هل تجاوزت الطاقات المتجددة أهم العقبات؟

Water levels are seen at the Katse dam in Lesotho, January 28, 2018. Picture taken January 28, 2018. REUTERS/Victor Antonie
المصادر المائية كالسدود تشكّل حاليا أكبر مصدر للطاقة المتجددة (رويترز)

الصغير محمد الغربي

تعد مسألتا ارتفاع الكلفة وضآلة قدرة التخزين من بين أهم العوائق التي حالت لسنوات طويلة دون تطور استعمال الطاقات المتجددة بديلا للطاقات الأحفورية، فنسبتها على المستوى العالمي لم تتجاوز إلى حد اليوم 13%. ولكن يبدو أن هذه العوائق بدأت تتلاشى شيئا فشيئا في السنوات القليلة الماضية بفعل التقدم التقني. فهل أصبحت الطاقات المتجددة في طريق مفتوح لإزاحة المصادر التقليدية للطاقة عن عرشها؟
 

مؤخرا أعلنت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في تقريرها للعام 2017 أن الطاقات المتجددة لا تمثل إلا 23.5% من جملة المصادر المستعملة في إنتاج الكهرباء في العالم. وإذا ما استثنينا المصادر المائية المستعملة في إنتاج الكهرباء من خلال السدود، فإن بقية المصادر وخاصة منها الشمس والرياح لا تمثل وحدها إلا 6.3% من مصادر الطاقة في العالم. وهو ما يدل على أن هذه المصادر المتجددة ما زالت هامشية رغم الاهتمام العلمي والإعلامي الكبير بها.

وكثيرا ما يقدم المختصون مسألة ارتفاع الكلفة وضعف قدرة التخزين على أنهما العقبتان الكأداءتان اللتان تقفان حجر عثرة أمام تطور استخدام الطاقات المتجددة.

تكلفة تسير للانخفاض
ويقدم خبراء الوكالة في التقرير ما يبعث على التفاؤل فيما يخص الانخفاض المتواصل لأسعار الطاقات المتجددة. إذ يؤكدون أن تكلفة الطاقة المستمدة من المصادر الطبيعية كالشمس والرياح تسير حثيثا نحو الانخفاض بما سيمكّنها من أن تصبح بعد سنتين دون تكلفة الطاقة التقليدية.

فقد انخفض متوسط تكلفة الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية الكهروضوئية بنسبة 75% بين عامي 2010 و2017 ليبلغ 10 سنتات للكيلوواط ساعة مع انخفاض قياسي في الأسعار مؤخرا قدره 3 سنتات للكيلوواط ساعة أو أقل في بعض البلدان مثل شيلي والمكسيك وبيرو.

‪تكلفة طاقة الرياح انخفضت بنسبة 23% بين عامي 2010 و2017 لتبلغ في المتوسط ستة سنتات للكيلوواط ساعة في 2017‬ (رويترز)
‪تكلفة طاقة الرياح انخفضت بنسبة 23% بين عامي 2010 و2017 لتبلغ في المتوسط ستة سنتات للكيلوواط ساعة في 2017‬ (رويترز)

أما تكلفة طاقة الرياح فقد انخفضت بنسبة 23% في الفترة نفسها لتبلغ في المتوسط ستة سنتات للكيلوواط ساعة في العام 2017. ووصلت هذه التكلفة إلى أربعة سنتات للكيلوواط ساعة في بعض الأحيان.

وتؤكد الوكالة الدولية للطاقة المتجددة أنه بحلول العام 2020 ستصبح تكلفة الطاقة المستمدة من جميع المصادر المتجددة في مستوى كلفة الطاقة التقليدية المستمدة من النفط ومشتقاته التي تتراوح بين 3 و10 سنتات.

أنظمة تخزين جديدة
لكن عقبة أخرى تقف أمام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وهي أنه لا يمكن توليدها إلا بشكل متقطع، أي عندما تكون الشمس مشرقة أو الرياح قوية بما فيه الكفاية. وهو ما يستوجب اللجوء إلى تخزين هذه الطاقة لضمان انتظام إمداد المستعملين بها وتواصله.

من أجل ذلك نجحت بعض الشركات في تطوير تقنيات جديدة لتخزين الطاقة بهدف تلافي إشكالية عدم الانتظام التي تعاني منها مصادر الطاقات المتجددة.

