استكشاف الكواكب خارج النظام الشمسي.. لماذا؟

This artist's impression shows an imagined view of the three planets orbiting an ultracool dwarf star just 40 light-years from Earth that were discovered using a specialist telescope at ESO's La Silla Observatoryin Chile, according to new findings by an international team of astronomers, May 2, 2106. ESO/M. Kornmesser/N. Risinger/Handout via Reuters ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. EDITORIAL USE ONLY
رسم فني يبين الكواكب الثلاثة التي تدور بالنطاق الصالح للحياة حول نجمها في نظام ترابيست-1 المكتشف أخيرا (رويترز)

الصغير الغربي*

يعتبر مجال البحث عن الكواكب خارج المجموعة الشمسية أحد أهم مجالات استكشاف الفضاء في السنوات الأخيرة، إذ تتنافس مختلف وكالات الفضاء لاستكشاف المزيد من الكواكب البعيدة وخاصة تلك الشبيهة بالأرض. فإذا لم يكن الهدف هو إيجاد بديل عن الأرض لاستيطانه يوما ما، فما هي الدوافع الحقيقية لاكتشاف هذه الكواكب البعيدة؟

منذ اكتشاف أول كوكب خارج النظام الشمسي عام 1995 تسارع نسق اكتشاف هذه الأجرام من قبل وكالات الفضاء، وفي مقدمتها وكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) ووكالة الفضاء الأوروبية (إيسا) بفضل تطور وسائل الاستكشاف.

فطوال العشرين عاما الأولى من الجهود الاستكشافية (من 1995 إلى 2015) تم اكتشاف حوالي ألفي كوكب، بينما من المتوقع أن يستكشف هذا العدد أو أكثر بين عام 2015 ونهاية العام الحالي. ويفوق العدد الإجمالي للكواكب المكتشفة حتى اليوم 3600 كوكب.

وزاد في نسق استكشاف هذه الأجرام البعيدة العثور على كواكب شبيهة بالأرض من حيث الحجم والتركيبة. فمعظم الكواكب المكتشفة عملاقة وغازية شبيهة بالمشتري. لكن ذلك لم يمنع العلماء في السنوات الأخيرة من اكتشاف كواكب صغيرة بحجم كوكبنا في مدارات تبدو مناسبة لتطور الحياة على سطحها.

وكان آخر هذه الاكتشافات العثور على سبعة كواكب تدور حول نجم "ترابيست1" في فبراير/شباط الماضي، ثلاثة منها كانت في النطاق الصالح للحياة حول النجم. وهو ما غذى الأمل في احتمال العثور على كوكب يحتوي على كل العناصر الأساسية لوجود الحياة وعلى رأسها الماء السائل.

يملك النظام المكتشف ترابيست-1 سبعة كواكب ثلاثة منها تدور حول النجم ضمن المنطقة الصالحة للحياة وفقا للعلماء
يملك النظام المكتشف ترابيست-1 سبعة كواكب ثلاثة منها تدور حول النجم ضمن المنطقة الصالحة للحياة وفقا للعلماء

لكن المسافات الكبيرة التي تفصلنا عن هذه الكواكب الخارجية توقظنا من حلم السفر إليها يوما ما واستيطانها. فمجموعة "ترابيست1" تبعد عنا 39 سنة ضوئية، أي أن الضوء الذي نراه الآن منها صدر عندما كانت كأس العالم تقام في الأرجنتين عام 1978، أما كوكب "كبلر 452 بي" الشبيه بالأرض والذي تم اكتشافه عام 2005 فيبعد عنا 1400 سنة ضوئية، أي أن الضوء الذي يصلنا منه صدر في عهد الخلفاء الراشدين.

ورغم إدراك وكالات الفضاء والعلماء باستحالة استيطان هذه الكواكب التي يتطلب السفر إلى مثلها مركبات أسرع بكثير من سرعة الضوء، فإنهم يملكون ما يكفي من الدوافع الأخرى لمواصلة استكشاف الكواكب البعيدة.

هل نحن وحدنا بالكون؟
أول هذه الدوافع هو الإجابة عن أسئلة طالما راودت الإنسانية منذ أمد بعيد: هل نحن وحدنا في الكون؟ هل توجد حضارة أخرى حول نجم من النجوم البعيدة؟

لقد تساءل الكثير من العلماء منذ القدم عن ماهية ما يوجد حول النجوم البعيدة، وتوقع الفيلسوف اليوناني أبيقور (القرن الرابع قبل الميلاد) وجود عدد لا نهائي من العوالم في الكون. وفي القرن الـ 16 توقع الفلكي الإيطالي جيوردانو برونو وجود كواكب حول النجوم البعيدة شبيهة بالمجموعة الشمسية لكنه لم يقدم أي برهان فيزيائي على ذلك.

