الحكومة قررت توقيعها.. اتفاقية "سيداو" تضع نساء السودان في خندقين متباعدين

وقفة نسوية رافضة لسيداو أمام وزارة العدل أمس الخميس ـ سوشال ميديا
النساء الرافضات للتوقيع على سيداو سيقدن حملة تبدأ من المجتمعات المحلية وصولا لتنظيم احتجاجات كبرى أمام مجلس الوزراء (مواقع التواصل)

أحمد فضل-الخرطوم

وضعت توجيهات الحكومة السودانية بإقرار اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) النساء السودانيات في خندقين متقابلين وسط توقعات باتساع حملات مضادة بالغة الحدة.

ورغم أن‏ عضو مجمع الفقه الإسلامي الشيخ عبد الحي يوسف‏ كان من أوائل المبادرين لانتقاد حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بسبب سيداو، فإنه آثر الانسحاب مع تزايد الحركة النسوية الرافضة.

‏‏وغرد عبد الحي على تويتر الاثنين الماضي قائلا "ما ورد في الأخبار من نية الحكومة الانتقالية بالسودان التوقيع على بعض الاتفاقات الدولية المناقضة لأصل الشريعة الإسلامية كاتفاقية سيداو باطل شرعيا ودستوريا وقانونيا وأخلاقيا".

ووقع على الاتفاقية التي تثير الجدل بالسودان أكثر من 189 بلدا، في حين ترفض 6 دول أعضاء بالأمم المتحدة الانضمام للاتفاقية، وهي إيران وبالاو والصومال والسودان وتونغا والولايات المتحدة.

تصاعد الاحتجاجات
وبادرت أمانة المرأة والطفل بالاتحاد العام لنقابات عمال السودان بتسخين الملعب الاثنين الماضي عندما نظمت احتجاجا محدودا أمام مقر الاتحاد المطل على شارع الجمهورية بالخرطوم.

ونهار الخميس قادت مسؤولة هذه الأمانة إيمان أحمد سيد أحمد مبادرة باسم "سودانيات ضد سيداو"، ونظمت احتجاجا أكثر اتساعا أمام وزارة العدل.

واحتفى تيار نصرة الشريعة ودولة القانون الذي يعد الشيخ عبد الحي أبرز قادته، بالاحتجاج النسوي عبر صفحته في فيسبوك.

وتقول إيمان للجزيرة نت إن النساء الرافضات للتوقيع على سيداو سيقدن حملة تبدأ من المجتمعات المحلية والمساجد ومنصات التواصل الاجتماعي وصولا إلى تنظيم احتجاجات كبرى أمام مجلس الوزراء.

وتضع إيمان الحكومة بين خيارين قائلة "إما أن تلغي الاتفاقية وإما سنلغي الحكومة نفسها"، قبل أن تضيف "السودان لن يوقع على الاتفاقية. خير لنا باطن الأرض من ظاهرها إذا وقّعت".

وتشير مسؤولة أمانة المرأة والطفل باتحاد العمال إلى أن النساء الرافضات للاتفاقية ستظل في الشوارع وأمام وزارة العدل ومجلس الوزراء لحين إلغاء التوجيه بالتوقيع على سيداو، موضحة أن الشارع ليس ملكا لقوى الحرية والتغيير.

‪وقفة نسوية رافضة لسيداو أمام وزارة العدل يوم الخميس‬ (مواقع التواصل)
‪وقفة نسوية رافضة لسيداو أمام وزارة العدل يوم الخميس‬ (مواقع التواصل)

معارضة سياسية
وتؤكد الناشطة النسوية تيسير النوراني للجزيرة نت أن ثمة شيطنة تقودها تيارات إسلامية ضد اتفاقية سيداو.

وتصف تيسير المعارضة للاتفاقية بأنها "معارضة سياسية" لجهة أن سيداو لا تتحدث عن الدين وإنما عن حقوق النساء في الصحة والتعليم والعمل وغيره، ولا يوجد أي بند يتحدث عن الإسلام أو المسيحية أو الدين.

وتمضي إلى أن ثمة جهات سياسية تستغل عاطفة النساء تجاه الدين والتقاليد والأعراف وتدفعهن للتظاهر ضد سيداو.

وتذهب الكاتبة الصحفية هاجر مكاوي في الاتجاه ذاته، وهي تقول للجزيرة نت إن الرفض لسيداو سياسي أكثر من كونه دينيا، مستدلة بتوقيع أغلب الدول الإسلامية، واستبعدت نجاح الحملة المقاومة لاتجاه الحكومة للتوقيع على الاتفاقية.

وخلال اليومين الماضيين خصص إبراهيم غندور رئيس المؤتمر الوطني المكلف -الحزب الحاكم سابقا- صفحته الرسمية على فيسبوك لمساندة الحراك النسوي الرافض لسيداو.

