تحديد الأصل الجيني المهم لإدراك الفقاريات البيئة من حولها

ثبت أن "إتش إم إكس" (Hmx) جين مركزي احتفظ بوظيفته وهيكله الأصلي، وربما وجد في هذا الشكل في السلف المشترك للفقاريات وبخاخات البحر.

Yellow sea squirts. (Eric Burgers/Flickr/CC BY 2.0)
بخاخات البحر حيوانات بحرية على شكل زجاجة تقضي حياتها ملتصقة بجسم ثابت في قاع المحيط (فليكر)

قام باحثون بفك تشفير وظيفة الجين الضروري لتشكيل التراكيب العصبية في رأس الفقاريات وإدراكها للبيئة من حولها. وفي تعاون دولي -تضمن العديد من المؤسسات البحثية بقيادة جامعة أكسفورد- عرض الفريق البحثي النتائج التي توصل إليها في دراسة نشرت في دورية "نيتشر" (Nature) الشهيرة في 18 مايو/أيار الجاري.

أقرب الأقارب الأحياء للفقاريات

ووفقا لتقرير نشر على موقع "ساينس أليرت" (Science Alert)، يري بعض الباحثين أن الغَلَالِيّات أو بخاخات البحر أو القَمِيصِيّات (حيوانات بحرية على شكل زجاجة) تقضي حياتها ملتصقة بجسم ثابت في قاع المحيط، ويرى الباحثون أنها أقرب الأقارب الحية للفقاريات.

لكن الغريب أن بخاخات البحر ليست لديها رأس حقيقية، وبدل ذلك يتكون نظامها العصبي المركزي من كتل من الخلايا العصبية في الأجزاء الأمامية والخلفية من الجسم، مع وجود حبال ظهرية تربط بينهما.

وتبدو حيوانات بخاخات البحر مثل الإسفنج، مع عدم وجود رأس أو ذيل واضح. وبخاخ البحر اسم لمجموعة من الحيوانات البحرية التي تسمى أيضا الزِقّيّات، وتشتهر هذه الحيوانات بعادة بخ الماء من خلال إحدى فتحتي الجسم. ولبخاخ البحر البالغ جسم جلدي يشبه الزجاجة، ويقضي بقية حياته بعد البلوغ ملتصقا بالحجارة والمحارات وبعض الأجسام الأخرى الثابتة.

يظهر الشرغوف الخلايا العصبية ذات الذيل ثنائي القطب (أخضر) (جامعة إنسبروك)

ويرى عالم الحيوان يوت روثباشر من جامعة إنسبروك في النمسا أن بخاخات البحر نموذج تطوري للفقاريات، ويقول -في بيان صحفي نشرته الجامعة في 18 مايو/أيار الجاري- إن "بخاخات البحر تشبه نموذجا أوليا تطوريا للفقاريات، وربما كان سلفها المشترك يشبه إلى حد بعيد يرقة بخاخات البحر".

ولا يتفق جميع العلماء مع هذا الأمر، لأنه أمر مثير للجدل، لكن روثباشر وزملاءه وجدوا مؤخرا أدلة تدعم أفكارهم؛ إذ وجد بحثهم أن جينات "إتش إم إكس" (Hmx) التي تُشفر زوجا من الخلايا العصبية في يرقات بخاخات البحر مرتبطة بالجينات التي تُشكل شفرة كتل الخلايا العصبية في رأس أبسط الحيوانات الشبيهة بالأسماك، وهي الرميح والجلكي، التي شكلت الكائنات الحية النموذجية للدراسة.

وعادة ما يمر بخاخ البحر عبر طور يَرَقي قبل اكتمال نموه، وتبدو اليرقة كفرخ الضفدع، وفي مقدورها السباحة في محيطها القريب، ولليرقة حبل ظهري يمتد حتى نهاية الذنب. وتفقد اليرقة شكلها الضفدعي المبكّر خلال أيام وتستقر في قاع البحر، ولا تلبث أن تتطور إلى شكل البلوغ.

ولهذا تعد الجلكيات "أحافير حية" لأنها كانت موجودة منذ فترة طويلة مع القليل من التغيير في نوعها. وهذه الحيوانات البحرية هي بعض من الفقاريات الأولى، وتشبه نوعا ما ثعبان البحر.

جين مركزي تم الحفاظ عليه

ونقل الباحثون الفكرة خطوة أخرى إلى الأمام، من خلال ربط جينات "إتش إم إكس" لسمك الجلكى في يرقة "الشرغوف" من نوع من بخاخ البحر المسمي (Ciona intestinalis)، ووجدوا أن الجين ساعد في دفع التعبير عن الخلايا العصبية ذات الذيل ثنائي القطب.

لكن في الجَلَكَيات أو مصاصات الحجر ساعدت الجينات نفسها في دفع التعبير عن الخلايا العصبية الحسية في الجمجمة. والجَلَكَيات رتبة من الحيوانات المائية تتبع طائفة اللافكيات، وهي فقاريات بدائية مستديرة الفم تفتقر لوجود فك، بينما تمتلك فما ماصا قمعي الشكل يحتوي على أسنان، حيث يتعلق بأجساد أسماك أخرى ويمتص دماءها.

وفي علم الحيوانات لا يعد الجلكي دائما سمكا حقيقيا، وذلك بسبب اختلافه الشديد عن الأسماك الأخرى. ورغم تأثيرها على الأعصاب في أجزاء مختلفة من الجسم، فإن الوظيفة المماثلة لجينات "إتش إم إكس" في الجلكي تشير إلى أن لها أصلا تطوريا مشتركا، وربما لعبت دورا في مركزية الجهاز العصبي.

يقول عالم الحيوان أليساندرو بيناتي -من جامعة إنسبروك في البيان الصحفي للجامعة- "لقد ثبت أن "إتش إم إكس" جين مركزي تم الحفاظ عليه"، وأضاف "لقد احتفظ بوظيفته وهيكله الأصلي، وربما وجد في هذا الشكل في السلف المشترك للفقاريات وبخاخات البحر".

Credit: Alessandro Pennati.
الجلكيات تعد "أحافير حية" موجودة منذ عهود طويلة مع القليل من التغيير في نوعها (بيكسابي)

وتؤكد البحوث أن الخلايا العصبية تشترك في خصائص مع أعصاب العُقَد العصبية الشوكية المستمدة من العرف العصبي في الفقاريات، مما يشير إلى أن الهجرة التي كان يُعتقد في السابق أنها قد تكون فريدة من نوعها للعرف العصبي للفقاريات لها جذور تطورية أعمق من ذلك بكثير.

المصدر : ساينس ألرت + مواقع إلكترونية