وتحول التساؤل الفلسفي حول وجود عوالم أخرى شيئا فشيئا إلى علم الفلك الذي أصبح يمتلك بفضل التقدم التكنولوجي الوسائل التقنية للتحقق من ذلك خاصة من خلال استكشاف الكواكب البعيدة. ولا شك أن الإجابة عن السؤال السابق تمر عبر الإجابة عن سؤال علمي هذه المرة وهو: هل هناك حياة خارج النظام الشمسي؟

الكربون ووجود الماء السائل عاملان أساسيان لتشكل الحياة على أي كوكب
الكربون ووجود الماء السائل عاملان أساسيان لتشكل الحياة على أي كوكب

وأحد أهم المصاعب التي تعترض العلماء هي تحديد معنى الحياة وماهية الكائن الحي. فكل ما نعرفه هو الميكانيزمات التي تتحكم في الحياة على الأرض بما فيها تلك التي تطورت في ظروف قصوى من درجات حرارة منخفضة جدا أو عالية جدا، وهي حياة ترتكز على عنصر الكربون ووجود الماء السائل. ولا يستبعد العلماء وجود نمط آخر من الحياة في الكون حتى وإن لم نتخيل شكله.

لذلك فإن استكشاف الكواكب البعيدة سيساعد في استكشاف هذه الأنواع الجديدة من الحياة إن وجدت. ويكتفي العلماء اليوم بالبحث عن البصمات الحيوية لوجود الحياة كما نعرفها على الأرض مثل وجود الأوكسجين والماء السائل.

ووجود الماء سائلا يتطلب ظروفا خاصة من الحرارة والضغط الجوي على سطح الكوكب الذي يتعين أن يكون شبيها بالأرض، ويدور في مدار مناسب حول النجم المركزي. وحدد العلماء لذلك منطقة حول كل نجم تسمى النطاق الصالح للحياة. وهكذا فإن العلماء يبحثون على كواكب تتوفر فيها بعض أو كل هذه الشروط بهدف دراسة احتمال شكل من أشكال الحياة (مماثلة للحياة على الأرض) على سطحها.

تصحيح النظريات الكوكبية
دوافع أخرى لاستكشاف الكواكب خارج المجموعة الشمسية لا تغيب عن ذهن العلماء، هي التحقق من النظريات التي طورها الإنسان حول الكواكب.

فقد أظهرت عمليات استكشاف المجموعة الشمسية مدى اختلاف كواكبها بعضها عن بعض، وأثار هذا التنوع فضول العلماء للإجابة عن أسئلة مثل: كم يبلغ عدد الكواكب في باقي المجموعات؟ وكيف تتوزع في مداراتها حول النجم؟ وما هي أحجامها؟ مع ربط ذلك بفئة النجم وموقعه في المجرة.

وطوّر الإنسان جملة من النظريات حول الكواكب، بداية من تكونها وكيفية دورانها حول نفسها وميلان محورها وسرعة دورانها وموقع مدارها حول النجم المركزي. ويحتاج العلماء إلى التأكد إن كانت كل نظرية من هذه النظريات قابلة للتطبيق كذلك على الكواكب الخارجية لتصبح نظرية عامة.

‪الكوكب
‪الكوكب "بروكسيما بي" يدور حول النجم الأحمر القزم "بروكسيما سنتاوري" أقرب نجم لنظامنا الشمسي‬
الكوكب "بروكسيما بي" يدور حول النجم الأحمر القزم "بروكسيما سنتاوري" أقرب نجم لنظامنا الشمسي (رويترز)

وقد أُحبط العلماء كثيرا عندما اكتشفوا أن كثيرا من النظريات المتعلقة بكواكب النظام الشمسي لا تنطبق على الكواكب البعيدة. من ذلك، اكتشاف كواكب غازية وعملاقة تدور في مدارات قريبة جدا من النجم. وهو أمر كان يبدو في مجموعتنا غير ممكن.

لذلك وضع العلماء نظرية إضافية تسمى "هجرة الكواكب" تنص على أن هذه الكواكب العملاقة نشأت بعيدا عن النجم المركزي ثم بدأت تقترب شيئا فشيئا من مركز المجموعة بفعل الجاذبية. ونتج عن هذه الهجرة اضطراب كبير في المجموعة أدى إلى تصادم بين الكواكب واندثار الصغيرة منها. وقد اعتمد بعض العلماء هذه النظرية لتفسير تكون الأقمار.

بعيدا عن فكرة استيطان الكواكب خارج النظام الشمسي التي تبدو ضربا من الخيال في الوقت الحالي، فإن للدوافع المذكورة دور تحفيزي هام يسرع من نسق الاستكشاف. ولا شك أن هناك دوافع أخرى وإن لم تكن بنفس مستوى أهمية الدوافع المذكورة آنفا، لكن جميعها تشترك في كونها تنبع من فضول معرفي يدفع بالإنسان إلى إجلاء ظلمة الجهل بالأشياء من حوله إلى ما وراء حدود متسعة مكانيا وزمنيا.

________________
*إعلامي تونسي متخصص بالشؤون العلمية

المصدر : الجزيرة