هياكل أثرية تشبه الطائرات الورقية تقدم أول دليل على ممارسة الصيد شمال الجزيرة العربية

يُعتقد أن هياكل الصيد الهائلة التي تشبه الطائرات الورقية تم بناؤها خلال فترة مناخية أكثر رطوبة وخضرة تُعرف باسم فترة الهولوسين الرطبة (بين حوالي 9000 و4000 قبل الميلاد).

أحد الهياكل التي تشبه الطائرات الورقية المستخدمة بالصيد (مجلة ذا هولوسين)

استخدم علماء الآثار صور الأقمار الصناعية لتحديد ورسم خرائط لأكثر من 350 مبنى صيد يُعرف باسم "الطائرات الورقية" لم يتم توثيق معظمها من قبل شمال المملكة السعودية وجنوب العراق.

واستخدم فريق من الباحثين -في مشروع علم الآثار المهددة بالاندثار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "إيمينا" (EAMENA) بقيادة الدكتور مايكل فرادلي- مجموعة صور للأقمار الصناعية مفتوحة المصدر لدراسة المنطقة المحيطة بصحراء النفود الشرقية بعناية، والتي تمت دراستها قليلا في الماضي.

الطائرات الورقية الصحراوية

أظهرت نتائج الدراسة -التي نشرت لأول مرة بدورية "ذا هولوسين" (The Holocene)- أن لديها القدرة على تغيير فهمنا لارتباطات ما قبل التاريخ وتغير المناخ في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وبحسب البيان الصحفي لجامعة أكسفورد (University of Oxford) المنشور بتاريخ 2 سبتمبر/أيلول الجاري، تتكون هذه الهياكل -التي أطلق عليها الطيارون البريطانيون الأوائل في الحرب العالمية الثانية "الطائرات الورقية الصحراوية"-من جدران حجرية منخفضة تشكل سياجا رئيسيا وعددا من الجدران التوجيهية التي يبلغ طولها أحيانا عدة كيلومترات، ويُعتقد أنه تم استخدامها لتوجيه طرائد مثل الغزلان إلى منطقة يمكن أن يتم أسرها أو قتلها فيها.

ووفق البيان هناك أدلة على أن هذه الهياكل قد تعود إلى 8 آلاف سنة قبل الميلاد بالعصر الحجري الحديث. ولا يمكن ملاحظة الطائرات الورقية بسهولة من الأرض، لكن ظهور صور الأقمار الصناعية التجارية ومنصات مثل "غوغل إيرث" (Google Earth) مكّننا من ذلك.

استخدم العلماء صور الأقمار الصناعية لتحديد ورسم خرائط "الطائرات الورقية" (جامعة أكسفورد)

أدلة على التصميم المعقد والدقيق

كانت هذه الهياكل معروفة بالفعل شرق الأردن والمناطق المجاورة جنوب سوريا، لكن النتائج الأخيرة تأخذ التوزيع المعروف على مسافة تزيد على 400 كيلومتر شرقا عبر شمال السعودية، مع تحديد بعضها أيضا جنوب العراق لأول مرة.

وقال الدكتور فرادلي في البيان الصحفي للجامعة "الهياكل التي وجدناها أظهرت أدلة على التصميم المعقد والدقيق. من حيث الحجم، يمكن أن يصل عرض "رؤوس" الطائرات الورقية إلى أكثر من 100 متر".

وأضاف "في بعض هذه الأمثلة الجديدة، يمتد الجزء الباقي من الجدران في خطوط مستقيمة تقريبا لأكثر من 4 كيلومترات، وغالبا ما تكون فوق تضاريس متنوعة للغاية. ويُظهر هذا الأمر مستوى مذهلا من القدرة في تصميم هذه الهياكل وبنائها".

وتشير الدلائل إلى أنه كان لابد من تنسيق موارد كبيرة لبناء وصيانة وإعادة بناء الطائرات الورقية على مدى أجيال، جنبا إلى جنب مع الصيد ونقل الرفات المذبوحة إلى المستوطنات أو المخيمات لمزيد من الحفظ.

ويقترح الباحثون أن حجم وشكل الهياكل المبالغ فيهما قد يكونان تعبيرا عن المكانة والهوية. ويشير ظهور الطائرات الورقية في الفن الصخري الموجود بالأردن إلى إلى أنها احتلت مكانة مهمة في المجالات الرمزية والطقوسية لشعوب العصر الحجري الحديث بالمنطقة.

خريطة توزيع هياكل الطائرات الورقية في بلاد الشام وشمال الجزيرة العربية (جامعة أكسفورد)

مجال نشط للغاية

تعد أبحاث الطائرات الورقية الصحراوية مجالا نشطا للغاية، ويستكشف الدكتور فرادلي وزملاؤه الآن امتدادا مهما لنمط توزيعها، والذي له آثار كبيرة على فهمنا لعلاقة صانعي الطائرات الورقية بالرعاة المتنقلين الجدد واحتلال المنطقة.

ومن تصميم رؤوس الطائرات الورقية إلى المسارات الدقيقة للجدران التوجيهية على مسافات طويلة، تتناقض هذه الهياكل بشكل ملحوظ مع أي دليل آخر للهندسة المعمارية من فترة الهولوسين المبكرة.

وبحسب البيان الصحفي، يقترح الباحثون أن بناة هذه الطائرات الورقية سكنوا في هياكل مؤقتة مصنوعة من مواد عضوية لم تترك أي أثر مرئي على بيانات صور الأقمار الصناعية الحالية.

وتشير هذه المواقع الجديدة إلى مستوى غير معروف سابقا من الاتصال عبر شمال شبه الجزيرة العربية وقت بنائها. وتطرح أسئلة مثيرة حول بناة هذه الهياكل، ومن كان الهدف من لعبة المطاردة، وكيف تمكن الناس ليس فقط من البقاء على قيد الحياة، ولكن أيضا الاستثمار في هذه الهياكل الضخمة؟

أنواع الطائرات الورقية العريضة والجدران المتعرجة المسجلة بمنطقة المسح (مجلة ذا هولوسين)

أول دليل مباشر

في سياق هذا الترابط الجديد، يوفر توزيع الطائرات الورقية الآن أول دليل مباشر على الاتصال عبر صحراء النفود السعودية وليس حولها. وهذا يؤكد أهمية المناطق التي أصبحت الآن صحراوية في ظل ظروف مناخية أكثر ملاءمة لتمكين حركة البشر والحياة البرية.

ويُعتقد أن الطائرات الورقية تم بناؤها خلال فترة مناخية أكثر رطوبة وخضرة تُعرف باسم فترة الهولوسين الرطبة (بين حوالي 9000 و4000 قبل الميلاد).

وقد تم بناء أكبر عدد من الطائرات الورقية على هضبة اللبة في صحراء النفود، حيث يشير غياب آثار الدفن في وقت لاحق من العصر البرونزي إلى أن التحول إلى فترة جفاف يعني أن بعض هذه المناطق أصبحت هامشية للغاية لدعم المجتمعات بمجرد استخدام هذه المناظر الطبيعية، مع احتمال استبدال أنواع اللعبة أيضا بسبب تغير المناخ.

ويقوم المشروع الآن بتوسيع أعمال المسح عبر هذه المناطق القاحلة لتطوير فهمنا لهذه المناظر الطبيعية وتأثير تغير المناخ، وما إذا كانت أنماط بناء الطائرات الورقية عبر المكان والزمان تمثل حركة الأفكار أو الأشخاص، أو حتى اتجاه تلك الحركة.. وتظل هناك أسئلة يجب الإجابة عنها مستقبلا.

المصدر : مواقع إلكترونية