 

 

المسودة صفر
وتبدو مسوغات سهير أحمد صلاح نائبة الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي لرفض الاتفاقية أقرب إلى أنها سياسية، وتقول إن فكرة الاتفاقية تناسب الليبرالية والعولمة وتلغي تنوع الثقافات لصالح ثقافة كونية واحدة.

وتبين سهير للجزيرة نت أن المعارضين للاتفاقية ليسوا قاصرين على المسلمين بل يشملون الكنيسة والناشطات المسيحيات المحافظات والأفارقة المحتفين بالعقائد المحلية، فضلا عن إسرائيل التي ترى فيها مخالفة للديانة اليهودية.

وتدافع عن موقفها الرافض بأن المسودة رقم صفر لسيداو لم يكن السودان ودول المنطقة جزءا منها، لأنها تعالج مشكلات لأمم أخرى مبنية على مرجعياتها الثقافية والعقدية.

وتفيد بأن المشروعات اللاحقة للاتفاقية استهدفت إعادة بناء المجتمع والأسرة على أسس جديدة، مؤكدة أن أميركا لم توقعها بدعوى أن قوانينها أفضل، كما أن دستوريّ السودان في 1998 و2005 يعطيان المرأة تمييزا إيجابيا يتجاوز سيداو.

‪سهير أحمد: المعارضون للاتفاقية ليسوا قاصرين على المسلمين بل يشملون الكنيسة والناشطات المسيحيات المحافظات‬ (الجزيرة)
‪سهير أحمد: المعارضون للاتفاقية ليسوا قاصرين على المسلمين بل يشملون الكنيسة والناشطات المسيحيات المحافظات‬ (الجزيرة)

محاذير دينية
وترى مسؤولة أمانة المرأة والطفل باتحاد العمال أن سيداو تهدد الأسرة السودانية المتمسكة بالدين والأعراف المحلية، قائلة "الاتفاقية ضد المجتمع الإنساني وتقود لمجتمع حيواني يخالف الفطرة".

وتشير إلى أن المادة "2" من الاتفاقية "تلغي الولي وتعطي الفتاة حق الزواج من الكافر، ولا تتيح لها الزواج قبل بلوغ سن 18 سنة في حين تتيح لها أن تصادق رجلا قبل بلوغ هذه السن".

وتحذر بأنه حال التوقيع على سيداو فإن كل معارض لأي من بنودها سيتعرض للمحاسبة القانونية.

وتؤكد نائبة الأمين العام للمؤتمر الشعبي أن ثمة فريقا أمميا مكونا من 23 مراقبا يزور البلدان لمواءمة القوانين والدساتير مع اتفاقية سيداو، وهذا انتهاك لسيادة الدول وثقافتها وعقيدتها، وهناك اصطدامات سابقة مع هذا الفريق بالكويت وأستراليا.

‪تيسير النوراني: التواصل مع النساء المؤيدات لسيداو صعب بسبب تبنيهن موقفا سياسيا‬ (الجزيرة)
‪تيسير النوراني: التواصل مع النساء المؤيدات لسيداو صعب بسبب تبنيهن موقفا سياسيا‬ (الجزيرة)

حملات مستمرة
وما إذا كانت النساء المؤيدات لسيداو سيكون مطلوبا منهن التواصلُ مع الرافضات، تقول تيسير النوراني إن التواصل مع هذه الشريحة صعب لأن لديهن مصدات بسبب تبنيهن موقفا سياسيا.

وتعهدت بحملة في جلسات القهوة والمجتمعات المحلية ودور القرآن والإعلام والمؤسسات والمدارس لشرح مكاسب الاتفاقية الخاصة بالحصول على حوافز وتمويل المشافي والتدريب لصالح النساء وذلك من أجل تأسيس المواقف على معرفة.

وتدعو هاجر مكاوي للنظر للاتفاقية على أنها جهد بشري عالمي وجزء من الحضارة الإنسانية في اتجاه تعظيم دور المرأة في المجتمع والاعتراف بحقوقها.

 

 

وتقول "من خلال مناصرتي لقضايا المرأة أرى في سيداو ما يعزز ثقة المرأة بنفسها ويرفع قيمتها بالنظر إليها كصاحبة قيم إنسانية عليا تتجاوز الأطر التي تعمق الاختلاف أيا كان دينيا أو فكريا أو ثقافيا".

وتتصل الحملات المناهضة للتوقيع على اتفاقية سيداو بوقفة احتجاجية بالخرطوم اليوم الأحد تقودها مبادرة "سودانيات ضد سيداو" للإبقاء على الموقف المتحفظ على الاتفاقية الذي كانت تقوده الحكومة السابقة.

المصدر : الجزيرة