لماذا يسعى النظام المصري لتنظيم ظهور الشيوخ بالفضائيات؟

علماء الدين مضطرون للحصول على تصاريح للدعوة في الفضائيات. (تصوير خاص لعلماء أزهريين ـ يوليو 2017 ـ القاهرة).
علماء الدين في مصر باتوا مضطرين للحصول على تصاريح للحديث في الشأن الديني على الفضائيات (الجزيرة نت)

عبد الله حامد-القاهرة

أثارت موافقة لجنة الشؤون الدينية والأوقاف في البرلمان على قانون لتنظيم ظهور علماء الدين على الفضائيات دهشة المراقبين في مصر، لأن كل وسائل الإعلام خاضعة تماما لأجهزة الأمن ولا تسمح لأحد بالظهور على شاشاتها إلا إذا كان مرضيا عنه بالكامل. فما الذي تحتاجه الأجهزة من قانون مضمونه مطبق فعليا؟

سبق هذه الخطوة قبل شهور إعلان قائمة من خمسين اسما من الشيوخ والدعاة معظمهم من المقربين للنظام، وقصرت عليهم فقط حق الإدلاء بالفتوى على الفضائيات.

وتؤشر هذه الإجراءات على قلق مفرط لدى النظام من أن "الدين ذاته بات مصدر قلق له" حتى إن رأس النظام عبد الفتاح السيسي كرر في أكثر من مناسبة رغبته في تجديد الخطاب الديني وأحرج شيخ الأزهر علنا بانتقاده مرارا.

‪مؤخرا ظهرت قائمة من خمسين اسما من الشيوخ والدعاة معظمهم من المقربين للنظام يُسمح لهم بالفتوى على الفضائيات‬ (الجزيرة نت)
‪مؤخرا ظهرت قائمة من خمسين اسما من الشيوخ والدعاة معظمهم من المقربين للنظام يُسمح لهم بالفتوى على الفضائيات‬ (الجزيرة نت)

جدل برلماني
وخلال مناقشات القانون، ثار جدل باللجنة الدينية في مجلس النواب المصري حول ما إذا كان التعميم فى تنظيم ظهور علماء الدين في وسائل الإعلام أفضل، أم تحديد التنظيم لبرامج معينة، وما إذا كان التنظيم يشمل موضوع الحديث في شؤون الدين أم في شؤون الدين والدنيا.

وطالب نواب بحذف كلمة "علماء الدين" من مشروع القانون، بينما رأى آخرون ضرورة ألا يكون القانون وسيلة لمنح تراخيص لمن يظهر في وسائل الإعلام من علماء الدين ولكن لحظر ظهور "القلة المخالفة أو غير المؤهلة للحديث في شؤون الدين".

وحسمت لجنة الشؤون الدينية الخلاف بـ"إجبار كل مؤسسة إعلامية على التحقق من حصول عالم الدين على ترخيص سار قبل السماح له بالظهور إعلاميا للحديث في الشأن الديني".

وأسند النص للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بهيئتيه مهمة اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة تجاه المؤسسات الإعلامية التي تخالف ذلك.

كما أقرت اللجنة عقوبة على المخالفين بغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه (1120دولارا) ولا تجاوز 100 ألف جنيه (5600 دولار) لكل عالم تحدث في وسائل الإعلام دون الحصول على ترخيص من اللجنة المختصة، أو أثناء إيقاف أو سحب الترخيص، وتضاعف العقوبة في حالة العود.

وتوافقت اللجنة على غرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه (2770 دولارا) ولا تجاوز 500 ألف جنيه (27770 دولارا) على كل قناة فضائية أو مؤسسة إعلامية استضافت عالم دين غير حاصل على ترخيص من اللجنة المختصة.

عبد القوي قال إن الهدف من اشتراط التصاريح هو دفع الشيوخ لقول ما تريده السلطة (الجزيرة نت)
عبد القوي قال إن الهدف من اشتراط التصاريح هو دفع الشيوخ لقول ما تريده السلطة (الجزيرة نت)

سيطرة عسكرية
ويبدي سلامة عبد القوي مستشار وزير الأوقاف السابق دهشته من سعي السلطة الحالية لتنظيم ظهور الشيوخ على الفضائيات رغم "وضعهم تحت سيطرته".

ويفسر عبد القوي هذا الاتجاه بخروج الشيوخ على النص الرسمي لأن "دين الله لا يتجزأ ولا يعرف الحيادية تجاه قضايا جوهرية"، لذا "فالسيطرة غير محكومة تماما"، وهذه التصاريح هدفها "دفع الشيوخ لقول ما تريده السلطة العسكرية، ووضع الشيوخ تحت سيف إلغاء التصاريح حال خروجهم عن النص الرسمي"، حسب تعبيره.

ويعتقد عبد القوي أن "المانح الحقيقي للتصريح جهة أمنية لا يعي ضباطها أبسط أمور الدين"، معبرا عن أمله في ألا يقبل العلماء "الإهانة المتمثلة في أن يكون كلامهم في دين الله بانتظار موافقة من ضابط".

ويؤكد المتحدث أن النظام الحاكم يسعى للسيطرة بكل الأشكال كما فعل بالسيطرة على المساجد والأزهر حتى لو أدت سيطرته إلى "منع خير الكلام عن الناس".

كارثة
ورأى البرلماني السابق طارق مرسي في خروج هذا القانون من البرلمان "كارثة تبين إلى أي مدى بلغت الاستهانة بالقوانين والدين معا خدمة للاستبداد".

ويقول مرسي إن البرلمانيين المفترض فيهم مناقشة ما يهم الناس فعلا وما يفيد دنياهم وآخرتهم باتوا "أداة للنظام العسكري الحاكم لتقنين رغباته في السيطرة، ليفسد علهيم دينهم كما أفسد دنياهم".

ويعتقد البرلماني السابق بـ"عدم دستورية هذا القانون" لأنه يضيق على فئة دون أخرى في الظهور الإعلامي. ففي حين لا يقنن ظهور "نجوم الإفساد"، فإنه يحد من "ظهور المصلحين من الدعاة وعلماء الدين"، كما "لا يتم التعامل مع رجال الدين المسيحيين بالمثل".

ويتوقع مرسي أن يجري تنفيذ هذا القانون ومنح التصاريح للعلماء عبر الضابط المعني بشؤون الفضائيات، وستمثل هذه التصاريح "ميزة للممنوح له التصريح"، إذ تدفع الفضائيات مبالغ مالية للضيف مقابل الظهور في برامجها، مما سيدفع العالم للحرص على "الالتزام بالتعليمات والضوابط وعدم إغضاب الضابط حفاظا على التصريح وعوائده".

المصدر : الجزيرة