من ذلك تطوير شركة تيسلا الأميركية بطاريات تجمع بين الكفاءة والسعر المناسب. وقد أنشأت الشركة مصنعا دخل حيز العمل خلال العام الماضي، وهو أكبر مصنع من نوعه في العالم بإمكانه إنتاج أكثر من 500 ألف بطارية للسيارات الكهربائية، إضافة إلى إنتاج بطاريات للاستخدام المنزلي بهدف تخزين الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح واستعمالها عند الحاجة.

أبرز عقبة أمام الطاقات المتجددة، كالطاقة الشمسية، هو تخزينها من أجل استخدامها بشكل منتظم ودون انقطاع (رويترز)
أبرز عقبة أمام الطاقات المتجددة، كالطاقة الشمسية، هو تخزينها من أجل استخدامها بشكل منتظم ودون انقطاع (رويترز)

كما نجحت هذه الشركة في صنع بطارية عملاقة ذات سعة مئة ميغاوات تتم حاليا تجربتها في أستراليا لإمداد 30 ألف ساكن بالطاقة المتجددة بشكل منتظم ودون انقطاع.

ولجأت شركات أخرى إلى استنباط حلول غير مكلفة لتخزين الطاقة مثل استخدام الملح الذي لجأت إليه شركة سولارزيرف الأميركية في محطة الطاقة الشمسية المركزة المقامة في صحراء نيفادا. إذ تقوم أشعة الشمس المركزة بتسخين الملح إلى أكثر من 800 درجة مئوية ليصبح منصهرا ثم يتم تخزينه في خزان عملاق معزول ويمكن استغلالها لتوليد البخار وتشغيل التوربينات.

ففي هذه الدرجات العالية للحرارة يتدفق الملح المنصهر داخل الأنابيب كما يفعل الماء، ليمر من خلال مبادل حراري يولّد البخار لتشغيل مولد التوربينات. ويتسع الخزان لكمية من الملح المنصهر تكفي لتشغيل المولد لمدة عشر ساعات وبإمكانه توفير طاقة تبلغ 1100 ميغاواط ساعة.

هل زالت كل العقبات؟
لا شك في أن انخفاض التكلفة الذي سيستمر خلال السنوات المقبلة لينزل إلى ما دون تكلفة الطاقة التقليدية -حسب التوقعات- وانتشار تقنيات التخزين سيساهمان بشكل كبير في اعتماد متزايد على الطاقات المتجددة في المستقبل، والرفع من نسبة الاعتماد عليها مستقبلا. لكن هل يعني ذلك زوال كل العقبات من طريق المصادر النظيفة للطاقة؟

من المؤكد أن عدد العقبات لا يزال كبيرا، ولئن كان أغلبها أقل أهمية من مسألة التخزين وانخفاض الكلفة. من ذلك مسألة نقل الطاقة المتجددة من موقع الإنتاج إلى موقع الاستهلاك، وهي مسألة تهم خاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ويمكن الإشارة هنا إلى مشروعين عملاقين تم الإعلان عنهما سابقا لإنتاج الطاقة الشمسية في الصحراء الكبرى (الجزائر وتونس وليبيا) ونقلها إلى أوروبا لكنهما لم يريا النور. وكانت إحدى العقبات الهامة هي مسألة نقل الكهرباء التي ترفع تكلفة الطاقة المنتجة.

مسألة أخرى قد تحدّ من سرعة انتشار الطاقات المتجددة هي القرارات السياسية. إذ لا يجب أن ننسى أن هذا المجال تتحكم فيه ثلاثة عوامل رئيسية، وهي العامل التقني بما ينتجه من تقنيات تساعد على زيادة مردودية إنتاج الطاقة، وتوفير وسائل جديدة للتخزين أي العامل التجاري والاقتصادي الذي من أجله تشاد محطات التوليد، وكذلك العامل السياسي الذي يوجه العاملين السابقين بالتشجيع أو التثبيط.

وليس بعيدا عنا قرار الرئيس الأميركي العام الماضي الانسحاب من اتفاق باريس بشأن التغيرات المناخية، وبالتالي عدم الالتزام بتوفير مصادر بديلة للطاقة الأحفورية الملوثة. وتبدو الطاقات المتجددة في هذا المشهد أشبه بالعداء في سباق الحواجز، فكلما اجتاز حاجزا عليه الاستعداد للحاجز الموالي.

_____________
* إعلامي تونسي متخصص في الشؤون العلمية 

المصدر : الجزيرة