثون قرارات المديرين أيام الأزمة الاقتصادية العالمية، ووجدوا أن عدد الموظفين الذين تم تسريحهم من العمل لخفض المرتبات أقل بنسبة 29% في الشركات المملوكة للنساء، وحتى بعد السيطرة وعودة الصناعة، كانت الشركات التي تديرها امرأة تعمل بأكبر عدد من العمال بعد انقضاء فترة الركود، وكانت أقل عرضة لتوظيف عمال مؤقتين أو مستأجرين.

وتبدو النساء أقل اهتماما بأصحاب رأس المال والمساهمين في مقابل الاهتمام بالموظفين وعائدات المشاريع المجتمعية، وتتسق هذه الأولويات مع مواقف وقيم المرأة التي تتسم بالرحمة والرأفة نسبيًا.

‪معظم البريطانيين لم يعرفوا في حياتهم ملكة أو ملكا آخر غير إليزابيث (93 عاما)‬ (رويترز)
‪معظم البريطانيين لم يعرفوا في حياتهم ملكة أو ملكا آخر غير إليزابيث (93 عاما)‬ (رويترز)

الرأفة طبيعة أم سلوك إداري؟
كان من الصعب معرفة أسباب الاختلافات بين الرجل والمرأة في غرفة القيادة، لكن من السهل توقعها بشكل عام، فمن المتوقع أن تكون المرأة راعية ولطيفة ومتفهمة، ومن المنتظر من الرجل أن يكون حازما وقويا ومتمسكا برأيه، وكذلك في القيادة بشكل عام.

فتتعارض بعض التوقعات بالنسبة للمرأة مع كونها قائدة، ويصعب هذا التناقض الأمر على المرأة في القيام بدورها، لأنها تواجه رابطا مزدوجا؛ فتتحمل الضغوط من أجل أن تظل امرأة دافئة ولطيفة، وعليها أن تكون حازمة لأنها قائدة، وإلا فقدت السيطرة.

تمسك بعض الباحثين بأنه قد لا تسري هذه الخصائص المميزة على كل رجل وامرأة يرأس مجموعة أو في كل موقف يجد فيه أحدهما نفسه صاحب القرار.

فعلينا الأخذ في الاعتبار أن متوسط الرجال في المناصب القيادية أكبر من النساء، حيث يرى بعض الباحثين أن أساليب القيادة بين الرجال والنساء تتشابه كثيرا في المراكز والمواقف نفسها، لأن هذه الأساليب تتأثر بعوامل كثيرة غير نوع الجنس. واعتمد الباحثون في أدلتهم على بعض النساء والرجال ممن شذوا عن طبيعة جنسهم مثل مارغريت تاتشر التي اشتهرت بأسلوبها الاستبدادي والحازم للغاية، والتي يقابلها الرئيس التنفيذي لشركة "آبل" تيم كوك، المعروف بتعاونه في العمل وحبه لروح الفريق واعتباره لآراء من معه، وكان ذلك من أسباب نجاحه.

المصدر : الجزيرة